kayhan.ir

رمز الخبر: 148385
تأريخ النشر : 2022April03 - 20:31

قرن غروب اميركا واشراقتنا

 

حسين شريعتمداري

1 ـ العام الاول من القرن الخامس عشر  نبدأه وقد شهدنا واحدة من اكبر الاحداث التاريخية والاكثر مصيرية في القرن السابق. فالثورة الاسلامية عودة جديدة للاسلام المحمدي الاصيل، وبعبارة اخرى احياء البعثة او بعثة ثانية. وليست البعثة الثانية بمعنى صدور تعاليم مختلفة عن ما كان سابقا، وانما مع الثورة الاسلامية تربع الاسلام المحمدي الاصيل مرة ثانية بعد 14 قرنا على كرسي الحكومة.

ان الاسلام الاصيل كان حاضرا فيما مضى ولكن في بطون الكتب وفي اذهان بعض علماء الدين. فكان حضوره على الصعيد النظري لاعلى ساحة الواقع..

فهي وصفة شافية ولكن لم تحرر. فالذي حصل ان اخرج الامام الراحل (رضوان الله تعالى عليه) الاسلام المحمدي الاصيل من بين الكتب  والمكتبات فنفض ما تعالى من الرين المتراكم من بدعْ وتحريفٍ واعوجاج فكري لقرون متمادية على صفحة الاسلام، ليعكس الاسلام الاصيل كما بدأ اول مرة...

إن حكايتنا المشحونة وهجوم نظام الهمينة العالمي واذنابه الصغار والكبار من كل صوب بدأت بالضبط من هذه النقطة. الهجوم الذي استمر لـ 43 عاماً دون توقف، ولكن لماذا؟ 

2 ـ ان الاسلام الاصيل يأبى الضيم والاسلام الذي لا يأبى الضيم ليس بإسلام؛ "لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط"، فالاسلام الذي ينسجم مع تخمة المرفهين وذوي رؤوس الاموال الضخمة والظلم الى جانب الفقر ومعاناة المستضعفين، ليس بالاسلام فهو يطلق عليه كما اسماه سماحة الامام بتعبير حكيم الاسلام الاميركي. ومن البديهي حين يتربع هكذا اسلام على كرسي الحكم ويتصرف عمليا، فان اول حدث سيحصل ـ وقد شهدنا وقوعه ـ هو الذي يقف بوجهه نظام الهيمنة الدولية وينفث عداءه. اذ ان نظاما بهذه الخصوصية سيحرج نظام الاستبداد وبعبارة ثانية بدء صراع النظام الاسلامي مع نظام الاستبداد الماهوي اذ يُستمد من ماهية الجانبين. وهذا الصراع سينتهي حين يحصل احد أمرين؛ اما ان نتراجع عن حضور الاسلام الاصيل على منصة الحكم او ان ينسلخ  نظام الهيمنة (والذي يترأسه اميركا) عن سجيته الاستبدادية!

ومادام لم يقع احد الامرين فان الصراع سيستمر. فلربما تتغير ساحات الصراع الا ان اساسه باق.

3 ـ ان حقيقة الثورة الاسلامية وسبب صراعها مع القوى الاستكبارية يمكن استشفافه في سؤال مراسل مجلة تايمز الاميركية (بعد اشهر من انتصار الثورة) الذي وجهه للامام (ره) واجابة سماحته. فقد قال مراسل المجلة؛ "لقد خضت حياة تختلف عن العالم الحديث هذا. فلم تقرأ ابحاثا تتعلق بالاقتصاد المعاصر والقوانين والعلاقات الدولية، اذ ان تحصيلك الدراسي يختصر على العلوم الاسلامية والالهية. فهلا تشعر بضرورة إعادة النظر في الطريق الذي انتخبته"؟ فيجيب الامام الخميني(ره) قائلا: "لقد افشلنا المعادلات العالمية والمعايير الاجتماعية والسياسية والتي كانت جميع الشؤون الدولية ترتكز عليها فقد جئنا باطار جديد فيه العدل ملاكا للدفاع والظلم ملاكاً للهجوم. فندافع عن اي عادل ونحمل على كل ظالم. والامر اليك ان تطلق ماشئت على ذلك. فنحن سنضع الحجارة لاتمام البناء. آملين ان ينبري أشخاص لينشؤوا مبنى كبيرا للامم المتحدة ومجلس الامن وسائر المؤسسات على هذا الاساس، لا على آلية نفوذ الرأسماليين واصحاب القوى" ومن ثم يقول؛ "نعم مع حساباتك انا لا اعلم شيئا ومن الافضل ان لا اعلم".

