نعم زيارة الإسرائيلي هيرتزوغ لأنقرة “وصمة عار” وقد تكون بداية العد التنازلي لنهايةٍ مأساويّة لأردوغان
عبد الباري عطوان
حَظِيَ رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي إسحق هيرتزوغ باستقبالٍ حار أثناء زيارته للعاصمة التركيّة أنقرة استمرّت يومين، وجاءت بعد قطيعة استمرّت 13 عامًا على أرضيّة المجزرة التي ارتكبتها وحدة كوماندوز إسرائيليّة ضدّ نشطاء أتراك كانوا على ظهر سفينة “مرمرة” كانت في طريقها لكسْر الحِصار على قِطاع غزّة ممّا أدّى إلى استِشهاد عشرة أشخاص.
الرئيس رجب طيّب أردوغان الذي كان يُقدّم نفسه على أنه خليفة المُسلمين الذي يُريد إحياء دولة الخِلافة العثمانيّة وإعادة أمجادها، عانق ضيفه الإسرائيلي، واعتبر زيارته “تاريخيّة” وصفحةً جديدةً في العلاقات بين بلاده ودولة إرهابيّة عُنصريّة تحتل المُقدّسات، وتعمل على طمس هُويّتها الإسلاميّة، وترتكب أبشع الجرائم في “أهل الجِوار” من أبناء شعبها، خاصَّةً في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.
كُنّا من بين ملايين العرب والمُسلمين الذين خُدِعُوا بالرئيس أردوغان، خاصَّةً عندما قدّم حزبه بقِيادته نموذجًا في التنمية والديمقراطيّة والإسلام المُعتدل والعدالة الاجتماعيّة، ونقل تركيا إلى نادي الدّول العشرين الاقتصادي، وازداد هذا الإعجاب عندما صرَخ في وجه شمعون بيريس مُحتَجًّا على أكاذيبه، قائلاً في قمّة دافوس عام 2009 “أنتم قتلة ومُجرمون تُتقنون عمليّة قتل الأبرياء جيّدًا” وجمع أوراقه وانسحب من الاجتِماع، ولم نكن نعلم حينها أنه سيُعانق لاحقًا الرئيس هيرتزوغ ابن أحد أعضاء عصابة الهاغانا الإرهابيّة، ورئيس دولة تُمارس الإرهاب والعُنصريّة، في أبشع صُورها ضدّ شعب يدّعي أردوغان أنه يدعمه وينتصر لقضيّته.
الرئيس أردوغان خسر الكثير من مصداقيّته عندما قاد مشروع تدمير الجارة سورية، وأرسل قوّاته لاحتِلال جُزء كبير من أراضيها، وأراضي عِراقيّة، واستخدم اللاجئين السوريين الضّعفاء كورقة مُساومة ماليّة مع الاتّحاد الأوروبي، وجنّد أعدادًا كبيرةً منهم كمُرتزقة للقِتال في ليبيا وأذربيجان، وربّما قريبًا في أوكرانيا لنُصرة المشروع الأمريكي الإسرائيلي فيها.
اعتقدنا، أن الرئيس أردوغان سيقود العالم الإسلامي ضدّ التطبيع ودولة الاحتِلال عندما تزعّم مُؤتمر كوالالمبور شراكة مع الزعيم الإسلامي النبيل مهاتير محمد الذي لم تستقبل بلاده صُهيونيًّا واحدًا، وزاد اعتِقادنا قُوّةً وصلابةً عندما هدّد بسحب السفير التركي من أبو ظبي احتجاجًا على “سلام أبراهام”، واستِقبال الإمارات للرئيس هيرتزوغ، وكَم كُنّا واهمين، فها هو يَفرِش السجّاد الأحمر لهيرتزوغ، ويقوم بزيارةٍ رسميّة إلى الإمارات سيْرًا على خُطاه.
نُدرك جيّدًا أن حُكومات عربيّة سبقت الرئيس أردوغان إلى التطبيع مع دولة الاحتِلال، مثلما نُدرك أيضًا أن منظّمة التحرير الفلسطينيّة كانت أوّل من سارَ على درب الخِيانة بتوقيعها اتّفاق أوسلو عام 1993، ولكنّنا توقّعنا أن يكون الخليفة أردوغان مُختلفًا، وقلعة شمّاء في وجه هؤلاء جميعًا، ولم نعرف أن إدمان البَقاء في الحُكم بكُل الطّرق والوسائل هو الأولويّة المُطلقة بالنّسبة إليه، وتتقدّم على كُل القيم والمبادئ الأُخرى.
الرئيس أردوغان لم يُقدّم رصاصةً واحدةً لفصائل المُقاومة الفِلسطينيّة على غِرار ما فعلته إيران “المجوسيّة” التي قدّمت الصّواريخ والمُسيرّات، ولم يخض أيّ حرب لنُصرة الأقصى، وكل ما قدّمه حتى الآن مُجرّد “كلمات” طيّبة لبعض قادة هذه الفصائل (حماس)، ولا نستبعد أن تكون الخطوة المُقبلة تضييق الخِناق على عناصرها، وإبعادهم من عاصمة الخِلافة، تلبيةً لشُروط الحليف الإسرائيلي الجديد، تكرارًا لسِيناريو مُماثل جرى تطبيقه ضدّ قِيادات حركة الإخوان المُسلمين، أو بالأحرى الشَّق المِصري منها.
الشعب التركي، أو مُعظمه، لا يُمكن أن يقبل بأن تُصبح حُكومة بلاده “سِمْسارًا” للغاز الفِلسطيني المَسروق، ومَمَرًّا له إلى أوروبا ليكون بديلًا عن الغاز الروسي، وتوريطه في حرب أوكرانيا وضدّ دولة جارة عُظمى (روسيا) ليس له فيها ناقة أو جمل، ولإنقاذ حُكومة ورئيس من فشل سياسات اقتصادية وتدخلاته العسكرية أدّت إلى انهِيار العُملة الوطنيّة، ورفعت مُعدّلات التضخّم وانخِفاض مُستوى المعيشة التي جرى تبنّيها.
الرّد الأقوى والأكثر تعبيرًا على خطوة الرئيس أردوغان بالتّعاون والتّحالف مع دولة الاحتِلال، جاء من خِلال الأتراك الشّرفاء الذين أنزلوا الأعلام الإسرائيليّة التي رُفِعَت احتفالًا بزيارة هيرتزوغ، وأحرقوها ورفعوا بدلها أعلام فِلسطين، مُردّدين شِعاراتهم بنُصرتها، ولا نستبعد أن يأتي العِقاب الأكبر للرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعّمه في الانتِخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة العام المُقبل، وتكون نهايته مأساويّة.. والأيّام بيننا.