"إسرائيل".. كيف تسوّق صورتها وتبيّضها من خلال الرياضة؟
لم تتوقف "إسرائيل" عن محاولة تبييض صورتها وتحسينها. لذلك، بحثت عن كل السبل من أجل تغطية جرائمها وعنصريتها ضد الفلسطينيين. فكيف استخدمت الرياضة في عملية الـ"Nation Branding" من أجل تلميع صورة الكيان؟
لم تعد الرياضة المسرح الذي يدخله الرياضيون ليتنافسوا فيما بينهم فقط، ويقدموا المتعة إلى المشاهدين. فبعيداً عن الملاعب والحلبات والصالات الرياضية، هناك دول وفِرَق ومكاتب تعمل على خلق خُطط تسويق استراتيجية تجارية وسياسية.
بالإضافة إلى ذلك، يُعَدّ استقبال الأحداث الرياضية وتنظيمها من الوسائل التي تُستخدم في الدبلوماسية وعملية التسويق السياسي، فلم يكن استقبال روسيا لكأس العالم لكرة القدم، في عام 2018، يهدف فقط إلى تنظيم بطولة عريقة في عالم الرياضة، وإنما وسيلة في عملية ما يسمى الـ"Nation Branding"، ولتظهر أن روسيا دولة قوية ومنظمة. وإذا أخذنا مثالاً آخر على أثر الرياضة في البعد "غير الرياضي"، فإن أولمبياد بكين الشتوي 2022 شهد مقاطعات دبلوماسية متعددة، والأهداف والغايات متعددة، ومنها ضرب صورة الصين وتشويهها، لأن الصين تتقدم نحو القمة في الاقتصاد، وهو ما لا يلائم خصومها وأعداءها.
وتشكل الرياضة حلبة صراع ثقافي أيضاً، وهي معركة تخوضها "إسرائيل" دائماً، وتضع ثقلها فيها، كواحدة من آليات انتزاع الاعتراف بوجودها، وهو الأمر الذي يهدده الرياضيون الذين ينسحبون دائماً من مواجهة الإسرائيليين، ليس خوفاً منهم، وإنما من أجل عدم الاعتراف بوجود الكيان المحتل لفلسطين. لكن الكيان الصهيوني يستخدم كل ما يملك من قوة لمحاربة الرافضين للتطبيع في الرياضة، ويضغط على الاتحادات من تحت الطاولة لمعاقبتهم.
ويساعد الكيانَ الإسرائيلي على عملية "تبييض صورته" الملوَّنة بالجرائم ضد الإنسانية، المطبِّعون، عبر اعترافهم به والمشاركة في الأحداث التي ينظمها تحت ذرائع "السلام". وهم، في ذلك، يمنحونه الاعتراف بحق الوجود، ويرسمون صورة جميلة عنه أمام المجتمعات الغربية، وخصوصاً تلك التي لم تقف يوماً في صفه أو ضده.
تثبيت الجذور والوجود من خلال الرياضة
في عام 1898، تحدث أحد القادة الصهاينة، وهو "ماكس نورداو"، في المؤتمر الصهيوني الثاني، عن مصطلح "اليهودية العضلية"، وهي الحاجة إلى تغيير صورة اليهودي الأوروبي الذي يتعلم التوراة، إلى شخص استباقي سيبني ما يُسمى "الوطن اليهودي" ويدافع عنه.
لا شكّ في أن الإسرائيليين يحاولون ترويج هذه الفكرة وتأكيدها، من خلال الدبلوماسية الرياضية، وتلميع صورتهم أمام الجمهور الغربي بصورة خاصة. لكن، قبل ذلك، تسعى "إسرائيل" للمّ شمل الرياضيين الإسرائيليين وتوحيدهم في الداخل قبل الخروج إلى الخارج. لذلك، تعمل حركة المكابيين على ربط الجاليات اليهودية في العالم بـ"إسرائيل"، من خلال ما يسمى "الألعاب الماكبية" أو "الأولمبياد اليهودي"، وهو حدث رياضي يقام في كل 4 أعوام في فلسطين المحتلة، والهدف منه خلق هوية موحدة قبل المنافسة في الخارج، ترفع صورة الدولة، وتثبت ثقافة الوجود في الأراضي المحتلة كـ"وطن" للصهاينة والشعب اليهودي، ومن أجل زيادة التركيبة السكانية اليهودية في "الدولة"، ومن خلال هذه المنافسات أيضاً يُسَوَّق لـ "قانون العودة الإسرائيلي"، الذي يمنح أي يهودي حق أخذ "الجنسية الإسرائيلية".
