الثورة الإيرانية المتواصلة… كيف حوّلت إيران إلى قوة إقليمية ونووية… وسنداً لقوى المقاومة
حسن حردان
انّ الاحتفال بذكرى انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية التحرّرية إنما هو مناسبة للتوقف أمام عظمة وأهمية هذه الثورة وما حققته من إنجازات وفرضته من معادلات قوة في مواجهة قوى الاستعمار والصهيونية، ونجاحها في تحويل إيران إلى قوة اقليمية نووية وسنداً قوياً لقوى المقاومة، رغم الحروب المباشرة وغير المباشرة التي استهدفتها منذ اليوم الأول لانتصارها وحتى اليوم الذي نشهد فيه حرب الحصار الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية ضدّ إيران في محاولة يائسة لتقويض دعائم الثورة ونظامها الثوري التحرري الذي بنته على أنقاض نظام الشاه رضا بهلوي التابع للولايات المتحدة وخادم سياساتها والداعم القوي لكيان العدو الصهيوني، لهذا فإنّ سقوط نظام الشاه وانتصار الثورة بقيادة الإمام الراحل اية الله روح الله الموسوي الخميني، شكل زلزالاً في المنطقة والعالم، زلزال لا يزال مستمراً حتى هذه الساعة ونتجت عنه الأمور الهامة التالية:
الأمر الأول، إسقاط أخطر نظام عميل للولايات المتحدة، شكل على مدى عقود حامياً وحارساً لنفوذها الاستعماري، ولهذا كان يُسمّى شرطي أميركا في الخليج، وبسقوطه سقط أحد أهمّ مرتكزات السيطرة الاستعمارية الأميركية في المنطقة، مما وجه ضربة قوية للولايات المتحدة وكيان العدو الصهيوني، وحرّر الثروة الإيرانية النفطية والغازية والمعدنية من نهب الشركات الأميركية.
الأمر الثاني، تحوّل إيران ـ الثورة إلى قوة هامة مساندة لدول وحركات المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني والهيمنة الاستعمارية الأميركية الغربية، الأمر الذي عوّض الخلل الكبير الذي حصل في موازين القوى في الصراع ضدّ الكيان الصهيوني والمشروع الأميركي الغربي، اثر توقيع مصر، في عهد حكم أنور السادات، اتفاقيات كامب ديفيد، التي أخرجتها من دائرة الصراع وكبّلتها بقيود التبعية الأمنية والاقتصادية والسياسية مع أعداء الأمة الولايات المتحدة وكيان العدو الصهيوني…
الأمر الثالث، نجاح إيران ـ الثورة في إحباط كلّ المخططات الأميركية الغربية الصهيونية والعربية الرجعية للإطاحة بنظامها التحرري، الذي نقل إيران إلى مصافي الدول المتقدّمة على المستويات كافة، انْ لناحية تحقيق القدرة الذاتية في امتلاك المعرفة والتقنية وكسر احتكار الغرب للتكنولوجيا، أو لناحية بناء البرنامج النووي للأغراض السلمية، وإقامة الصناعات، العسكرية الدفاعية التي مكّنت إيران من امتلاك القدرات الرادعة للعدوانية الأميركية الصهيونية، وكذلك إقامة الصناعات المدنية، أو لناحية تطوير الزراعة وتحقيق التنمية والاكتفاء الذاتي في احتياجات الشعب الإيراني مما مكّن إيران، قيادة وجيشاً وحرساً وشعباً، من الصمود ومقاومة ضغوط الحصار الاقتصادي الأميركي، وإسقاط أهدافه… وتحصين الجبهة الداخلية في مواجهة الحرب الناعمة التي تشنّها إدارة العدوان في واشنطن منذ انطلاقة الثورة عام 1979، والمستمرة حتى يومنا هذا…
الأمر الرابع، تشهد الثورة، انطلاقة جديدة وبزخم شعبي غير مسبوق، يجدّد شعلتها التحررية، عبّر عنه بمشاركة عشرات ملايين الإيرانيين في تشييع الشهيد القائد اللواء قاسم سليماني الذي اغتاله جيش الاحتلال الأميركي في مطار بغداد، بما يؤشر إلى أنّ الالتفاف الشعبي حول الثورة تعزّز ولم يتراجع، الأمر الذي يؤكد انّ إيران ـ الثورة نجحت في التغلب على كلّ التحديات التي واجهتها منذ بداية انتصارها، والتي تجسّدت في الحروب الاستعمارية، العسكرية والأمنية والإرهابية والاقتصادية، الأميركية الغربية وأدواتها الرجعية من أنظمة وقوى إرهابية، التي حاولت إطفاء الجذوة التحررية للثورة، وتقويض برنامجها النووي السلمي، وإعادة إيران إلى حضن التبعية.. وكان واضحاً أنّ الثورة، بعد 43 عاماً على انتصارها، قد ازدادت قوة وقدرة ومنعة، وزخماً شعبياً، ويظهر ذلك من خلال:
1 ـ الموقف القوي الذي باتت تتمتع به إيران عبر ربط عودتها إلى التزاماتها في الاتفاق النووي، بإلغاء واشنطن كلّ العقوبات التي فرضتها على إيران، والعودة إلى الالتزام، قولاً وعملاً، بتنفيذ بنود الاتفاق، من دون أيّ شروط.. خصوصاً أنّ واشنطن هي من انسحب من الاتفاق وأخلّ به ومعها العواصم الغربية الموقعة عليه، وليس طهران التي بقيت وحيدة ملتزمة به لسنوات.
