kayhan.ir

رمز الخبر: 147295
تأريخ النشر : 2022March01 - 19:46
هل انحازت السعوديّة إلى روسيا وقطر ضدّها في الأزمة الأوكرانيّة المُتفاقمة حاليًّا؟

كيف عكست “الجزيرة” و”العربيّة” هذا التّناقض في موقفيّ البلدين؟ وما هي الدّوافع وراء موقف الأمير محمد بن سلمان المُتحدّي للبيت الأبيض؟

 

عبد الباري عطوان

إذا كانت دولة الاحتِلال الإسرائيلي قد حسمت أمْرَها بإعلان وزير خارجيّتها يائير لبيد الوقوف في الخندق الأمريكي في الأزمة الأوكرانيّة، فإنّ بعض حُلفائها وشُركائها العرب، سواءً كانوا علنيين أو مخفيين، يعيشون حالةً من الانقِسام واضحة المعالم بين مُؤيّد لروسيا وآخَر مدين لها ولاجتِياحها العسكري، للأراضي الأوكرانيّة، بينما فضّلت “الأغلبيّة العربيّة” الالتِزام بالحِياد، وإصدار بيانات “عُموميّة” تتحدّث عن الحِوار والحُلول السياسيّة واحتِرام مبادئ القانون الدولي.

أربعة مواقف عربيّة خليجيّة تُجاه هذه الأزمة المُتأجّجة لفتا الإنذار، وتستحق التوقّف عندها، ومُحاولة استِقراء الدّوافع الكامنة خلفها:

الأوّل: موقف المملكة العربيّة السعوديّة الذي عكس موقفًا مُؤيِّدًا للجانب الروسي ومُتحدّيًا للولايات المتحدة في هذه الأزمة الأوكرانيّة تجلّى في البيان الختامي الذي صدَر في أعقاب اتّصال هاتفي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمير محمد بن سلمان وليّ العهد السعودي، ونصّ صراحةً على “حِرص المملكة” على الالتِزام باتّفاق تحالف “أوبك بلس” حول كميّات إنتاج النفط الذي تقوده إلى جانب روسيا”، في رَفضٍ واضح للضّغوط الأمريكيّة لزيادة الإنتاج لخفض الأسعار، وتخفيض الضّغوط على الاقتصاديّات الغربيّة.

الثاني: موقف قطري رسمي بدعم الموقف “الأوكراني الأمريكي” وإدانة التدخّل العسكري الروسي بطَريقةٍ “مُواربة” حيث أكّد الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير الخارجيّة القطري “تأكيد بلاده على سيادة واستِقلال أوكرانيا ووحدة أراضيها في حُدودها المُعتَرف بها دوليًّا”، وهذا يعني مُعارضة التدخّل العسكري الروسي، وإعلان قِيام جُمهوريتين مُستقلتين في شرق أوكرانيا، (دونيتسك ولوغانسك) بدعم الاجتِياح العسكري الروسي.

الثالث: امتِناع دولة الإمارات العُضو المُؤقّت في مجلس الأمن عن التّصويت لصالح مشروع قرار صاغته الولايات المتحدة وألبانيا، يستنكر ويُدين بأشدّ العِبارات عُدوان روسيا على أوكرانيا، ويدعوها إلى سحب قوّاتها فورًا”.

الرابع: تجنّب البيان الصّادر عن الاجتِماع الطّارئ لجامعة الدول العربيّة الذي انعقد على مُستوى المندوبين في القاهرة برئاسة الكويت ودعت مِصر إلى انعِقاده عن أيّ إدانة أو تأييد للاجتِياح الروسي لأوكرانيا، والاكتِفاء بعباراتٍ إنشائيّة عن ضرورة احتِرام القانون الدولي وميثاق الأُمم المتحدة، وتأييد الجُهود الرّامية إلى حل النّزاع سِلميًّا.

الأمر المُؤكّد أن الموقف السعودي المُتَمَسِّك بالتّنسيق مع روسيا في مجال إنتاج النفط وكميّاته، والحِفاظ على اتّفاق “أوبك بلس” سيُؤدّي إلى تفجير خِلاف مع الإدارة الأمريكيّة ورئيسها جو بايدن الذي بادر بالاتّصال بالعاهل السعودي طالبًا مِنه زيادة إنتاج بلاده من النفط لإغراق الأسواق العالميّة كخطوة لتخفيض الأسعار لإخراج الاقتصادين، الأمريكي والأوروبي من أزماته وتعويض أيّ نقص في الإمدادات النفطيّة نتيجة فرض عُقوبات على النفط الروسي أثناء الأزمة الأوكرانيّة.

