هواجس سيناريوهات "ابو غريب" و "غويران".. كيف ومن يبددها؟
عادل الجبوري
مما لاخلاف ولا اختلاف عليه، هو أن عملية الهجوم الإرهابي الوهابي الداعشي على سجن "غويران" بمدينة الحسكة السورية، في العشرين من شهر كانون الاول/ ديمسبر 2021، وبعدها عملية قتل زعيم التنظيم ابو ابراهيم القريشي، بمدينة ادلب السورية في الثالث من شهر كانون الثاني/ يناير 2022، خلطتا أوراق المشهد الأمني العام في العراق وسوريا، وربما بمساحات أوسع.
وفي الوقت الذي لا يمكن القول فيه إن عملية الهجوم على سجن "غويران" و"تحرير" مئات السجناء من تنظيم "داعش"، تشكل انتصارًا ومكسبًا كبيرًا للتنظيم، قد تكون القراءة التحليلية القائلة بانكسار شوكة التنظيم بالكامل بعد مقتل زعيمه القريشي، متفائلة الى حد كبير، وبعيدة عن الكثير من تفاصيل وجزئيات الواقع.
في ما يرتبط بهجوم سجن "غويران"، فإنه وإن أدى الى تحرير مئات الارهابيين الدواعش، إلا أن جزءًا من تداعياته وانعكاساته اللاحقة، تمثلت بقتل أعداد غير قليلة منهم، فضلًا عن وضع اليد على مخططات ومشاريع مستقبلية للتنظيم كان من المفترض أن تستهدف سجونًا في العراق وسوريا تضم مئات الدواعش بمختلف مستوياتهم التنظيمية والقيادية، ناهيك عن الوقوف على بعض خطوط ومصادر تمويل واسناد التنظيم، وخارطة تحركاته وشبكة علاقاته وامتداداته.
وسواء كانت عملية قتل القريشي بعد أسبوعين من عملية سجن الحسكة، كردة فعل، او نتيجة تخطيط وتعقب مسبق، فإنها جاءت لتفرغ ما اعتبره "داعش" انجازًا نوعيًا كبيرًا، من محتواه ومضمونه وبعده المعنوي. إذ إنه، وبعد ساعات من مقتله، اختفت بشكل شبه شامل مواقع ومنصات إعلامية مؤيدة للتنظيم، كانت تروج لبياناته ومختلف مواده الاعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أشهر، وهو ما عكس عمق وأثر الصدمة.
ولأن فكرة أو فرضية الاستسلام غير واردة، فإنه من الطبيعي جدًا التحسب لكل الاحتمالات، بل وأسوأها، فقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي كانت تسيطر على سجن "غويران" باعتباره ضمن الرقعة الجغرافية الخاضعة لنفوذها وهيمنتها، تعتقد أن "داعش" سينفذ هجمات جديدة على سجون أخرى، ليحقق من وراء ذلك أكثر من هدف، من بينها، ارباك أوضاع أعدائه، واستعادة عناصره وقياداته، والتعويض عن انكساراته المعنوية وهزائمه العسكرية.
وفي مقابلة أجرتها معه وكالة "اسوشيتد برس" الأميركية قبل عدة أيام، حذر قائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي من "أن داعش ربما يخطط لهجوم جديد على السجون الواقعة في مناطق نفوذ الإدارة الذاتية لتحرير المزيد من عناصره"، وهذا ما يعزز احتمال تفكير التنظيم في خزّانه من الارهابيين من ذوي الخبرة القتالية القابعين في السجون التي تديرها وتحرسها قوات سوريا الديمقراطية.
ويقر القيادي في "قسد" بامتلاك داعش قدرة غير قليلة على شن هجمات وخوض معارك ومواجهات طويلة الى حد ما، دون أن يشير الى طبيعة دور القوات الأميركية في مواجهة التنظيم، علمًا أن "قسد" مدعومة بقوة من قبل واشنطن، حتى أن القوات الأميركية لم تعر اهتمامًا لشكاوى "قسد" من عدم قدرتها على تحمل أعباء الآلاف من معتقلي داعش، وتحذيراتها مرارًا وتكرارًا من خطر فرارهم، تلك التحذيرات التي ارتفعت وتيرتها اثر الهجوم على سجن "غويران" الذي كان يضم أكثر من ثلاثة آلاف معتقل أغلبهم ـ إن لم يكن جميعهم ـ من الدواعش.
