kayhan.ir

رمز الخبر: 147204
تأريخ النشر : 2022February26 - 20:18

الامام الكاظم (عليه السلام) المبدأ، الفكر، التضحية

 

 

الكاتب: السيد زكي الموسوي

يمثل الامام الكاظم (عليه السلام) مدرسة متكاملة في دنيا الانسان في العلم والمعرفة، والصبر، وجهاد النفس والكلمة. لقد كان عصره زاخرا بالتيارات والمذاهب الفلسفية والعقائدية، والاجتهادات الفقهية، ومدارس التفسير والرواية.

وكانت تلك الفترة التي عاشها الامام الكاظم (عليه السلام) من اخطر الفترات التي عاشها المسلمون، فقد تسرب الالحاد والزندقة، ونشأ الغلو، وكثرت الفرق الكلامية التي حملت آراء وافكار اعتقادية شتى، وتعددت مذاهب الفقه، ودخلت علوم عديدة في استنباط الاحكام واستخراجها، كالمنطق والفلسفة والكلام وعلوم اللغة. كما وادخل القياس والاستحسان والعمل بالرأي.

وحابى بعض الفقهاء والقضاة الحكام باستنباطهم الاحكام وقضاتهم، ورويت الاحاديث المدسوسة والاخبار المزيفة، فكانت الفترة الزمنية فترة خطرة في وجود الاسلام العقائدي والتشريعي.

وعلى الرغم من صعوبة الظرف السياسي وحراجته، وتضييق الحكام العباسيين على الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) الا انه لم يترك مسؤوليته الشرعية والعلمية لتصحيح المسار الاسلامي الخاطئ، بمل ما يملك من معارف إلهية.

 

*التصدي الى تيار الالحاد والزندقة:

تصدى الامام الكاظم (عليه السلام) لتيارات الالحاد والزندقة، كما هو حال الامامين الصادق والباقر (عليهما السلام) في التصدي لتثبيت اركان التوحيد، وتنقية مدارس العقيدة من الشوائب الفكرية والعقائدية الضارة، وايجاد رؤية عقائدية اصيلة تشع بروح التوحيد، وتثبت في اعماق النفس والعقل، بالاضافة الى ذلك، فانه (عليه السلام) اغنى مدرسة الفقه بحديثه ورواياته وتفسيره.

*الظرف السياسي:

لقد زخرت الفترة التي عاشها الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) بالحوادث والواقع الخطيرة.

وكان ابرز ما فيها الثورات والسجون والملاحقات والقتل لآل علي (عليه السلام).

وهذه الفترة من حياة المجتمع الاسلامي تعتبر مظلمة من الناحية السياسية ، حيث انتشر فيها الارهاب ، والقتل على الظن بالتهمة ، واستئثار بني العباس ، ومن والاهم بالحكم والادارة والقضاء ، والاستهانة بكرامات الناس ، حتى صار السجن والضرب والقتل امرا عاديا .

فمثلا سجل التاريخ ان الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي الذي كان من اخلص المقربين من الرشيد يجرد من ثيابه ويضرب ويهان ويلعن في المجلس العام بطلب من الرشيد ، لانه رفه عن الامام الكاظم (عليه السلام) وخفف عنه الم السجن .

دور الامام الكاظم (عليه السلام) التربوي :

قام الامام (عليه السلام) بدوره ومسؤوليته الالهية ، رغم ظروفه السياسية الصعبة من الحصار والتضييق عليه ، بتربية جيل من العلماء والرواة للحديث ،وساهم مساهمة فعالة في ايقاف الانحراف الذي حملته بعض التيارات الفلسفية والعقائدية والكلامية المتأثرة بالغزو الفكري والعقائدي الخارجي .

 

فقد روى المؤرخون ان بعض العلماء وبعض اصحبه وتلامذته كان يتصل به سرا في السجن ، ويسأله عن المسائل والقضايا والاحكام وكان يراسلهم ويجيبهم .

كان الامام (عليه السلام) واضحا في كفاحه على جميع المستويات وخاصة الجهاد السياسي ، فجسد هذا الجانب في حياته الشريفة ، الذي كان ثمن ذلك القتل بالسم .

