kayhan.ir

رمز الخبر: 148039
تأريخ النشر : 2022March13 - 20:09

الحِصرٍم الذي اُعتصر شراباً!

 

حسين شريعتمداري

1 ـ حين اسس "نجم الدين اربكان" ذو التوجه الاسلامي، عام 1987 حزب الرفاه الذي  يستظل بشعار خلاص  بلاده من الهيمنة الاميركية، قلة من كانت تظن ان يتم استقبال هذا الحزب من غالبية الشعب التركي المسلم. ولكن بعد تسع سنوات فاز السيد "نجم الدين اربكان" امين عام حزب الرفاه بالانتخابات ليتربع على منصب رئاسة الوزراء التركية العلمانية.

ولم تستمر حكومة اربكان اكثر من عام واحد، فاستهدفت من قبل الجنرالات الاتراك، تماشيا مع توصيات كمال اتاتورك الذي كان يقول "كلما صارت اوضاع البلد فوضوية وتم تشخيص فساد المعنيين في الحكومة، فلا تترددوا بالسيطرة على مقاليد الامور ـ MARSHAL LAW ـ وعندها عودة الامور الى نصابها، كحكومة غير عسكرية موازية، ويعتزل الجيش عن ادارة الحكومة".

ان فوز اربكان وحزبه الاسلامي  يدلل على ان الشعب التركي المسلم قد ضاق ذرعاً من حكومة علمانية لعشرات السنين مطالبا بعودة الحكام للشريعة الاسلامية.

2 ـ وبعد سنوات ـ في مارس 2003 ـ وصل "رجب طيب  اردوغان" زعيم حزب العدالة والتنمية الاسلامي لرئاسة الوزراء باستفتاء شعبي.

فكانت الانتخابات وثيقة اخرى على عدم رضا الشعب التركي المسلم عن حاكمية النهج العلماني، معربين عن خيارهم للحكومة الاسلامية، بوضوح.

والجدير  ذكره انه بعد انتخاب عبدالله غول لرئاسة الجمهورية وتولي رجب طيب اردوغان لرئاسة الوزراء التركية عام 2007، كتبت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية؛ "كان لغطاء راس زوجة غول واردوغان الدور الكبير في فوز هاتين الشخصيتين ذوي التوجه الاسلامي القريب من الاخوان المسلمين". واوضحت الصحيفة البريطانية؛ "إن لغطاء راس زوجة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء التركي، اذ يعكس التعبير عن تعاطف مع الثورة الاسلامية الايرانية".

3 ـ ان اقبال  الشعب التركي على اردوغان يعود لسمعته بميوله الاسلامية ومعارضته للعلمانية وتقاطعه مع  اميركا واسرائيل.

فقد تتلمذ اردوغان على تعاليم مدرسة الامام الخطيب  الدينية ومن ثم كلية العلوم الاقتصادية بجامعة مرمرة. وفي عام 1980  وبسبب الاصرار على تطبيق الوظائف الدينية تم اخراجه من مركز حكومي، وفي عام 1998 وبعد قراءة قصيدة اسلامية حكم عليه بعشرة اشهر حبسا بتهمة تجاهل القوانين وقرارات الحكومة التركية العلمانية و... وخلال فترة حكومته لرئاسة الوزراء، واثناء ارساله سفينة "مرمرة"  الحاملة للمساعدات البشرية لاهالي غزة المحاصرين، كسب مكانة خاصة بين المسلمين.

اذ ووجهت السفينة باعتداء الجيش الاسرائيلي مما ادى الى استشهاد  العديد من طاقم السفينة، واعقبها الشجار اللفظي الشديد بين اردوغان وشمعون بيريز رئيس جمهورية الكيان الغاصب لفلسطين، مما زاد من محبوبية اردوغان.

4 ـ وسرعان ما فقد اردوغان شعبيته التي كسبها. فالتعاون الواضح لاردوغان مع اميركا واسرائيل والسعودية وقطر  لمواجهة الحكومة السورية التي هي واحدة من الحلقات الاساس للمقاومة في المنطقة. فذهبت شعبيته شيئا فشيئا ادراج الرياح.

وبعد فشل التحالف الغربي العبري العربي في حرب سورية، كان المتوقع ان يستعيد اردوغان توازنه المنطقي! الا ان هذا الاحتمال لم يتحقق، فاستمر اردوغان وعلى العكس مما كان الشعب التركي الذي انتخبه  يتوقعه، استمر في نهجه الملوث الذي ارتضاه، حتى دعا قبل اسبوع "اسحاق هرتزوك" رئيس الكيان الصهيوني  قاتل الاطفال ومرتكب افظع الجرائم، لزيارة تركية. فووجهت دعوة اردوغان بالمعارضة الشعبية الشديدة  للاتراك وخرج الناس للشوارع حارقين علم الكيان الصهيوني، والوقفات الشعبية الاعتراضية في تزايد.

5 ـ وتأتي دعوة اردوغان لرئيس كيان مصاص  للدماء، في وقت يمر على الصهاينة اشد المراحل صعوبة وتزلزلا في تاريخها المعاصر، التصرف المثير للاستغراب  والمناقض لابسط القراءات السياسية لرئيس  جمهورية بلد اسلامي.

فهل كان اردوغان غائبا عن الساحة؟  فلا يمكن اعتبار الاجابة بنعم ولكن يقوى الاحتمال ان هذه الدعوة تصطف  مع مهمة متفق عليها! وتعكس بلوغ اردوغان نهاية المطاف ويخبط خبطاً عشواء!

6 ـ ان المرحوم "نجم الدين اربكان"  مؤسس حزب الرفاه الاسلامي في تركيا والذي وافته المنية سنوات مضت، قد لازمه القلق من مواقف اردوغان بعد ان زادت قدرته، ولطالما انتقده بشدة. وفي مرة وخلال حديث لاحد الدبلوماسيين المسلمين اعرب المرحوم نجم الدين اربكان عن قلقه حيال مصير اردوغان، قائلا؛

"ان اردوغان في البدء كان حِصرِماً نتوقع ان يصير عنقود عنب حلواً الا انني اكثر قلقا اليوم من ان يعتصر اعداء تركيا الشراب من هذا العنب"؟