حالة المقاومة ضد إسرائيل وأحوال المقاومة عبر التاريخ
السفير د. عبدالله الأشعل
المقاومة ضد إسرائيل تختلف جذريا عن حالات المقاومة الأخرى عبر التاريخ ومن الخطأ النظر إلى كل هذه الحالات بشكل معيارى، وهذا الخطأ يقود إلى خطأ آخر من الناحية العلمية حيث تؤدى إلى مقاربة مصير هذه الحالات مع مصير المقاومة ضد إسرائيل .
وقد عمدنا إلى اختيار المقاومة ضد إسرائيل بدلا من المقاومة فى فلسطين لأن المقاومة ضد إسرائيل تشمل منظمات المقاومة الفلسطينية فى فلسطين كما تشمل حزب الله ومعسكر المقاومة عموما ضد المعسكر الصهيونى الأمريكى حتى ولو دخلت فيه أطراف عربية دولا أو أفراد أو جماعات.
ويجب أن نميز بين المقاومة الفلسطينية وبين حزب الله فى لبنان ذلك أن حزب الله يناوئ إسرائيل لخمسة أسباب: الأول هو أن إسرائيل لاتزال تحتل منطقة شبعا (الشق اللبنانى) والسبب الثانى أن حزب الله جزء من معسكر المقاومة ضد إسرائيل وعلى رأسه إيران رعت قيام حزب الله ونشاطاته لدرجة أن الغرب حزب الله أحد أذرع إيران ضد إسرائيل وهذا صحيح ومشروع أيضا. فمن أنشأ حزب الله وموله وسلحه ووجه أنشطته لخدمة المصالح اللبنانية من حقه أيضا أن يدافع الحزب عن إيران إذا هاجمتها إسرائيل، فالدعم الإيرانى له طابع استراتيجى وسياسى وطائفى كغلاف خارجى والدليل أن إيران تدعم أيضا المنظمات الفلسطينية المقاومة السنية.
والسبب الثالث أن استراتيجية الصراع الإيرانى الإسرائيلى تقتضى أن يمد حزب الله نشاطه خارج لبنان، ويعمل بدرجات مختلفة من التركيز فى سوريا والعراق واليمن.
السبب الرابع البعد السياسى العسكرى وهو ادراك حزب الله أن إسرائيل تؤلب الوسط اللبنانى والعربى ضده من مدخل إيران ومدخل الإرهاب حيث قررت الجامعة العربية أن كل منظمات المقاومة ضد إسرائيل هى منظمات إرهابية يجب التضافر مع إسرائيل لإحباطها، وهذا التطور سببه واشنطن وهى التى أخضعت العرب لإسرائيل تحت ستار السلام ولكن في الحقيقة حراسة كراسي الحكم.
السبب الخامس هو أن الدولة اللبنانية غائبة لصالح الطوائف، وقد ظهر حزب الله مجسدا للطائفة الشيعية التى كانت قبله مهملة ولاوزن لها وقد اقترن ظهور حزب الله بقدسية مقاومة احتلال بيروت وقدسية تحرير القدس ودعم حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة مع تغير وجهة إيران من إسرائيل زمن الشاه إلى معاداة إسرائيل فى الثورة الإسلامية ولذلك فإننا سنركز على المقاومة الفلسطينية وحدها.
فقد ظهرت المقاومة الفلسطينية فى حالة نادرة تختلف جذريا عن الحالات الأخرى.
الفارق الأول هو الطرف الآخر المعتدى، ففى الحالات السابقة كانت القوة الاستعمارية أو الاحتلال الاجنبى يهدف إلى إخضاع الاقليم المستهدف أو استغلال ثرواته أو الانتفاع بوضعه الاستراتيجى ولكن الطرف الأجنبى كان يعلم أن الإقليم المستهدف يملكه سكانه ولم يدعى فى أى يوم أنه جزء من اقليم من المستعمر وطموحاته. وكانت المقاومة فى هذه الحالة تهدف إلى إجلاء الطرف الأجنبى عن بلادها.
