لتقرَّ عينك يا رسول الله (ص)
حسين شريعتمداري
1 ـ حين نزلت سورة "هود" أثقل الغم قلب الرسول (ص)، وصار يكرر مهموما: "شيبتني سورة هود". فلماذا؟ فهل بسبب اخبار عن اهوال يوم القيامة وعقبات الحساب والحشر التي تكررت في هذه السورة واعتصرت قلب الرسول الاعظم؟ إلا ان هكذا مضامين قد نزلت في آيات قبل نزول سورة هود وبعدها، فلماذا سورة هود؟!
ان رسول الله (ص) قد اشار بخصوص الآية 112 من سورة هود "فاستقم كما اُمرت ومن تاب معك". الا أن ما يشبه هذه الآية قد نزلت في سورة الشورى. فلماذا سورة هود التي اقلقت الرسول وليست سورة الشورى؟!
وسبق ان اشرنا في مقال سابق بان الاجابة أتت على لسان الامام الراحل ـ رضوان الله تعالى عليه ـ لنقرأ ما سطرته يراعه؛
"... ان عبارة فاستقم كما اُمرت اتت في مكانين في القرآن. احداهما في سورة الشورى، واخرى في سورة هود، الا ان رسول الله قد قال (شيبتني سورة هود...) فلماذا ذكر سورة هود؟ وذلك لان هذه الآية في سورة هود لها اضافة استطرادية وهي فاستقم كما امرت ومن تاب معك. اي على الذين معك ان يستقيموا. فالرسول(ص) لم تشغله قضية استقامته فهو على علم بانه استقام على الامر، ولكنه خشي على الامة ان لا تتمكن من الاستقامة".
2 ـ قبل اكثر من الف واربعمائة عام وفي يوم جمعة، وقف الرسول يخطب في صلاة الجمعة. واذا بمناد "يستعجل الناس بقدوم قافلة تجارية، الى المدينة، فترك بعض المصلين صلاتهم متجهين صوب القافلة، وهذا ما نزل في سورة الجمعة؛
"واذا رأوا تجارة أولهواً انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين".
3 ـ وكذلك في يوم جمعة من عام 1985 في الخامس عشر من مارس بمدينة طهران، حيث كان صدام قد اعلن قبلها انه سيقصف جموع المصلين في صلاة جمعة طهران، الا ان الحضور صار اكثر هذه المرة في الصلاة وجاء الناس باطفالهم معهم، وبينا يتحدث سماحة القائد (وكان حينها رئيسا للجمهورية) في الخطبة الثانية للصلاة، واذا بقنبلة تنفجر وسط المصلين، وتتوزع اشلاء الشهداء في كل صوب، فيما يردد المصلون نداء (الله اكبر) ويهتفون شعار (الحسين شعارنا، والشهادة فخر لنا). ولم ترف لامام الجماعة جفن بينما يحاول المرحوم "مرتضائي فر" ليثني امام الجماعة عن الاستمرار في حديثه ويسحبه جانبا الا ان سماحة السيد لا يتخلى عن المنصة. كما ولا يترك الحضور مواقعهم (باستثناء من ينشغل بنقل الشهداء والجرحى). واثناء قراءة قنوت الصلاة يسمع الجمع صوت الطائرات العراقية، فيختلط صوت المضادات الجوية مع دوي الانفجارات، الا ان الجموع المصلية لا تعير اي اهيمة لذلك... وفي ليلتها يثني سماحة الامام (ره) على صمود وشجاعة الشعب ورسوخ موقف امام جمعة طهران سماحة آية الله الخامنئي.
4 ـ ونذكر مقولة سماحة الامام الراحل (ره) حين قال: "اقولها بضرس قاطع بان الشعب الايراني بملايينه في هذا العصر افضل من اهل الحجاز في زمان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله واهل الكوفة والعراق في عهد امير المؤمنين والحسين بن علي ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ".
5 ـ ان الخميني الكبير قد اماط غبار قرون من البدع والتحريف وانحراف في الفكر عن وجه الاسلام الاصيل، وقدم للعالم الاسلام المحمدي الاصيل كما كان في صدر الاسلام. من هنا يمكن القول ان الثورة الاسلامية احياء لنفس المبعث. وفي هذا المجال نستعين باستدلال سماحة قائد الثورة المعظم فهو ينبع عن حكمة ناطقة!
"... ان الثورة الاسلامية العظيمة في ايران قد جددت متن البعثة في زماننا المعاصر؛ ان الله تعالى قد وفق الامام الكبير بان يعمق الخط المستمر للبعثة النبوية في هذه المرحلة، بمواقفه وشجاعته وفكره المتصاعد وتضحياته".
6 ـ وايضا جاء عن سماحة الامام (ره)؛ "ان ما وردنا من كم وفير من الآيات والاحاديث بخصوص السياسة يفوق ما جاء عن العبادة. فنشهد اكثر من خمسين كتابا فقهيا، الا ان ما يرتبط بالعبادة من هذه الكتب لا يتجاوز السبعة او الثمانية كتب، فيما البقية فتتعلق بالسياسة والاجتماع والسلوك وامثال ذلك".
ومن البديهي ان تطبيق احكام الاسلام المواكبة للحياة، لاسيما السياسة والاجتماع تفتقر الى القدرة اولا والى تشكيل الحكومة ثانيا والى سلطة فقيه عادل مطلع على القوانين الالهية ثالثا. وان هذه الحاجة الضرورية والتي تم التخلي عنها مباشرة بعد رحيل رسول الله (ص) وعبثت بها الانحرافات، قد تحققت في الثورة الاسلامية. وبعبارة اخرى فان الثورة الاسلامية بمثابة احياء للبعثة وديمومة مسار لرسول الاسلام العظيم (ص) كان قد لفه النسيان.
7 ـ وهنا يطرح سؤال على رسول الله (ص)، وهو؛ هل ما زال القيد الملحق "ومن تاب معك" من الآية 112 في سورة هود يجلب الهم والغم على قلبك المبارك؟ ألست راضيا عن اُمتك في آخر الزمان؟