ان مراسل مجلة تايمز قد كتب في مقدمة لقائه وباسلوب تلويحي؛ "الحديث عن رجل ديني شيعي كبير يزعم انه جاء ليغير نظام الحكم ليس في ايران وحسب بل في عالمنا المعاصر ليحل محله نظاماً  يتم توصيف العدل والظلم والعلاقات الاجتماعية والمعادلات السياسية حسب موازين الاسلام"!

ليت مراسل المجلة كان حيا ليشهد باُم عينه ما كان يعتبره بغير الممكن، فان رحل عن دنيانا سيشهد هذه الواقعة العظيمة حسب منطوق الآية "فبصرك اليوم حديد".

4 ـ ان مقارنة بسيطة بين المكانة والظروف التي كانت قبل 43 عاما وما توصلنا اليه اليوم من مكانة وظروف. فلا يترك ادنى شك حتى لاقل الناس دركا انه خلال اربعة عقود اختصرنا مسيرة مئات   السنين وكل هذا في الوقت الذي ووجهنا خلال ا لـ 43 عاما بانواع العداء والهجمات المتلاحقة لنظام الهيمنة العالمي وذيوله الداخلية. فقد جاء في النصوص السياسية الحالية والتقليدية انه لاجل تقييم اي نظام حكومي جديد النشأة ان يجتاز في الاقل ثلاث سنوات من عمره، ولكننا مع بدء انتصار  الثورة الاسلامية ووجهنا بانواع العداء والمؤامرات، وحوادث اقليمية وعقوبات والتخطيط لعدة انقلابات، واحداث المجاميع الارهابية، والحرب المفروضة، وحرب المدن، واطلاق الصواريخ على المدن، و القصف الكيماوي، وحرب الناقلات، وتوغل الجواسيس في المراكز الهامة للنظام، وابداع تيارات موازية مثل حركة طالبان، والتشيع البريطاني والتسنن الاميركي، والزج بالجماعات التكفيرية كتنظيم داعش، واطلاق مئات بل آلاف المنصات الاذاعية والمتلفزة والتدوينية ضد الجمهورية الاسلامية و...

ان بعض هذه المؤامرات التي حيكت ضدنا كانت تكفي لقلب دولة مقتدرة بفترة وجيزة. على سبيل المثال خلال الحرب المفروضة، تكالبت جميع القوى الصغيرة والكبيرة في العالم المتمحور حينه، وبجميع ما اوتوا من عدة وادوات الحرب والسياسة والاعلام دعماً لصدام، فمن دبابات ليوبارد الالمانية وتشيفتن البريطانية، وصواريخ اكزوز ومقاتلات الميراج وسوبراتاندارد الفرنسية، وطائرات الميغ وصواريخ سكاد الروسية، والقنابل  الكيماوية الالمانية والبريطانية، وصواريخ سايد بايندر وطائرات الآواكس الاميركية، والدولارات السعودية والكويتية والاماراتية و... الا اننا وكما قال امامنا الراحل (ره) كنا وحيدين في جميع هذه الميادين و...

5 ـ لقد ادعى "فرانتس فوكوياما" المنظر الاميركي الشهير في دراسته المعروفة تحت عنوان "نهاية التاريخ" بان بداية الالفية الثالثة للميلاد هي بداية السلطة الليبرالية الديمقراطية الاميركية، وان جميع الدول ستنخرط تحت هذه المظلة! الاان الاحداث التي لم تكن  في حسبان فوكوياما ونظائره عكست ان التاريخ قد نفد لاميركا فيما بدأت لتوها حركة التاريخ للثورة الاسلامية بريادة ايران الاسلامية. فحسب "اوليوت كوهن" فان بداية الالفية الثالثة وعلى العكس من توقعات " فرانتس فوكوياما" ليست هي مرحلة "نهاية التاريخ" وبداية مرحلة الهيمنة الليبرالية الديمقراطيةللغرب على العالم.

وانما شهد العالم ولادة محور الاسلام المقتدر بزعامة الخميني وخامنئي. ان فوكوياما قد سحب نظريته اذ يقال انه بمعية سبعة اشخاص من المفكرين  الاميركيين المرموقين وهم؛ كريستوفر لين، ورابات باتنيك، والفرد ماك كوي، وديفيد راني، وفريد زكريا، وجيمز بتراس، ونعوم جامسكي، قد توقعوا من خلال بيان اصدروه انهيار اميركا.