2 ـ عجز إدارات العدوان في واشنطن وتل أبيب والعواصم الغربية عن شنّ الحرب ضدّ إيران بهدف تدمير برنامجها النووي وقدراتها الدفاعية ومنشآتها الحيوية، وهو عجز ناتج عن امتلاك إيران القوة والقدرة الردعية القادرة على مواجهة ايّ عدوان بردّ قاس ومؤلم يطال القواعد والسفن العسكرية الأميركية ومرتكزات القوة في الكيان الصهيوني.
على أنّ صمود إيران، ونجاحها في فرض معادلات القوة والردع التي حمت إنجازات الثورة، ومكّنتها من الاستمرار وإحباط مخططات أعداء الثورة في الخارج والداخل، إنما يعود بالدرجة الأولى إلى عاملين أساسيين:
العامل الأول، وجود القيادة الثورية التحررية، التي رفضت المساومة على مبادئ وأهداف الثورة التي كانت في أساس انطلاقتها واستمرارها… قيادة تملك الرؤية الاستراتيجية ومشروع النهوض والتقدّم والتطوّر، وتتمتع ببعد النظر والصلابة والجرأة والشجاعة في مواجهة أعداء الثورة، وعدم التساهل او التردّد، في التصدّي لمخططاتهم وعدوانيتهم، وفي رفض إملاءاتهم وشروطهم للنيل من استقلال إيران ومواقفها في مساندة ودعم ونصرة المستضعفين في المنطقة. والعالم، وحركات التحرّر ضدّ المستعمرين والمحتلين، وهو ما تجلى في دعم المقاومة في لبنان وفلسطين ضدّ الاحتلال الصهيوني، ودعم العراق وسورية واليمن في التصدّي للحروب الإرهابية الاستعمارية التي استهدفت إخضاعهم وفرض الهيمنة عليهم… كما تجلى في إيصال شحنات النفط إلى فنزويلا وكسر الحصار الأميركي المفروض عليها.
العامل الثاني، بناء القوة التي تحمي الثورة وتحافظ على استمراريتها، وتجسّدت هذه القوة بالأداة الثورية، مؤسّسة حرس الثورة، التي تولت:
ـ الدفاع عن الثورة وحماية إنجازاتها، في مواجهة أعدائها، في الداخل والخارج، الذين حاولوا بشتى السبل النيل من الثورة ونظامها التحرري المستقل، وفشلوا.
