التآمر الرياضي على العراق.. الامارات انموذجًا!
عادل الجبوري
من المعروف لدى الكثيرين، أن العراق بعد غزو نظام الحكم السابق لدولة الكويت في عام 1990، حرم من استضافة أي فعاليات رياضية على ملاعبه، كجزء من العقوبات والحصار الذي تم فرضه عليه وفق القرارات الدولية، علمًا أنه خلال فترة الحرب العراقية المفروضة على ايران التي اندلعت في عام 1980، لم يشهد العراق استضافة دورات وبطولات رياضية ذات طابع دولي أو آسيوي أو عربي، رغم أنه كان متاحًا له ذلك، بسبب ظروف الحرب الاستثنائية.
وبعد الاطاحة بنظام صدام في ربيع عام 2003، لم تأت الرياح بما تشتهي سفن الرياضة العراقية، وبقي العراق يعاني من الحرمان في استعادة حضوره ودوره في المحافل الرياضية المختلفة، جراء الاحتلال الاميركي، والارهاب التكفيري -القاعدة ثم داعش- فضلا عن افتقاره الى المنشآت والملاعب الرياضية المناسبة، ناهيك عن الأمور اللوجيستية والفنية المتعلقة بها.
وطبيعي أن تكون مثل تلك الظروف والأحوال بمثابة مبررات وحجج كافية ومقنعة لرفض أو تردد الفرق الرياضية العربية والأجنبية من المجيء الى العراق واللعب على أرضه، بيد أنه مع مرور الوقت، لم تبقَ الأمور على حالها، فإلى جانب التحسن الكبير في الأوضاع الأمنية بمختلف مدن ومناطق العراق، نجحت الجهات المعنية في بناء وتشييد عدد من الملاعب والمنشات الرياضية ذات المواصفات العالمية، مثل المدينة الرياضية في محافظة البصرة جنوبي البلاد، وملعب كربلاء الدولي، وملعب فرانسو حريري الدولي في اربيل، وملعب المدينة الدولي في العاصمة بغداد، الى جانب ملاعب اخرى. اذ مثل كل ذلك، عوامل مشجعة للعراق لكي يطالب بمغادرة وطي صفحة الحصار والعقوبات والعزلة والمقاطعة.
بيد أنه، ولأسباب ودوافع وأجندات وحسابات سياسية معينة، لم يجنِ العراق طيلة أعوام سوى الوعود الزائفة والمخادعة من أشقائه العرب، لا سيما هؤلاء المهيمنين والمؤثرين في الاتحادين الاسيوي والدولي لكرة القدم، فعلى سبيل المثال، كان مقررًا أن يستضيف في عام 2013 بطولة خليجي 21، ولكن الاتحادات الخليجية لدول مجلس التعاون الخليجي، قررت نقل البطولة الى البحرين، بذريعة عدم اكتمال المنشات الرياضية في مدينة البصرة التي كان من المزمع أن تستضيف البطولة، وتكرر ذات السيناريو مع البطولات اللاحقة، 22 و 23 و 24. والآن هناك محاولات ومساعٍ متواصلة يبذلها أكثر من طرف خليجي من أجل الالتفاف على العراق مرة أخرى، وبالتالي حرمانه من تنظيم واستضافة بطولة خليجي 25، التي كان مقررًا انطلاقها نهاية العام الجاري في البصرة، بيد أنه تم تأجيلها الى العام المقبل، في ظل مؤشرات واضحة الى حد كبير لنقلها الى الكويت.
وليس غريبًا أن تكون هناك مماطلات ومراوغات كثيرة وكبيرة من قبل الجهات الدولية والاسيوية والخليجية الرياضية العليا في التعاطي مع العراق، وليس غريبًا أن يكون هناك ارتباط وثيق بين تلك المماطلات والمراوغات، ومجمل المواقف والتوجهات السياسية، والقرار الأخير للاتحادين الدولي والآسيوي لكرة القدم، بعدم السماح للعراق باللعب على أرضه في اطار تصفيات كأس العالم، ونقل مباراته مع الامارات الى العاصمة السعودية الرياض، بعدما كان الاتحادان قد اعتبرا في وقت سابق قريب، أن العراق بات مؤهلا من النواحي الأمنية والفنية واللوجيستية المختلفة، لاستضافة الفرق الاخرى في ملاعبه. ذلك القرار لا يخرج عن هذا السياق، بل وأكثر من ذلك، انه يعكس ويثبت طبيعة وحقيقة الأجندات السياسية التي تتحكم بالقرارات الرياضية.