اعتقالات وسجون:

في خلافة محمد المهدي تعرض الامام الكاظم (عليه السلام) للمضايقة والاعتقال بعد ان طلب الحاكم العباسي من واليه على المدينة ان يرسل الامام (عليه السلام) الى بغداد وبعد وصول الامام (عليه السلام) امر المهدي بزجه في السجن.

وفي خلافة موسى الهادي وبعد انهاء الثورة والقضاء عليها تحرك ضد الامام (عليه السلام) وقرر اعتقاله وسجنه ، الا ان ذلك لم يتحقق . عيون اخبار الرضا: الصدوق : ج١ص٦٥

وفي خلافة هارون الرشيد حدثنا التاريخ ان الامام ذهب ضحية طيش الرشيد وخوفه على كرسيه وسلطانه وضحية وشاية المتزلفين والمتملقين .

اتخاذ السجن مسجدا:

ان رحلة التقرب الى الله والوصول الى معرفته لا تختلف من مكان الى مكان ، ولا تتغير من حال الى حال ، بل كلما ضاقت الحياة وعظمة الشدائد وتراكمت المحن ازداد الانسان قربا الى الله تعالى ، واستعان بالصبر والصلاة .

لقد اتخذ الامام الكاظم (عليه السلام) من السجن مسجدا ، ومن وحشة الحبس ووحدته معتكفا ومأنسا بذكر الله وقربه سبحانه ، فنهاره صيام وليله منجاة وقيام .

الرد الحاسم والصادق :

اراد هارون الرشيد ان يقضي على روح المقاومة التي ابداها الامام من خلال صبره وتحمله عذاب السجون ، قال الامام (عليه السلام) لبعض من طلب منه ان يرسل بعض الى هارون الرشيد للوساطة واطلاق حريته :

 

( حدثني ابي عن ابائه ، ان الله عز وجل اوحى الى داود : يا داود انه ما اعتصم عبد من عبادي باحد من خلقي دوني ، وعرفت ذلك منه الا قطعت عنه اسباب السماء ، وأسخت الارض من تحته ) . حياةالامام بن جعفر : باقر القرشي: ج٢ص٤٩٩.

وبهذا الرد الحاسم الصادق عزز موقفه وابائه وثقته بالله سبحانه وتعالى .

التضحية ويوم الشهادة :

لقد قرر هارون الرشيد على تصفية الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) جسديا ، وطلب من عيسى بن جعفر والي البصرة قتل الامام ، واستعفى الرشيد من ذلك . وطلب نقله من سجنه ، فنقله الى سجن الفضل بن الربيع ، فأثرت شخصية الامام (عليه السلام) في نفسه ، ورفض قتل الامام . فلم يجد الرشيد بدا من نقله الى الفضل بن يحيى ، فاستلمه الفضل بن يحيى ، وطلب منه الرشيد ان ينفذ في الامام جريمة القتل فرفض .

 

ولم يجد هارون الرشيد في انصاره وحاشيته افضل من مدير شرطة بغداد ، السندي بن شاهك ، وكان فظا غليظا قاسيا ، حيث وضع الامام (عليه السلام) في سجنه وعامله معاملة خشنة وقاسية وارهقه بالسلاسل والقيود .

تشاور هارون الرشيد مع وزيره يحيى بن خالد في قتل الامام الكاظم (عليه السلام) فتوجه يحيى الى بغداد حتى اجتمع بالسندي بن شاهك ، وقدم له صورة المخطط وكيفية تنفيذ الاغتيال ، بواسطة دس السم في الرطب وتقديمه للامام (عليه السلام) فتناول الامام الطعام ، واحس بالسم يسري في جسده الطاهر ، وبقي ثلاثة ايام يقاوم السم ، حتى فاضت روحه الطاهرة في اليوم الخامس والعشرين من شهر رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة للهجرة ، فانا لله وانا اليه راجعون .

رحل من سجنه شامخا معطاء في المبدأ والفكر والارادة لا يدانيه احد .