ماذا يعني العرض «الإسرائيليّ» لمساعدة الجيش اللبنانيّ؟
العميد د. أمين محمد حطيط
في موقف مفاجئ أو تراءى أنه فاجأ الكثيرين أعلن وزير الحرب «الإسرائيلي» انّ «إسرائيل» عرضت على الجيش اللبناني المساعدة ولكن الجيش رفضها، ولم يكن الإعلان كما بدا من التداول الإعلامي مرحباً به من قبل فرنسا وأميركا الدولتين اللتين تتصرفان بأنهما المسؤولتان عن لبنان بشكل عام، وبشكل خاص عن الجيش اللبناني ومؤسسات رسمية هامة أخرى.
لقد صدم الإعلان البعض خاصة، وهو يتأمّل وضعاً وصلت فيه «إسرائيل» في نظرتها الى لبنان وجيشه الى الحدّ الذي تسمح لنفسها معه ان تعرض على جيشه المساعدة ليتجاوز الصعوبات التي يعانيها. طبعاً انّ أحداً ممن يعرف الجيش اللبناني لم يكن يتوقع موقفاً غير الذي اتخذته القيادة بالرفض القاطع وحتى عدم الاكتراث به الى الحدّ الذي جعلها لا تصرّح او تعلن عن الأمر شيئاً، وكأنّ الأمر لم يحدث أو أنّ عرضاً لم يكن.
فالجيش اللبناني الذي عانى منذ تأسيسه في العام 1945 على يد فؤاد شهاب، عانى الكثير من التحديات والصعوبات ما لم يعرفه جيش آخر، ورغم ذلك أعيد جمعه وتشكيله على أساس وطني على يد العماد إميل لحود، تشكيل أخرجه قوياً متماسكاً وأقول على أساس وطني مؤكد يعتنق ويعمل بعقيدة عسكرية وطنية تقوم على تحديد العدو وحصره في «إسرائيل» التي تحتلّ من لبنان أرضاً وتنتهك سيادته براً وجواً وبحراً وتهدّد ثروته، وتحديد الصديق بأنه كلّ من يمدّ الجيش بدعم ومعونة وتأييد في مهمته الأساسية التي هي الدفاع عن الوطن بوجه العدو وتمكين الجيش من حفظ الأمن والنظام في الداخل في كلّ ما يتجاوز قدرات قوى الأمن. وكان من الطبيعي جداً أن جيشاً هذه عقيدته أن يرفض من عدوّه أيّ مساعدة، ولن نناقش في الموضوع أكثر بل يكفي أن نقول بالمختصر إنّ الذي يؤمّن وحدة الجيش ويحفظ تماسكه هو تمسكه بعقيدته العسكرية الوطنية بعيداً عن الانزلاق الى متاهات وفخاخ تنصب له بعيداً عنها.
وبالفعل وخلال العقود الثلاثة الماضية نجح الجيش في مهامه وحفظ تماسكه رغم كلّ الهزات التي تعرّض لها بدءاً من العام ١٩٩٣، حيث رفض الجيش ان يتحوّل الى سور يحمي الاحتلال «الإسرائيلي» في الجنوب ويواجه المقاومة التي تتصدّى له. وفي العام ١٩٩٦ نجح الجيش في تأمين ظهر المقاومة وتناغَمَ أداؤه مع أدائها بما منع العدو من تحقيق أهداف عدوانه وأجبره على القبول بتفاهم نيسان الذي فتح الطريق الى التحرير في العام ٢٠٠٠ حيث برع الجيش في التعامل مع طرد «إسرائيل» من الجنوب ولعب الدور المميّز في التحقق من خروجها وحفظ الأمن المرن في المناطق المحررة. وفي العام ٢٠٠٦ كان الجيش متماسكاً ومنيعاً في تعامله مع الأخطار التي شكلها العدوان «الإسرائيلي» عليه وعلى لبنان. ويستمرّ الجيش في مهامه بنجاح رغم قلة الإمكانات وشحّها، الشحّ الذي تفاقم خلال السنوات الثلاث الأخيرة ما أفسح المجال للعدو بأن يعرض المساعدة، العرض الذي يجب ان يتوقف عنده كلّ معني بشأن لبنان وشأن جيشه.
