تركيا تستأنف هجماتها شمالاً.. "قسد" مُرتابة من الصمت الأميركي
أيهم مرعي
جدّدت تركيا، في الأيام القليلة الماضية، هجماتها على المناطق الخاضعة لسيطرة «قسد»، في ما يبدو تذكيراً متكرّراً بجدّيتها في محاربة الأخيرة، ورفضها بقاء الدعم الأميركي لـ"الإدارة الذاتية". وفي المقابل، وعلى غير عادتها، حمّلت "قسد"، حلفاءها الأميركيين، المسؤولية عن الهجمات، وهو ما ينبئ بخشيتها من اتّساع دائرة العمليات التركية، في حال استمرار صمت واشنطن إزاءها.
لم تمرّ أيام قليلة على حديث المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، عن وجود استقرار ميدانيّ في البلاد، وعدم بروز أي مؤشّرات إلى التخطيط لعمليات عسكرية واسعة، حتى جاء القصف التركي على المناطق الخاضعة لسيطرة «قسد»، ليذكّر باستمرار سعي أنقرة لقضْم المزيد من الأراضي السورية. وامتدّت الموجة الجديدة من القصف، والتي تُعدّ الأوسع من أشهر، واستُخدمت فيها الطائرات الحربية والمسيّرة، إضافة إلى سلسلة استهدافات مدفعية وصاروخية، من منبج حتى عين ديوار. والظاهر أن أنقرة أرادت من خلالها توجيه رسائل تذكيرية بجدّيتها في ملاحقة «قسد»، وعدم السماح بنشوء كيان كردي على حدودها، خصوصاً أن العملية تزامنت مع أخرى مماثلة ضدّ مقاتلي «حزب العمال الكردستاني» في مخمور وشنكال في العراق. كذلك، تريد تركيا التأكيد للولايات المتحدة، قبل غيرها، أنها لن تقبل بتواصُل تقديم الدعم الأميركي لـ«قسد»، وأنها لا تزال تملك خططاً هجومية ضدّ «الإدارة الذاتية» في مدن الشمال السوري.
وبدأت أنقرة هجماتها مساء الثلاثاء، بقصف مكثّف استهدف مواقع لـ«الكردستاني» في مخمور وشنكال، بالتوازي مع قصف الطائرات الحربية محطّة كهرباء في بلدة كراتشوك في ريف المالكية شمال الحسكة، ما أدّى إلى مقتل أربعة من عناصر «قسد». وتلى ذلك قصف «مجهول» بعشرات القذائف على مدينة الباب في ريف حلب الشمالي، الواقعة تحت سيطرة الاحتلال التركي، ما أدّى إلى مقتل تسعة مدنيين، وإصابة آخرين، وهو ما اتّهمت تركيا «قسد» بالمسؤولية عنه. وفي المقابل، صبّت الطائرات المسيّرة والمدفعية التركية حِمم قذائفها على مدن الشمال السوري الخاضعة لسيطرة «الإدارة الذاتية»، مستهدِفةً خصوصاً قرى وبلدات في مدن منبج وعين عيسى وتل أبيض وتل تمر وأبو رأسين والمالكية، ما تسبّب بوقوع خسائر مادّية وبشرية. بدورها، سارعت «قسد» إلى إصدار بيان نفت فيه علاقتها بـ«القصف على مدينة الباب، أو أحداث أخرى مشابهة»، متّهمةً «الاحتلال التركي باختلاق هذه التهم، بالتوازي مع هجوم داعش الإرهابي على سجن الصناعة بالحسكة... لضرْب السوريين ببعضهم البعض، خدمةً لأجندات تركية قذرة باتت معروفة للرأي العام».
وعلى عكس ما كانت تفعله «قسد» عادةً، من توجيه الاتهامات إلى روسيا والحكومة السورية بعدم أداء دورهما في منْع الهجمات التركية ضدّها، وجّهت هذه المرّة سهام انتقادها نحو «التحالف الدولي»، وذلك بعد وقت قصير على انتهاء أحداث سجن الصناعة. إذ أصدرت بياناً رسمياً اتّهمت فيه «قوّات التحالف بفتْح الأجواء أمام الطائرات التركية لتنفيذ غاراتها»، مضيفةً أن «هجمات دولة الاحتلال التركي لم تتمّ من دون علم» تلك القوات، التي تستغلّ أنقرة صمتها في «إضفاء الشرعية» على عملياتها بحسب البيان. وأعقب هذا الموقف نشرُ القائد العام لـ«قسد»، مظلوم عبدي، تغريدة على «تويتر»، قال فيها إن الهجوم الأخير «يرقى إلى مستوى إعلان الحرب، ويعرّض حياة وسلامة المدنيين للخطر، ويقوّض عملياتنا في قتالنا ضدّ داعش، وبخاصة مع تزايد تهديد الإرهاب»، مضيفاً أن «شركاءنا في التحالف الدولي يتحمّلون جزءاً كبيراً من المسؤولية لمنْع مثل هذه الهجمات التركية».
وعلى ما يبدو، فإن «قسد» تدرك أن استمرار التغاضي الأميركي عن العمليات التركية المستمرّة ضدّ قواتها، سيشجّع أنقرة لاحقاً على توسيع رقعة الاستهداف، والإعداد ربّما لعملية عسكرية واسعة، ولذا، فهي صعّدت من خطابها تجاه واشنطن، تحسُّباً للآتي. كذلك، تحاول «قسد» استغلال البيانات والتصريحات الأميركية المشيدة بدورها في أحداث سجن الصناعة، من أجل تذكير الولايات المتحدة بأن أيّ عمل عسكري تركي ضدّها، سيعني، على نحو أو آخر، توقّف الحرب ضد «داعش».