ما يُمكن استِنتاجه من هذا الموقف السعودي الذي يُشَكِّل تحدّيًا واضِحًا لأمريكا الحليف الحامِي الاستراتيجي والتّاريخي للمملكة قد يعكس رسالة قويّة للبيت الأبيض تُحَذِّر من احتِمال نقل البندقيّة إلى الكتف الروسي إذا استمرّ الرئيس بايدن في تجاهل الأمير بن سلمان الحاكِم الفِعلي، وعدم الاعتِراف به، أو الاتّصال به، استمرّ في نهجه بالتّعامل مع العاهل السعودي الملك سلمان فقط، وهي القاعدة التي كسَرها الرئيس ماكرون مرّتين على الأقل.

القاعدة المُتّبعة في هذه الأزمة الأوكرانيّة التي قد تتطوّر إلى حربٍ عالميّة ثالثة، تقول “من ليس معنا فهو ضدّنا” ومن غير المُعتَقد أن تقبل الإدارة الأمريكيّة أيّ مواقف حِياديّة وسطيّة من حُلفائها الخليجيين، والسّعوديين منهم خاصَّةً، الذين لم يَصدُر عنهم أيّ موقف في هذه الحرب حتّى الآن.

السُّؤال المطروح بقُوّةٍ هذه الأيّام في الكواليس السياسيّة الخليجيّة، يقول “هل يستطيع الأمير محمد بن سلمان تحمّل “الغضبة” الأمريكيّة تُجاه موقفه المُفاجئ هذا بالتّقارب مع روسيا، وما يُمكن أن يترتّب عليه من تَبِعات؟”.

ويُمكن توجيه السُّؤال نفسه إلى دولة قطر وأميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي وقف في الخندق الأمريكي بقُوّةٍ عندما أكّد وزير خارجيّته على سِيادة واستِقلال أوكرانيا ووحدة أراضيها في إدانةٍ “مُغَمْغَمَة” للاجتِياح الروسي، الأمر الذي قد يكون له وقعٌ سيء على الشّريك الروسي لقطر في “نادي الدّول المُنتِجَة للغاز”، الذي عقد اجتِماعه الأخير على مُستوى القمّة في الدوحة، قبل أسبوع وتغيّب عنه الرئيس بوتين.

هذا التحوّل في الموقف القطري بدأ من خِلال الدّعوة التي وجّهها الرئيس بايدن للشيخ تميم إلى واشنطن، وجرى الاتّفاق خِلالها على قِيام دولة قطر بالمُساهمة، جُزئيًّا أو كُلِّيًّا، في تعويض أيّ نقص في الغاز إلى أوروبا في حالة قطع إمدادات الغاز الروسي أثناء الأزمة الأوكرانيّة، وكان الشيخ تميم هو الزّعيم الخليجي الوحيد الذي التقى الرئيس بايدن في البيت الأبيض، وحصل على مكانة “حليف رئيسي خارج النّاتو”، وهو ما لم تحصل عليه أيّ دولة عربيّة أو خليجيّة أُخرى.

هذا التّباين الواضِح في مواقف الدّول الخليجيّة تُجاه الأزمة الأوكرانيّة انعكس بوضوح من خِلال تغطياتها الإعلاميّة لوقائعها اليوميّة، فقد لاحظ المُراقبون أن قناة “العربيّة” السعوديّة كانت أكثر مَيْلًا للموقف الروسي، بينما كانت قناة “الجزيرة” القطريّة الأقرب للمَوقفين الأمريكي والأوروبي، رغم “البَذاخة” في التّغطية، ومُحاولات الظّهور بمظهر الحِياديّة المهنيّة، أمّا قناة “سكاي نيوز عربيّة” المملوكة لإمارة أبوظبي فاتّخذت موقفًا بين البينين الأمريكي والروسي.

لا نعرف ما إذا كان امتِناع مندوبة الإمارات في الأُمم المتحدة السيّدة لانا نسيبة عن التّصويت لصالح مشروع القرار الأمريكي الألباني الذي يُدين الاجتِياح الروسي، كان نتيجة تفاهم مُسبق مع الإدارة الأمريكيّة أمْ لا، فإذا لم يتم التّنسيق المُسبَق، فإنّ العُلاقات الإماراتيّة الأمريكيّة ستُواجِه موقفًا صعبًا، أقل جوانبه غضب الجانب الأمريكي بشَكلٍ أو بآخَر، وقد لا يتوفّر الوقت لإصلاح أيّ خلل يَنتُج عن هذا الامتِناع.

هذه هي المرّة الأُولى، ومُنذ نهاية الحرب العالميّة الثانية عام 1945 تنتقل الحُروب من مِنطقة الشّرق الأوسط إلى أوروبا، وليس للعرب فيها ناقة أو جمل أو حتّى خروف، والحِياد أو من استطاع إليه سبيلًا هو الخِيار الأكثر حكمة، ولعلّ المثل الذي يقول “إذا تصارعت الفيلة يكون العُشب هو الضحيّة الأكبر”، ينطبق على الدّول الخليجيّة على وجْه  التّحديد.. واللُه أعلم.