قد لا تختلف هواجس المؤسسات السياسية والأمنية العراقية، خصوصًا مع تزايد الحديث عن امكانية تكرار سيناريو سجن "غويران"، وقبله سيناريو سجني "ابو غريب" و "التاجي"، مع سجن الناصرية المركزي ـ "الحوت" الذي تأسس في عام 2008، ويضم منذ بضعة أعوام آلاف الارهابيين الدواعش من جنسيات مختلفة، الى جانب الكثير من عناصر وقيادات حزب البعث المنحل، والبعض منهم صدر بحقه حكم الاعدام، لكن لم ينفذ حتى الان، من دون أسباب ومبررات واضحة ومقنعة، علمًا أن هناك ستة سجون أخرى تضم العشرات أو المئات من عناصر داعش في محافظات البصرة وبابل وبغداد ونينوى.
وبعد وقت قصير من هجوم سجن الحسكة، عقد رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي سلسلة اجتماعات مكثفة مع كبار قيادات الأجهزة والمؤسسات الأمنية والاستخباراتية والعسكرية العراقية، وتم اتخاذ جملة اجراءات احترازية، من بينها تكليف جهاز المخابرات بإجراء مسح شامل لكل السجون، وخصوصًا التي يوجد فيها سجناء من عناصر "داعش"، الى جانب تعزيز التنسيق والتعاون الامني-الاستخباراتي مع بعض دول الجوار، مثل سوريا وايران وتركيا والاردن. اضافة الى زيادة زخم عمليات استهداف مواقع ومخابئ التنظيم في مختلف المواقع، والتركيز على ضبط الحدود العراقية ـ السورية، وتعزيزها بالمزيد من التشكيلات والقدرات التسليحية واللوجستية.
ويدرك القادة السياسيون والامنيون في العراق، أن طبيعة الاوضاع العامة للبلاد لا تستحمل حدوث هزات واختلالات كبيرة وخطيرة من قبيل اقتحام السجون، كما حصل في عام 2013 مع سجني التاجي وابو غريب، ويدركون أيضًا أن الولايات المتحدة الأميركية، مهما استهدفت داعش، فإنها لا تخطط ولا تسعى للقضاء عليه حتى وإن تمكنت من ذلك. ناهيك عن أن الاضطراب والتأزم السياسي والأمني، يمكن أن يشكل أرضية مناسبة للتنظيم لتنفيذ عمليات ارهابية، وهذا يحتم العمل الجاد والحثيث لانهاء حالة الانسداد والاحتقان السياسي القائمة منذ انتخابات العاشر من تشرين الاول/ اكتوبر الماضي.
وكما يقول بعض الخبراء والمتخصصين بالشؤون الأمنية "قد لا تستهدف الجماعات الارهابية السجون فقط، بل قد تستهدف مواقع إستراتيجية مهمة أخرى في العراق وسوريا، مثل القواعد العسكرية والبنى التحتية الحيوية، وأيضا التجمعات السكانية في المدن، كما أن الدعم اللوجستي الواضح والتخادم بين "داعش" وأجهزة مخابرات إقليمية ودولية في الساحتين العراقية والسورية يثير عددًا من التساؤلات فيما يتعلَّق بالجهود الدولية للحرب ضد هذا التنظيم الإرهابي، والسعي لإحلال الامن والاستقرار في سوريا والعراق.
وبقدر ما ينبغي عدم تبديد ثمار وآثار وأبعاد تصفية كبار قيادات "داعش"، وضرب أوكاره ومخابئه، بقدر ما يقتضي تجنب تكرار مشاهد سجون "ابو غريب" و"التاجي" و"غويران"، سواء مع سجن "الحوت" أو أي سجن آخر.