تُدرك "إسرائيل" أن احتلالها، الذي يجعلها في حرب دائمة مع أصحاب الأرض الفلسطينيين، يخلق لها مشكلة لتسويق نفسها في عالم الرياضة، واعترفت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، في السابق، بأن الأندية الرياضية الدولية كانت مترددة في قبول الرعايات الرسمية التي تروّج "إسرائيل"، وحل هذه المشكلة كان من خلال رجال الأعمال الإسرائيليين، الذين يشكلون "مجموعة ضغط - لوبي"، ولهم تأثير كبير في الاتحادات الرياضية، نظراً إلى نفوذهم الواسع في عالم الأعمال، وعلاقتهم بأهم السياسيين في العالم، وهم أنفسهم يتدخلون لمعاقبة اللاعبين الذين يرفضون مواجهة لاعبين إسرائيليين في المحافل الدولية.
ويساهم تطبيع بعض الأنظمة العربية في حل هذه المعضلة، على الرغم من أن الجماهير الرياضية الإسرائيلية ترفض تقبُّل العرب واستثمارهم، وهذا ما حدث عندما اشترى رجل الأعمال الإماراتي، حمد بن خليفة آل نهيان، أحد أفراد العائلة المالكة في أبو ظبي، 50% من فريق "بيتار يروشلايم"، الذي تشتهر جماهيره بشتم الإسلام والمسلمين والنبي محمد، وبتشددها تجاه معتقدات الصهيونية العنصرية.
التقدم الرياضي
تناقش المنظمات الرياضية والوزارات الإسرائيلية أن أفضل طريقة لاستخدام الرياضة لزيادة الاهتمام بـ "الدولة" هي من خلال الأداء. ومع ذلك، لم يحصد الإسرائيليون إلّا ميدالية ذهبية أولمبية واحدة، وتسع ميداليات في الألعاب الأولمبية، ومشاركة واحدة في كأس العالم، "المكسيك 1970". لذلك، هم يدركون أيضاً أن تنمية القطاع الرياضي، وتقدُّم "إسرائيل" وجعلها قوة رياضية، ستمنحها فرصاً أكبر في تلميع صورتها ونجاح عملية "Israel Nation Branding".
وعندما يتحدث الإسرائيليون عن تنمية الرياضة وتطويرها من أجل تحقيق الإنجازات بهدف بناء "الصورة الأممية"، يتوقفون عند نادي "مكابي تل أبيب" لكرة السلة، الذي أصبح أحد أكثر الأندية نجاحاً خارج الولايات المتحدة الأميركية، بحيث فاز في ست بطولات أوروبية، وأكثر من 100 بطولة محلية ودولية. ويعود جزء من النجاح إلى التعاون مع الرياضيين الأميركيين، خلال الحرب الباردة، الأمر الذي ساهم في فتح الحدود للرياضيين بين الولايات المتحدة وأوروبا.
"تال برودي"، يهودي أميركي كانت انطلاقته في الدوري الأميركي للمحترفين، لكنه قرر اللعب لـ"مكابي تل أبيب" بعد مشاركته في "الألعاب المكابية". أحدث برودي نقلة في كرة السلة الإسرائيلية، إذ كان قائد الفريق عندما فاز النادي بأول كأس أوروبي له في عام 1977. بعد فوزه على عملاق الاتحاد السوفياتي، سسكا موسكو، ووصوله إلى النهائي الرابع، صاغ برودي القول الأكثر شهرة في الرياضة الإسرائيلية: "نحن في الخريطة، ونحن باقون في الخريطة، ليس فقط في الرياضة، لكن في كل شيء". يلخّص هذا القول ما تحدثنا عنه آنفاً فيما يخص توحيد "السلم القِيَمي والثقافي" لدى اللاعبين قبل الخروج إلى المنافسات الخارجية.
تحاول "إسرائيل" ربط نفسها بأوروبا الغربية من خلال الرياضة، لأنها تعلم بأنها ستبقى على خلاف دائم مع المحور المقاوم الذي يقف في وجه التطبيع والأنظمة اللاهثة نحوه. وعند مناقشة تقاطع الرياضة والتنوع والابتكار في العقل الإسرائيلي، ربما يكون أفضل مثال هو "مركز بيريز للسلام والابتكار"، الذي أسسه شيمون بيريز، الرئيس الأسبق لحكومة الاحتلال ورئيس "إسرائيل" السابق. يستخدم المركز الرياضة في أغراض تعليمية وأنشطة لمحاولة تحسين العلاقات بالمحيط العربي. يجذب هذا التفاعل بين الابتكار وتعزيز التنوع والرياضة شراكاتٍ مع المنظمات الدولية والأندية الرياضية، مثل مكتب الأمم المتحدة للرياضة من أجل التنمية والسلام، والاتحاد الدولي لكرة القدم "FIFA"، وحتى نادي برشلونة. وهذه المعلومات صادرة عن المركز نفسه في عام 2020.