ـ بناء مشروع النهضة والقوة الإيرانية على الصعد كافة، وتنفيذ مبادئ الثورة التحررية في نصرة المستضعفين… حيث أسهمت مؤسسة حرس الثورة، في بناء القادة والكوادر القادرين على تحمّل أعباء مهام مواصلة تحقيق أهداف ومبادئ الثورة، التي وضع أسسها قائدها الكبير الراحل الإمام الخميني، وبناء المشاريع الاقتصادية التنموية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في احتياجات إيران الأساسية، وبناء وتطوير الصناعة العسكرية التي وفرت القدرات الدفاعية للبلاد، والى جانب ذلك الاهتمام بالأبحاث العلمية ورعاية الكادرات العلمية وتوفير كلّ المستلزمات المطلوبة لها لتحقيق التقدّم في مجالات البحث العلمي… مما أسهم في تمكين إيران من النهوض وتحقيق قفزات علمية هامة في بناء مشروعها الحضاري وتحصين استقلالها، وتعزيز منعتها الداخلية في مواجهة الحرب الإرهابية الاقتصادية والأمنية التي تشنّها، بلا هوادة، إدارة العدوان الأميركية، منذ انتصار الثورة وحتى اليوم…
لقد نجحت هذه المؤسّسة الثورية، في تخريج القادة الذين تولّوا المسؤوليات في العديد من المجالات، انْ كان لناحية الدفاع عن الثورة في ساحات وميادين القتال في داخل إيران، وفي مواجهة محاولات الاعتداء على سيادتها واستقلالها.. أو في ساحات بناء الاقتصاد الوطني الإنتاجي المستقل وتطوير قدرات إيران العلمية والبحثية التي مكنتها من تخريج العلماء في شتى الاختصاصات وبناء البرنامج النووي للأغراض السلمية وبالتالي امتلاك المعرفة والتقنية بالقدرات الذاتية وكسر احتكار الغرب لها.. مما أثار غضب الدول الغربية وقلقها من تنامي قدرات إيران العلمية والتكنولوجية التي تعزز استقلال الجمهورية الإسلامية وتجعلها أكثر مناعة وقوة وقدرة على تحدي سلطان الغرب الاستعماري من ناحية، وتوفير كلّ أشكال الدعم لقوى المقاومة والتحرر في المنطقة من ناحية ثانية..
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول إنّ سرّ تقدّم وتطوّر إيران واستمرار ثورتها التحررية بقوة وزخم، وتحوّلها إلى دولة قوية مستقلة، عصية على قوى الاستعمار، إنما يعود إلى توافر العوامل السالفة الذكر.
ولهذه الأسباب تواجه إيران كلّ هذا العداء الأميركي الغربي الصهيوني والعربي الرجعي.
لقد أصبحت إيران، من خلال ثورتها التحررية المستمرة بقيادة مرشدها الإمام السيد علي الخامنئي، قوة إقليمية كبرى تلعب دوراً ريادياً في تقويض الهيمنة الاستعمارية، وتسهم بشكل قوي وفعّال في إلحاق الهزائم بالمشروع الأميركي الصهيوني وأدواته الرجعية في المنطقة،
ولهذا باتت إيران ـ الثورة مصدر قلق مستمرّ لأعدائها، يؤرق على وجه الخصوص قادة العدو الصهيوني الذين يزداد رعبهم وخوفهم، هذه الأيام، من عزم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على العودة إلى الالتزام بالاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران، لكون ذلك سيشكل انتصاراً لنهج الثورة الإيرانية وقيادتها الثورية، ويؤدي إلى تعزيز قوة إيران وزيادة قوة حلفائها في محور المقاومة في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
انّ القوى الغربية الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة أصبحت اليوم مجبرة على التعامل مع إيران كدولة قوية مستقلة، بعد أن نجحت في تغيير المعادلات وفرض قواعد جديدة للاشتباك في الخليج والمنطقة… بما يؤكد أنّ زمن فرض الهيمنة الاستعمارية على إيران ولى إلى غير رجعة.. وانّ موازين القوى في المنطقة باتت تميل لمصلحة حلف المقاومة، الذي تشكل إيران ـ الثورة أحد ركائزه الأساسية.. في حين بات من الواضح أنّ إيران باتت تشكل قوة إقليمية ودولية نتيجة امتلاكها عناصر القوة الذاتية على الصعد كافة، والتي تؤمن لها ديمومة ثورتها التحررية ونهجها الاستقلالي ومواصلة بناء قدرتها ونسج تحالفاتها الدولية التي تمكنها من مجابهة مؤامرات أعدائها وإحباط خططهم لتقويض ثورتها ونظامها الثوري.. الأمر الذي أدخل القوى الغربية الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة في مأزق حقيقي أجبرها على الدخول في مفاوضات مع طهران لإعادة أحياء العمل بالاتفاق النووي على قاعدة الإقرار بحقوق إيران في الحفاظ على برنامجها النووي السلمي والإنجازات التي حققتها على هذا الصعيد، ورفع كامل العقوبات المفروضة عليها.