لبنان.. لا يكفي أن يتلقى وزير الخارجيّة بصدره
– لا قضية شخصية ضد وزير الخارجية أو وزير الداخلية، في انتقاد مواقف يتبرّع ويتطوّع كل منهما بإطلاقها خارج سياق التوافق الذي يحكم القضايا الرئيسية في السياسة الخارجية للدولة، حتى يكون كافياً للبنانيين أن يتبرّع ويتطوّع الوزير مجدداً، ويقول إن الكشف عن مواقف الرؤساء مما يقول هو “من أسرار الدولة”، أو أنه قرّر أخذ الانتقادات بصدره. فالقضية لا تحتمل المزاح ولا التلاعب بالأمور المصيرية وتحويلها إلى مسائل للمماحكة او السخرية وينتهي الأمر بأن الوزير لبس الدرع، لأن القضية ببساطة هي حق اللبنانيين بمعرفة موقف دولتهم من قضايا يتكرّر الاجتهاد الخطير فيها. والمطلوب هو الموقف وفقاً للأطر الدستورية لاتخاذ هذه الدولة للمواقف الرئيسية، بما يعنيه ذلك من توافق رئاسي وأغلبية وزارية بالنصف زائداً واحداً بالحد الأدنى وبأكثرية الثلثين عند الضرورة.
– مواقف لوزير الخارجية ووزير الداخلية من كثير من الأحداث التي تطال دول الخليج، كحرب اليمن أو الأنشطة التي تنظم اعتراضاً على التطبيع أو تضامناً مع معارضات خليجية، تخرج بيانات ومواقف أكبر من أن تكون مسؤولية وزير، وفي حالة وزير الداخلية مثلاً، شاهد اللبنانيون كيف أصيب بالإرباك عندما سئل عن سبب التمييز بين ما يخصّ دولة خليجية وما يخصّ الدولة السورية، فقال ارتجالاً، إنه سيلجأ الى مجلس الوزراء، والسؤال هو أليس من واجبه أن يلجأ اصلا الى مجلس الوزراء لرسم سياسة الدولة كدولة لا كقبيلة او حارة كل مين إيدو ألو؟
– في حالة وزير الخارجيّة، مرات يسارع لإدانة في حرب اليمن عند سقوط صاروخ لا يسقط بنتيجته ضحايا في مدينة خليجية ويتغاضى عن سقوط عشرات ومئات الضحايا بنتيجة غارات خليجيّة على اليمن، وبعيداً عن لعبة المحاور والانحياز وبعيداً عن مفهوم النأي بالنفس هل يليق بدولة محترمة مثل هذه المواقف الصبيانيّة التي تردد كالببغاء مواقف أقل من مدفوعة الثمن لأنها بثمن مرتجى غير مدفوع، بينما تكفي إدانة العنف في حل قضايا النزاع في كل الحالات للتعبير عن الموقف؟
– في الموقف من ترسيم الحدود البحريّة يقول الوزير إن لا علم له بالخط 29، فهل هذه دبلوماسيّة دولة في حال تفاوض تسقط طوعاً ورقة قوة من يدها مجاناً، ويجيب دائماً بعصبية على أي سؤال عن موقف الدولة من إدارة التفاوض وكيفيّة حماية المصلحة الوطنية وكأن القضيّة تخصه ويعتدي على حقوقه كل لبناني يطلب المعرفة بما يخصّ شأنا مصيرياً لبلده، فإن كانت الدولة تعتبر الخط 29 خطاً تفاوضياً فذلك يعني أن لا تنكره والا صار الخط 23 هو الخط التفاوضيّ. والسؤال ليس للوزير عن أسباب تصرّفه غير المفهوم، بل عن موقف الدولة التي تحوّلت حكومتها إلى مهمة تصريف أعمال، بعدما صارت القضايا السياسية خارج طاولة مجلس الوزراء؟
– في الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية، لماذا استعجل الوزير ولماذا في العجلة مرر موقفاً لا يشبه موقف لبنان في أسوأ أيامه وأحوال حكوماته، فهل هناك اضطرار أن يكون لبنان من أوائل من يدين الموقف الروسي ويعلن التضامن مع أوكرانيا، وإن كانت هناك ضرورة وطنية فصارحونا بها، والأمر ليس ملك فرد منكم ولا يملك أحدكم حق ادعاء العبقريّة بالفهم واتهام اللبنانيين بالغباء ليسخر بضحكة صفراء ويلقي علينا النكات الساخرة في غير وقت الضحك.
– لبنان يستطيع في كل شأن خليجيّ أن يقول، يأسف لبنان بدلاً من يدين، ويستطيع أن يضيف يؤيد لبنان ويدعم المساعي الأمميّة للحل السلمي التفاوضي الذي يؤدي لوقف الحرب، وفي الحرب الروسية الأوكرانية يستطيع لبنان أن يقول، يأسف لبنان لفشل الطرق السلميّة التفاوضيّة في حل النزاع، ويدعو الى عدم اليأس من المساعي الهادفة لحلول تفاوضيّة ويدعو الأمين العام للأمم المتحدة والدول غير المنخرطة في الصراع إلى تشكيل قوة ضاغطة لإحياء فرص التفاوض والحلول السياسية لأن خبرة لبنان الأليمة في الحروب تقول إن ليس في الحروب منتصر بل إن الكل خاسرون، وإن كل خسارة تفاوضيّة تبقى أقل من خسائر الحروب، ودائماً على قاعدة التمسك بسيادة الدول ووحدة أراضيها.
– فليحترم وزير الخارجية عقولنا وحقوقنا المساوية لحقه في المعرفة ويطلعنا ويطلع قبلنا مجلس الوزراء على “أسرار الدولة” فهي في النهاية دولة اللبنانيين وليست دولة وزير ورئيس أو وزراء ورؤساء، مع كل الاحترام.
البناء