فقد صرح "ايمانوئيل فالرشتاين" عالم الاجتماع الاميركي الشهير، والقلق يساوره؛ "ان العقبة الكأداء التي تواجهنا كي نعد نظاماً عالمياً جديدا تتمثل في عقيدة ولاية الفقيه التي طرحها الامام الخميني ... فجميع النظريات يطالها الشيخوخة مع تقادم الايام لتلتحق بارشيف التاريخ، إلا ان نظرية ولاية الفقيه لـ (الامام) الخميني تزداد عمقا ووضوحا لتكون ملهمة لكثير من المسلمين".

يا حبذا لو صوبنا بؤبؤة انظارنا بخصوص مصير الثورة الاسلامية في قرننا الحالي من حدقة عين الامام الراحل التي لم تتوهم أبداً، فيقول سماحته ؛ "ان النهضة الاسلامية الايرانية في نهايات هذا القرن ستترك بصماتها على مصير الامة الاسلامية في القرن القادم". صحيفة الامام المجلد العاشر الصفحة 364

6 ـ الا ان رغم كل ما تعكسه الشواهد والقرائن شموخ الجمهورية الاسلامية الايرانية اليوم فالاعداء لم يكفوا عن عدائهم وحياكة المؤامرات، فالندية ماضية بيننا وبين نظام الهيمنة. فالعدو انزل خلال 43 عاماً الماضية جميع مقالبه وكل ما يمتلكه من خدع ضد ايران الاسلامية واهلها هذه الديار المحروسة ولم ينثني عن سعيه. فالحرب الاقتصادية والناعمة هي آلياته الحديثة ولربما آخر ما في جعبة معسكره ووسائل اعلامه في دورها المحوري البارز.

7 ـ ولندقق في توجيهات سماحة القائد الحكيمة والتي القاها لمراسم الاربعين مخاطبا الشباب؛ "اعطوا الاهمية لقضية "التبيين"، اذ هناك الكثير من الحقائق  ينبغي ان تتضح، انها في مواجهة الحركة التضليلية التي تكالبت من مائة صوب باتجاه الشعب الايراني محاولة التاثير على الرأي العام كواحدة من الاهداف الكبيرة لاعداء ايران والاسلام والثورة الاسلامية، لخلط المفاهيم وتعطيل ذهن الامة لاسيما الشباب، فحركة التبيين تبطل هذه المؤامرات التي يرسمها الاعداء. فمن الممكن نشر الفكر الصائب والراي الصحيح والاجابة على الاشكالات  في خضم هذه الاجواء، اذ بالامكان صب التركيز على المعنى الحقيقي لكلمة الجهاد هنا".

8 ـ اننا والخصوم نمتلك نقطتي ضعف وقوة. فنقطة قوة الخصم تكمن في وسائل الاعلام الواسعة، ومن هنا فنحن على مسافة من الخصم (لحسن الحظ تقلصت هذه المسافة يوما بعد آخر).

ونقطة القوة لدينا تكمن في الخطاب الملهم والمنطقي والانساني للاسلام وللثورة، فكما قال الامام الراحل؛ "ان العالم اليوم متعطش لثقافة الاسلام المحمدي الاصيل". فالخصم من هذه الزاوية اكثر ضعفا من ان يواجهنا بالحوار، وبالضبط لهذا السبب لجأ العدو الى المخادعة في الخطاب  بدل التحاور الفكري وتعاطي الآراء. وبعبارة اخرى يمكن القول بضرس قاطع  ان معسكر العدو خالي الوفاض في الحرب الناعمة، ومن هنا لجأ الى سبل نفسية ليجبر نقصه مثل، القاء الشبهات، واصطناع البديل، وتسطير الاكاذيب، وحرف الحقائق، والتضليل ولاسيما  اعتماد الطابور الخامس واذنابه داخل البلدو...

لربما يبدو مستغربا من النظرة الاولى ان نستشف القضية بهذا الشكل، الا ان جميع الشواهد والادلة تعكس واقعية الامر، بان الهجوم الاميركي على مستوى الحرب الناعمة من النوع الدفاعي فالضربة الاولى كانت من قبل الثورة الاسلامية صوب هيكل اميركا وحلفائها لتدك معسكر الاستكبار  العالمي. فلنا اليد الطولى  في الحرب الناعمة وبتعبير ادق "جهاد التبيين"، ويكفي ان نشخص خاصرة العدو الضعيفة لنطلق على تلك النقطة، ولنا هنا حديث مفصل.