أما فى فلسطين فإن أقلية يهودية تسللت إلى فلسطين فى إطار مؤامرة دولية وهى تعلم يقينا أن فلسطين ليست أرضها وأن ابتداع الرابطة التاريخية والايديولوجية السياسية والدينية كانت وسائل ساذجة للتدليس على العالم وهي تعلم ان القوة وحدها هي مصدر شرعية المغتصب. فالمقاومة فى فلسطين هدفها ليس إجلاء المغتصب وإنما إرغامه على التعايش معه جنبا إلى جنب مع اصحاب الارض بدليل اعتراف الفلسطينيين بقرار التقسيم واغفال اسرائيل لهذا القرار.
فطبيعة المشكلة وأهداف المقاومة هى العنصر الحاسم فى ترتيب الفوارق بين الحالة الفلسطينية والحالات الأخرى فى التاريخ.
الفارق الثانى هو أن الطرف المحتل أو المستعمر كان يعتبر المقاومة له أمرا مشروعا ولذلك قبل التفاوض معها. حدث ذلك فى الجزائر وتونس والمغرب وحتى بين الأقلية البيضاء والغالبية الإفريقية فى جنوب إفريقيا وروديسيا الجنوبية، كما حدث نفس الشئ فى فيتنام.
أما فلسطين فإن إسرائيل تعتمد على خرافات غير منطقية، وتعتبر المقاومة تحديا غير مشروع لكيان مشروع ولاندرى كيف تجاسرت على تقديم أساس مشروعيتها وهى القوة والغصب ولذلك فإن زعزعة هذه القوة يؤدى الي الهلع عند الأفراد فيفرون من إسرائيل لأنهم يعرفون بغريزتهم أن وجودهم مرتهن باستمرار هذه القوة وهى مسألة غير مستقرة وغير مضمونة ولذلك فكل اليهود في فلسطين لديهم أكثر من جنسية أجنبية.
وإسرائيل تعتبر المقاومة هى العقبة الأساسية فى ازدهار واستكمال المشروع الصهيونى ولذلك تعمد إلى القضاء عليها وشيطنتها ولايمكن أن تعترف بها على عكس القوى الاستعمارية الأخرى والسبب فى ذلك هو أن الوجود الصهيونى يتناقض مع الوجود الفلسطينى ولهذا السبب فإن الشعب الفلسطينى يتمسك بالمقاومة وإسرائيل تصر على إزالتها، فالمقاومة تجد مشروعيتها فى الغصب والالتهام ولذلك لايمكن أن تلتقى إسرائيل والمقاومة علي تسوية ما وتعمد اسرائيل الي دفع السلطة للتنسيق معها ضد المقاومة، على عكس ما حدث فى الحالات الأخرى.
إن فلسطين حالة فريدة لايمكن مقاربتها بأى حالة أخرى فالمقاومة الأفغانية تفاوضت مع واشنطن من أجل الجلاء، والمقاومة الفيتنامية تفاوضت مع واشنطن أيضا للفرار من المستنقع الفيتنامى كما تفاوضت هيئة التحرير الوطنى الجزائرية مع فرنسا لاجلاء فرنسا عن الجزائررغم سياسات الادماج والفرنسة لاكثر من 130 عاما
وإذا كانت حركات التحرر الوطنى قد اعترف لها القانون الدولى بالشخصية القانونية الدولية، فإن المقاومة الفلسطينية أولى بالاعتراف الدولى باعتبارها تتصدى للغصب الصهيونى والتهام كل فلسطين ومع ذلك تتردد الدول الاجنبية في الاعتراف بهذه المقاومة ولذلك تظهر اهمية احياء منظمة التحرير الفلسطينية اطارا جامعا لكل الفصائل السياسية والعسكرية.وقد اظهرت نتائج انتخابات 2006 تمسك الشعب بالمقاومة كما اظهرت حملة سيف القدس في مايو 2021 مدي اجماع الشعب الفلسطيني علي الاعتزاز بالمقاومة.