قلت انّ الرفض اللبناني للعرض بالمساعدة من «إسرائيل» هو أمر بديهي وطبيعي لكلّ من يعرف الجيش اللبناني ويعرف عقيدته العسكرية الوطنية. فالجيش اللبناني هو جيش وطني يعرف كيف يتخذ قراراته وكيف يؤدّي وظائفه بما يحفظ الوطن. وطبعاً هو يختلف جذرياً عن فئة من اللبنانيين ادّعت الحاجة الى مساعدة فذهبت الى «إسرائيل» للحصول عليها وانخرطت بهذه المساعدة في حرب أهليّة لا يزال لبنان يعاني من آثارها. والجيش اللبناني هو جيش منبثق عن شعب انبثقت منه مقاومة فاعلة وقويّة استطاعت أن تحرّر الأرض وتمنع احتلالها والجيش اللبنانيّ هو جيش عرف كيف يواجه الإرهاب منذ العام ٢٠٠٠ وكيف يبقي الدولة واحدة لا ترسم فيها خطوط الحدود التي تقسمها، ولكن رغم كلّ هذا نجد العدو يملك الوقاحة التي تدفعه الى عرض المساعدة على هذا الجيش!
قد لا يستغرب البعض العرض «الإسرائيلي» الذي يأتي في زمن باتت فيه «إسرائيل» موجودة علانيّة أو سراً في كلّ عاصمة عربية باستثناء ثلاث او أربع عواصم، وقد لا يستغرب العرض في زمن تجري فيه «إسرائيل» مناورات عسكريّة مع عدة جيوش عربية، وفي زمن يطير فيه رئيس كيان العدو فوق مكة والمدينة في الحجاز، وفي زمن يشكل التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية أساساً لدعم الاحتلال في الضفة الغربية، فـ «إسرائيل» رغم خيباتها في لبنان تظن أنها بما حققته مع العرب الآخرين تستطيع أن تحتوي الجيش اللبناني او تبدي حياله مراسم الودّ والصداقة بما يجعله يرتاح إليها، أو تظنّ اّن الحاجة قد تجعلها في موقع يستخفّ بهذا الجيش فتعرض مساعدته رغم أنه عدو لها.. وهو ظنّ او اعتقاد نراه حتماً خاطئاً اذ رغم كلّ ما يقول بعض اللبنانيين او ممّن يحملون الهوية اللبنانية ورغم ما تدفع اليه فرنسا وأميركا، فإننا نراه ظناً بعيداً عن الحقيقة؛ لا بل هو أمر مستحيل التحقق. لكن يبقى ان نتوقف عند الجانب او الوجه الآخر من العرض وهي أمور لا بدّ من الإضاءة عليها نذكر منها:
ـ على المسؤولين اللبنانيين ان يتوقفوا عند العرض الإسرائيلي ويتذكروا انّ الذي تسبّب بصدور هذا العرض لا بل أنتج البيئة التي استجلبته هو أداؤهم الذي قاد الى حرمان الجيش وأفراده ومن كلّ الرتب من مقتضيات العيش الكريم، ما جعل راتب العسكري لا يكفي لانتقاله الى مركز عمله، وحرمهم من الكثير من مستلزماتهم الطبية، وحمل عناصر من هذا الجيش الى الفرار والسفر خارجاً، عدد بلغ كما ذكر وزير العدو الـ ٥٠٠٠ عنصر.
ـ انّ الجيش الذي يعوّل عليه لحماية لبنان في وحدته وسيادته وصل الى مستوى صار فيه العدو يعرض عليه المساعدة، وبالتالي إنّ مجرد صدور العرض من العدو يشكل إهانة ومسّاً بمعنويات الجيش المولج بالتصدّي لهذا العدو في انتهاكه للحقوق الوطنية، وإنّ هذه المعنويات لا تستقيم الا بعمل عاجل يسدّ حاجات الجيش الفردية والشخصية والعسكرية العملانية.
ـ إنّ مَن يدّعي الحرص على الجيش من الدول الغربية خاصة أميركا هي أيضاً ساهمت في تحقق هذا الوضع، عندما منعت الجيش وانصاع المسؤولون في الدولة لإملاءاتها برفض المساعدة العسكرية غير المشروطة من أصدقاء مثل روسيا والصين وإيران، دون أن تقدّم هي المساعدة المكافئة البديلة.
وفي الخلاصة ندعو المسؤولين في الدولة الي التوقف عند هذا العرض المسموم والفعل الخطر وتشكيل هيئة طوارئ وطنية من شأنها الوقوف على حاجات الجيش مؤسسة وأفراداً والعمل على توفيرها لمعالجة الوضع الذي جعل العدو يعرض المساعدة.