حجة الـ(FIFA)، والـ(AFC) هذه المرة، تمثلت في أن العراق لا يتمتع بالامان والاستقرار الكافيين والمطلوبين، بعد تعرض مدينة اربيل الكردية لقصف صاروخي من قبل الحرس الثوري الايراني، في الثالث عشر من شهر اذار-مارس الجاري، استهدف مقرًا تابعًا لجهاز المخابرات الاسرائيلي (الموساد)، بحسب ما ذكرت ذلك الأوساط الرسمية الايراينة، وما تداولته بعض المحافل السياسية والأمنية ووسائل الاعلام الاسرائيلية المختلفة.
ولعل الاطلالة السريعة على مجمل زوايا ومساحات المشهد العام، تكشف هشاشة وضعف حجة أصحاب القرار الرياضي الدولي والاسيوي، وعدم قدرتها على الصمود أمام الكثير من الوقائع والأحداث والمعطيات والارقام، التي تعد حقائق وبراهين ودلائل دامغة على طبيعة وحقيقة الأجندات السياسية للقرارات الرياضية.
وكما أشرنا سابقًا، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه بقوة، هو أنه اذا كان الاتحادان الدولي والآسيوي قد قررا حرمان العراق من اللعب على أرضه بسبب تعرض احدى مدنه (احد مقار الموساد في اربيل) لقصف صاروخي، فلماذا لم يصر الى منع دول أخرى تعرضت وتتعرض باستمرار لعمليات قصف جوي وصاروخي، من لعب فرقها الرياضية والفرق الخارجية على أراضيها، كالمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة، ومن لا يتذكر ما تعرضت له العاصمة الاماراتية ابو ظبي خلال الشهور القلائل الماضية، من ضربات قوية من قبل القوات المسلحة اليمنية، وكذلك ما تعرضت له المنشآت النفطية والعسكرية السعودية؟
والنقطة الأخرى في هذا السياق، هي أنه إذا كانت اربيل قد شهدت أوضاعًا أمنية استثنائية، فهذا يفترض أن لا ينسحب بالضرورة على مدن اخرى، مثل البصرة وبغداد وكربلاء، علما أن (الفيفا)، قرر في عام 2016 رفع الحظر جزئيا عن الملاعب العراقية، اذ سمح باقامة المباريات الدولية على ملاعب اربيل والبصرة وكربلاء، ولم يسمح بذلك في بغداد، بسبب ظروفها الامنية غير المستقرة حينذاك، وهنا يكون الاتحاد الدولي لكرة القدم قد ناقض نفسه، حينما قرر بصورة مفاجئة نقل مباراة العراق والامارات، التي كان مقررًا اقامتها في ملعب المدينة الدولي في العاصمة بغداد، الى ملعب محايد، لان الاخيرة لم تتأثر بما تعرضت له اربيل، هذا اذا افترضنا جدلًا أن القصف الصاروخي أربك الاوضاع في اربيل، والواقع انه لم يكن كذلك بالمرة.
وفي أوقات سابقة، كان (الفيفا) قد أصدر عبر تقارير وبيانات وتصريحات مختلفة، تقييمات ايجابية جدا لصالح العراق، بخصوص استعداده وقدرته على احتضان الفعاليات والنشاطات الرياضية الدولية والقارية، وما عزز تلك التقييمات الايجابية، هو أن الملاعب العراقية في بغداد والبصرة واربيل وكربلاء، احتضنت عدة مباريات ودية منذ عام 2018، فضلا عن احتضان ملعب المدينة الدولي ببغداد نهائي بطولة غرب اسيا، مطلع شهر كانون الاول-ديسمبر الماضي بين منتخبي العراق ولبنان، والتي مثلت مؤشرًا عمليًا واضحًا على أن كل الظروف والأوضاع الأمنية والفنية واللوجيستية مهيأة للعراق ليستعيد حضوره ودوره الرياضي على ملاعبه بعد أكثر من ثلاثة عقود من العزلة والحصار والعقوبات.
وتذهب المؤشرات والمعطيات المتبلورة من مجمل التحركات والخطوات والقرارات المتناقضة للاتحادين الدولي والاسيوي، الى أن هناك ضغوطات من أطراف عربية، وتحديدًا من دولة الامارات، حيث إنه وبعد اصرار العراق على معرفة الأسباب الحقيقية الكامنة وراء قرار الفيفا المفاجئ وغير المبرر، أكد الأخير في رده، أن الامارات هي من طلبت وألحّت في الطلب على نقل مباراتها مع العراق الى مكان آخر. ومن غير المستبعد أن تكون هي ذاتها من تتحرك وتحشد الاتحادات الخليجية الأخرى، لنقل بطولة خليجي 25 المقررة مطلع العام المقبل، من مدينة البصرة الى الكويت. وهذا يؤشر بوضوح الى أن المواقف السياسية، وطبيعة الصراعات والاصطفافات السياسية في المحيط الاقليمي والفضاء الدولي، كانت وما زالت وستبقى تلقي بظلالها على المشهد العراقي، في جانبه الرياضي، كما في جوانبه الأخرى، الأمنية والاقتصادية والثقافية والمجتمعية.