تركيز الاستثمار واستقطاب الأسماء اللامعة
بحثت "إسرائيل" عن الرياضات التي يمكن أن يكون الاستثمار فيها سريع النتيجة فيما يخص تسويق صورتها واستقطاب الجمهور. واعتمدت في ذلك على "اللوبي" الإسرائيلي ورجال الأعمال اليهود المرتبطين بالكيان الصهيوني.
استثمر "سيلفان آدامز"، الملياردير الكندي اليهودي، في الرياضة والثقافة والابتكار الإسرائيلي، من أجل تحسين صورة "إسرائيل" الدولية. وبالنظر إلى أنه من محبي رياضة ركوب الدراجات، أدرك قدرة هذه الرياضة على إظهار اسم "إسرائيل" وعلامتها التجارية للجمهور الدولي.
واستضاف الإسرائيليون، بعد ذلك في فلسطين المحتلة، الأيام الثلاثة الأولى من سباق "الجيرو الإيطالي" أو "طواف إيطاليا" في عام 2018. ووصفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الحدث بأنه الأهم في "تاريخ إسرائيل الرياضي"، والهدف جزء من جهودها الدعائية، التي تحاكي استخدام الرياضة لإخفاء نظامَي الاحتلال العسكري والفصل العنصري، واللذين فرضتهما منذ عقود على الشعب الفلسطيني.
وفي السياق نفسه، افتتحت مضماراً جديداً في "تل أبيب" بالقرب من "ملعب المضمار" و"الميدان الوطني" و"مكاتب اللجنة الأولمبية الوطنية لإسرائيل". علاوة على ذلك، بدأت أكاديمية ركوب الدراجات الإسرائيلية التنافس دولياً، وأصبحت فريق تطوير لفريق "Israel Start-Up Nation"، وهو فريق دراجات يتنافس في الجولة العالمية، بما في ذلك في الإمارات و"طواف فرنسا". كما قام الفريق بتجنيد كبار راكبي الدراجات الدوليين، بمن في ذلك الفائز 4 مرات في سباق فرنسا للدراجات، البريطاني كريس فروم.
واستضاف الإسرائيليون مباراة كرة قدم ودية بين الأرجنتين وأوروغواي (2019)، بحضور نجميهما ليونيل ميسي ولويس سواريز. وأصبح فريق البيسبول الإسرائيلي، والذي يتألف في أغلبيته من لاعبين يهود - أميركيين مُجنَّسين، واحداً من 6 فرق بيسبول فقط تتأهل لدورة الألعاب الأولمبية في "طوكيو 2020". قد يبدو بعض هذه التكتيكات مألوفاً عند تحليل كيفية قيام دول أخرى في الشرق الأوسط، وخصوصاً من الخليج، وتحديداً قطر والإمارات، باستخدام الرياضة للعلامات التجارية الوطنية ولأغراض الدبلوماسية العامة لبعض الوقت.
وفي الحديث عن "سيلفان آدامز"، الملياردير الكندي اليهودي ، يمكن التوقف عند استثماراته المتعددة في سياق الابتكار التكنولوجي والتقدم إلى الجماهير الأجنبية. ومن بين المشاريع الأخرى، استثمر آدامز في مركبة الفضاء "بيريشيت" التابعة لـ "SpaceIL"، وجلب مادونا للمشاركة في مسابقة الأغنية الأوروبية، التي أقيمت في "تل أبيب" في عام 2019. وتخاطب وسائل الإعلام الإسرائيلية آدامز بصفته "سفير إسرائيل المعيَّن ذاتياً".
توسيع دائرة الاستثمار للدخول في حياة الناس!
في رحلة التخطيط لإعادة تموضع صورة "إسرائيل" وتبييضها وتحسينها أمام المجتمع الدولي، بحث الإسرائيليون عن الدمج بين استثمارهم الرياضي واستثمارهم التكنولوجي، كما فعلوا في الزراعة.
