التصعيد التركي الامريكي شمال سوريا.. تثبيت نقاط أم ابتزاز تركي؟
حسام زيدان
مازالت النار مشتعلة في اوكرانيا، والتصعيد الميداني على ارضها، يقابله ارتدادات مختلفة في مناطق تواجد المجموعات المسلحة شمال سوريا، الا ان طبيعة التشابك الدولي والإقليمي هناك، يجعل من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ترتبط بالحرب المفروضة على سوريا، وبالذات فيما يخص التركي، الذي يحاول الاستفادة من التداخل في المصالح والضغط على روسيا وسوريا في ملف الشمال السوري.
إن المؤشرات القادمة من شمال البلاد، تؤكد ان ارتدادات محتملة، وخيارات تصعيد وتوتر، تأتي ضمن حسابات تركيا للضغط على روسيا، حيث ترجح المعطيات ان تستغل الولايات المتحدة الامريكية وتركيا، انشغال الروسي في أوكرانيا، ورفع مستوى التوتر في مناطق ادلب وريف حماة وحلب واللاذقية، عبر المجموعات المسلحة.
ومع استقراء بسيط للمتغيرات هناك، تأتي احداث متلاحقة تعزز هذه الفرضية، بدايتها كانت مع زيارة مجموعة أمنية واستخباراتية "أوكرانية تركية" للشمال السوري بذريعة بحث فكرة تجنيد مسلحين للقتال في اوكرانيا، والتقت هذه المجموعة بحسب مصادر مطلعة، بـ"حركة ثائرون" المسلحة المدعومة من الجيش التركي، والقائمين على المجموعات المسلحة مثل فرقة "سلطان مراد"، وجيش "المهاجرين والأنصار"، في هذا التوقيت وليس مصادفة، بدأت مناطق خفض التصعيد، في ارياف ادلب وحماة وحلب، تشهد تصعيدًا عسكريًّا جدّدت فيه "غرفة عمليات الفتح المبين" والتي تتزعمها جبهة النصرة، اعتداءاتها على معظم المحاور، كما نفذت المجموعات المسلحة عملية تسلل شمال غربيّ حماة على قاعدة للجيش السوري، كسرت فيها قواعد الاشتباك القائمة.
في غضون ذلك، دعم الجيش التركي محارسه ونقاط مراقبته العسكرية غير الشرعية في محيط طريق حلب – اللاذقية المعروفة بـ M4، بريفي إدلب الجنوبي والغربي بالمزيد من الجنود والعتاد العسكري، بخلاف إجراءاته التي اتبعها على مدار الاشهر الأخيرة، وعمد الاتراك إلى تجميع عدد من نقاط مراقبته في جبل الزاوية جنوب إدلب، ونقل جنود وعتاد عسكري منها إلى شمال M4 والى مناطق أخرى، وأكدت مصادر محلية ان رتلاً عسكرياً تركيا، مكوناً من ٥٠ آلية عسكرية محملة بعتاد عسكري ومعدات لوجستية، اجتاز معبر باب الهوى شمال إدلب ووصل إلى عدد من نقاط مراقبته المتمركزة في بلدات بليون وبسامس وشنان لتدعيم هذه النقاط التي تقع في خط الجبهة الأمامي.
وأشارت المصادر إلى أن قافلة مماثلة للجيش التركي، مؤلفة من ٤٠ مدرعة و١٠ شاحنات محملة بعتاد عسكري ولوجستي، اجتازت معبر باب الهوى ودخلت إلى القاعديين العسكريين في تفتناز والمسطومة وإلى نقاط مراقبته في جبل الزاوية، ولاسيما تلك القريبة من M4 مثل بزابور والمغارة ومعترم شمال وجنوب الطريق الدولية وإلى عدد من نقاط الحراسة على مشارفه الممتدة من مدينة أريحا إلى بلدة محمبل وصولاً إلى سهل الروج واشتبرق بجسر الشغور. كل ذلك ترافق مع لقاءات تركية أمريكية كان ابرزها، لقاء وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، بنظيره التركي، خلوصي آكار، في الحادي والعشرين من شهر آذار الماضي، حيث اعتبر من اهم التحركات التركية الامريكية التي بحثت تخريب الاستقرار السوري وتحريك بؤر التوترات الأمنية لصالح الأمريكي والإسرائيلي، وصولا الى اطلاق استراتيجية أمريكية تركية، للتعاون في مجالي الاقتصاد والدفاع، بحسب الخارجية الأمريكية.
واخطرت إدارة بايدن الكونغرس قبل أيام أن بيع طائرات إف 16 لتركيا ستعزز مصالح الأمن القومي الأمريكي، ويساعد في توحيد الناتو، وهذه الاستراتيجية تؤكد براغماتية الاتراك في التعاطي مع ملف الازمة الأوكرانية، بحيث استغلت انشغال الروسي للتصعيد العسكري الموضعي في سوريا، هذا التصعيد سيحافظ على عدم الاحتكاك المباشر مع الجيش الروسي، ويتجنّب رفع التكلفة والاكتفاء بالضغط النقطي، لكن بما يربك الدولة السورية، وما يمكن استنتاجه من هذا التحرك الأمريكي التركي، هو الحاجة الامريكية لتركيا في هذا التوقيت بالذات بسبب انشغالها بالأزمة الأوكرانية، ودعم موقع تركيا الى طاولة اللاعبين الإقليميين والدوليين في الملف السوري، والتعاطي معها كوكيل، وترجّح هذه المؤشرات مجتمعة إلى وجود صفقة ثلاثية: تركية أميركية إسرائيلية، بعد عودة العلاقات التركية مع الكيان الإسرائيلي، هذه الصفقة تستثمر رغبة أنقرة في توسعة دورها الإقليمي والدولي واللعب ما بين الحبال.
إن المعطيات على الأرض حتى اللحظة، لا تحمل معها نقاط تحوّل جذرية، وتؤكد ان ما تقوم به انقرة هو أشبه بالمناورة ضمن إطار تبادل الرسائل وتحقيق المكاسب الممكنة في شمال سوريا. وتبقى الأهداف التركية محدودة ومعروفة، ولن تملك الا الهشاشة على المستوى السياسي والميداني، بعد الإنجازات السياسية والعسكرية للدولة السورية، اثر الانتصارات الكبيرة التي حققتها، والمساحات الجغرافية التي باتت اضيق على الاتراك والمجموعات المسلحة.