kayhan.ir

رمز الخبر: 145965
تأريخ النشر : 2022February04 - 20:51
في ذكرى استشهاد الإمام عَلِيّ الهَادِيّ (عليه السَّلَام)

إغناء المدرسة الإسلاميّة و العقيدة الإماميّة في دولة العباسية

 

فإنَّ حياة الإمام الهمام عَلِيّ بن مُحَمَّد الهَادِيّ (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، مليئة بالأحداث السَّياسيَّة والاجتماعية، فكانت حياته لا تختلف كثيرًا عمَّن سبقه من الأئِمَّة الهداة (صلوات الله تعالى عليهم).

ولد الإمام عَلِيّ بن مُحَمَّد الهَاديّ (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) في اليوم الثاني من شهر رجب المبارك في سنة اثنتي عشرة ومائتين للهجرة النَّبويَّة المباركة، وعاش في كنف أبيه الإمام مُحَمَّد بن عَلِي الجواد (عليهما السَّلَام)، ولكنّه (عليه السَّلَام) قبل أن يكمل سن السَّابعة من عمره الشَّرِيف، استشهد والده الإمام مُحَمَّد الجواد (عليه السَّلام) سنة (220 هـ)، وجاءت الحكمة الإلَهيَّة أن يصبح إمامًا وخليفة شرعيَّة لأبيه (عليه السَّلَام) لإدارة شؤون أمَّة جدّه المُصطَفَى (صلَّى الله تعالى عليه وآله) الشرعيَّة، فوُلّي الإمامة بعد شهادة أبيه الجواد (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، ليكون راعيًا وحاميًا للشَّريعة السَّمحاء، من التَّحريف والتَّزييف على أيدي أبناء الطّلقاء الذي عاثوا في الأرض فسادًا، وبقي (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) في المدينة يمارس دوره القيادي في نشر العلم، وتبليغ أحكام الله وتوجيه الأُمّة وإرشادها، فاحتفّ به العلماء والفقهاء والرّواة، والتَّفَّ حوله النَّاس لما تميَّز (عليه الصَّلَاة والسَّلَام) به من عِلمٍ وخُلقٍ عظيمٍ.

فكان (عليه السَّلَام) يتّصف بصفات آبائه وأجداده (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم)، فكان (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) إمامًا ربانيًا زاهدًا عادلًا، شجاعًا، ذا هيبة ووقار وله اشياع ومحبّين بين أوساط المُجتمع، لم يَخْشَ (عليه السَّلَام) اعداء الله تعالى وأعداء الدّعوة الإسلاميَّة، ولقد عزف الإمام الهاديّ (عليه السَّلَام) عن جميع مباهج الحياة ومتاعها وعاش عيشة زاهدة إلى أقصى حدّ، لقد واظب على العبادة والورع والزّهد، فلم يحفل بأيّ مظهر من مظاهر الحياة، وآثر طاعة الله تعالى على كلّ شيء، وقد كان منزله في يثرب وسرّ من رأى خالياً من كل أثاث، فقد داهمت منزله شرطة الحاكم العباسي في ذلك الوقت (المتوكّل) ففتّشوه تفتيشًا دقيقًا فلم يجدوا فيه شيئًا من رغائب الحياة، وكذلك لما فتّشت الشّرطة داره في سرّ من رأى، فقد وجدوا الإمام (عليه السَّلَام) في بيت مغلق، وعليه مدرعة من شعر وهو جالس على الرّمل والحصى، ليس بينه (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) وبين الأرض فراش.

 فكان (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) عالمًا فقيهًا رَبَّانيًّا بارزًا، من أعلام عصره في العلم والمعرفة والتّقوى والعبادة والوجاهة والقيادة والرّيادة.

  ولقد تسالم العلماء والفقهاء على الرجوع إلى رأيه المشرق في المسائل المعقّدة والغامضة من أحكام الشريعة الإسلاميّة ومسائل العقائد المختلفة، وليس هذا بل حتى أن أعداءه كانوا يرجعون إليه (عليه السَّلَام)، فمنهم الحاكم العباسي بما يسمى بالمتوكّل وهو ألدّ أعدائه كان يرجع إلى رأي الإمام (عليه السَّلَام) في المسائل التي اختلف فيها علماء عصره، مقدّمًا رأيه (عليه السَّلَام) على آرائهم.

فكان له (عليه السَّلَام) دور كبير وتأثير معروف في إغناء المدرسة الإسلاميّة التي قاد أهل البيت (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) حركتها، وغذّوها بروح الشريعة الغرّاء، وسنّة جدّهم المُصْطَفَى (صلَّى الله عليه وآله) السَّمْحَاء، وكان (عليه السَّلَام) مرجع أهل العلم والفقه وأحكام الشَّريعة وقضايا الدين في عصره، وحفلت كتب الرواية والحديث والفقه والعقيدة والمناظرة والتفسير وأمثالها عند الإماميّة بما أُثر عنه واستفيد من علومه ومعارفه .

عانى الإمام الهاديّ (عليه السَّلَام) ما عاناه من ظلم الحكومة العبَّاسيَّة، فكانت  مواقف حكَّامها الذين عاصرهم معه غير مشرّفة، فقد أمر الحاكم المتوكّل العبَّاسيّ (لعنه الله تعالى) جلاوزته بمداهمة دار الإمام (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) وتفتيشه، وتعرَّض الإمام (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) للاعتقال والإقامة الجبريّة فقام هذا بحبس الإمام (عليه السَّلَام) وزجّه في السّجن، وفرض عليه إقامة جبريّة، وقد منعه من الخروج عن داره وبقي الإمام (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) ملازماً لداره، واستمرّت هذه الحالة طيلة حكم هذا الحاكم العباسي المذكور آنفًا، ولم يتوقّف المتوكّل عند هذه الحدود بل وحاول قتله (عليه السَّلَام) لكنّه لم يصل إلى مرامه، وباءت محاولاته بالخيبة والخسران.

أمَّا شهادة الإمام الهمام عَلِيّ بن مُحَمَّد الهَادِيّ (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، فبعد كلّ ما حصل للإمام الهادِيّ (عليه السَّلَام) من الحكومة العباسية، وبعد محاولة المتوكلّ في اغتياله، لكن الله تعالى كان يخيّب مرامه ولا يصل إلى مبتغاه في قتل إمامنا الهادي النَّقيّ التَّقيّ (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، إلى أن هلك المتوكّل ومن أتى بعده للحكم، إلى أنّ وصل الحكم إلى الحاكم المعتز العباسي، فوجد هذا أنَّ وجود الإمام (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلام) يُهدِّد وجوده، لأنَّه الإمام الحقّ للأمَّة الإسلامية، فدُبّرت للإمام (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) مكيدة فدُسَّ له السُمّ، فاستشهد (عليه السَّلَام) على أثره في زمن هذا الحاكم العباسي المذكور آنفًا، فاختاره اللَّه تعالى إلى جواره بسرّ من رأى، في يوم الاثنين في الثالث من شهر رجب، سنة أربع وخمسين ومائتين، ودُفن بداره في داره بسامراء والتي هي مشهده ومرقده الطَّاهر الآن.