لذلك، قاموا بتطوير مجموعة من الأنظمة وبيعها في السوق الرياضية. ووفقاً لمجموعة الابتكارات الرياضية الدولية، يتكون النظام البيئي الإسرائيلي للتكنولوجيا الرياضية من أكثر من 200 شركة، مع التركيز على الجماهير المستهدَفة على حد سواء، "Business-to-Business service" و "Business-to-consumer"، إذ قاموا بتقسيم خريطة "Sports Tech Nation" إلى 5 مجالات رئيسة: مشاركة المعجبين؛ الإعلام والبث؛ الصحة واللياقة البدنية؛ تطوير الرياضيين؛ الألعاب والرياضات الإلكترونية. وحاولوا، من خلال هذا العمل، استهداف مجموعة من الجمهور، من الهواة والمتخصصين، بالإضافة إلى الشركات العالمية.
لم يتخطَّ تطور صناعة الألعاب والرياضات الخيالية والرياضات الإلكترونية السوق الإسرائيلية، بحيث ركزت أكثر من 12 شركة ناشئة على هذه الصناعات. وفي هذا الخصوص، تدخلت حركة المكابيين لتسويق هذه الألعاب، إذ قررت جعل الرياضات الإلكترونية حدثاً عرضياً في الألعاب المكابية الـ21 (2021). وتبنّت عدة فِرَق رياضية إسرائيلية، مثل نادي مكابي تل أبيب لكرة القدم ونادي مكابي تل أبيب لكرة السلة، الرياضاتِ الإلكترونيةَ أيضاً.
وتستخدم الشركات والمؤسسات الدولية الكبيرة والمنظمات الرياضية العالمية خدمات وسائل الإعلام الإسرائيلية وشركات البث والشركات الناشئة. في عام 2016، اشترت "Intel" شركة "Replay Technologies" الإسرائيلية في مقابل 175 مليون دولار. طورت الشركة الإسرائيلية تقنية التصوير المتعدد الأبعاد، والتي تُستخدم اليوم في الدوري الإسباني. قبل الاستحواذ، تعاونت "Intel"، لعدة سنوات، مع الشركة المذكورة، واستخدمت خدماتها في "Super Bowl 50" و "NBA All Star Weekend".
وقامت عدة شركات إسرائيلية متخصصة بالذكاء الاصطناعي، وتطوير الإنتاج الآلي للأحداث الرياضية، بالاستثمار خارج الإطار الإسرائيلي. تقدم شركة "PlaySight" الإسرائيلية بثاً مباشراً آلياً، وبأسعار معقولة، وإنتاج تسجيل فيديو متعدد الزوايا، وهي التي تبيع خدماتها لفِرَق، مثل بوسطن سيلتيكس من الدوري الأميركي للمحترفين، ومانشستر سيتي في الدوري الإنكليزي.
شركة أخرى، اسمها "Pixellot"، تقدم الإنتاج الآلي من دون الحاجة إلى تدخل بشري، وتُستخدم في 34 دولة، وتتعاون مع نادي برشلونة و"ESPN" و"SONY" وغيرها. وفيما يتعلق بمشاركة المعجبين، تبتكر الشركات الإسرائيلية أيضاً مجموعة متنوعة من الحلول. توفر "Pico" منصة شخصية للتواصل مع المعجبين، بحيث تعمل مع فِرَق في "NBA" و"NHL"، وحتى مع فريق كرة القدم الألماني بايرن ميونيخ.
هناك أيضاً عدد من الشركات التكنولوجية الرياضية، التي تركز على تعزيز التجربة عند حضور مباراة أو لعبة رياضية، بمن في ذلك وسطاء التذاكر "Sports Events 365". تساعد الشركة الإسرائيلية "Tokabot" الأندية والاتحادات ووسائل الإعلام على التواصل مع المعجبين في أثناء المباريات، من خلال منصتهم عبر الإنترنت. ومن بين المنظمات التي تستخدم المنصة، صحيفة "Sport Bild" الألمانية، وعدد من منظمات كرة القدم الألمانية، بما في ذلك الاتحاد الألماني لكرة القدم.
ان اهتمام الإسرائيليين يزداد يوماً بعد يوم في تطوير صورتها وتبييضها من الجرائم والممارسات العنصرية، التي ارتُكبت بحق الفلسطينيين، لكنّ فهم تفاصيل دخولها عالم الرياضة والرياضة الإلكترونية مهم جداً لمعرفة كيف تدخل حياتنا وكيف تحاربنا.