kayhan.ir

رمز الخبر: 145895
تأريخ النشر : 2022February02 - 20:48
نبذة عن حياة الامام الباقر عليه السلام..

يبقر العلم بقرا لمواجهة انحراف الأفكار المنحرفة

ولد الإمام محمد الباقر (عليه السلام) بالمدينة المنورة في الاول من شهر رجب عام 57 هجري حيث فرح بمولده ابيه الامام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) وامه فاطمة بنت الامام الحسن (عليه السلام).

و عاصر الامام الباقر (عليه السلام) جده الامام السبط الاصغر الحسين بن علي (عليه السلام) وكان عمره في واقعة عاشوراء ثلاث سنوات.

و بدأت ولاية هذا الإمام الهمام وإمامته الفعلية في عهد الوليد بن عبد الملك الذي شُغِلَ عن آل بيت الرسول الاعظم (صلى الله عليه و اله وسلم)  طوال فترة حكمه بتصفية أسرة الحجاج بن يوسف التي كانت تمسك بزمام السلطة في عهد أخيه الوليد بن عبد الملك.

و جاء من بعده عمر بن عبد العزيز الذي اتّسمت مواقفه ببعض الإنصاف تجاه أهل البيت (عليه السلام) فمنع سبّ علي (عليه السلام) من على المنابر وكان بنو أمية قد اتخذوها سنّة بأمر من معاوية ، ثم جاء من بعده يزيد بن عبد الملك الذي انصرف إلى حياة الترف واللهو والمجون.

و كانت علاقة الإمام (عليه السلام) بالخلفاء علاقة رصد وتوجيه وإرشاد كما كانت علاقة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بخلفاء عصره اذ كثرت الرسائل المتبادلة بين الإمام (عليه السلام) وعمر بن عبد العزيز التي ضمّنها توجيهات سياسية وإرشادات هامة.

و كان عبد الملك بن مروان يستشير الإمام (عليه السلام) في مسألة نقود الروم المتداولة بين المسلمين والتي كانوا يضغطون من خلالها على الخلافة، وذلك أن مشاحنة وقعت بين عبد الملك وملك الروم فهدده ملك الروم بأنه سوف يضرب على الدنانير سب رسول الله (صلى الله عليه و اله وسلم)  إذا هو لم يرضخ لأمره ويلبي طلباته. وبما أن النقود التي كان المسلمون يتعاملون بها كانت رومية فقد ضاق عبد الملك بهذا الأمر ذرعاً فاضطر أن يستشير الامام في ذلك، فأشار الإمام (عليه السلام) عليه بطريقة عملية يصنع بها نقوداً إسلامية مما جعل المسلمين يستقلّون بنقدهم.

و عاش الإمام الباقر (عليه السلام) مع جده الإمام الحسين (عليه السلام) حوالى ثلاث سنوات ونيف وشهد في نهايتها فاجعة كربلاء. ثم قضى مع أبيه السجاد (عليه السلام) ثمان وثلاثين سنة يرتع في حقل أبيه الذي زرعه بالقيم العليا وأنبت فيه ثمار أسلوبه المتفرّد في حمل الرسالة المعطاء في نهجها وتربيتها المثلى للبشرية.

و اجتمعت فيه صفات ومزايا فريدة، فكان الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: «كان أبي كثير الذكر لقد كنت أمشي معه وأنه ليذكر الله (عز وجل) وأكل معه الطعام ولقد كان يحدّث القوم وما يشغله عن ذكر الله... وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس».

و كان له شرف الحصول على لقب «الباقر» من جدّه المصطفى (صلى الله عليه و اله وسلم)  كما في رواية الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري حيث يقول: «قال لي رسول الله (صلى الله عليه و اله وسلم) : «يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين (عليه السلام) يقال له محمد يبقر العلم بقرا (يشقه شقا) فإذا لقيته فأقرءه مني السلام» فلما كَبُر سنّ جابر وخاف الموت جعل يقول: يا باقر يا باقر أين أنت، حتى راه فوقع عليه يقبّل يديه ورجليه ويقول: بأبي وأمي شبيه رسول الله (صلى الله عليه و اله وسلم)  إن أباك يقرؤك السلام.

و إستفاد الإمام من هذا الانفراج السياسي إستفادة كبيرة في ممارسة دوره الرسالي فاتّبع سياسة تعليمية وتربوية رائدة هادفة لمواجهة الأفكار المنحرفة التي تغلغلت مع اتّساع رقعة الفتوحات. والتصدي للأحاديث المدسوسة ومواكبة المستجدات واستنباط الحلول لها.. «وانهال عليه الناس يستفتونه عن المعضلات ويستفتحونه أبواب المشكلات» وعمل الإمام محمد الباقر(عليه السلام) على تعزيز المدرسة العلمية والفكرية التي انطلقت في حياة والده السجاد (عليه السلام) فأصبحت تشدّ إليها الرحال من كل أقطار العالم الإسلامي حتى قال أحدهم: «لم يظهر من أحد من ولد الحسن والحسين L في علم الدين واثار السنة وعلم القرون وفنون الاداب ما ظهر عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)».

و تخرج من هذه المدرسة العظيمة كوكبة من أهل الفضل والعلم كزرارة بن أعين ومحمد بن مسلم الثقفي وجابر بن يزيد الجعفي.. وبذلك شكّلت مرحلة إمامة الباقر (عليه السلام) إطاراً جديداً لإدارة الصراع مع رموز الانحراف الفكري والعقائدي التي كادت تطمس معالم الدين الإسلامي انذاك.

و كان أبرز مميزاته (عليه السلام) العلم الواسع، وقد برز علمه هذا في فترة انتشار الفلسفة اليونانية وتوسع الناس في المناظرات الكلامية وتعدد المذاهب الفقهية والمدارس العقائدية ما استدعى بروز شخصيات علمية هامة تحمل على عاتقها مهمة ترسيخ دعائم الفكر الاسلامي الأصيل وتقوية دعائم الفقه الشيعي في مقابل المذاهب المختلفة. فكان تأسيس جامعة أهل البيت(عليه السلام) التي حوت عدداً كبيراً من العلماء حيث كانوا يأتون الى المدينة المنورة من مختلف الأقطار الاسلامية لينهلوا من الامام الباقر (عليه السلام) علومهم ومعارفهم.

و قد قال عطاء وهو أحد كبار علماء العامة يصف الامام الباقر (عليه السلام): ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم في مجلس أبي جعفر الباقر. لقد رأيت الحكم بن عيينة كأنه عصفور مغلوب لا يملك من أمره شيئاً.

و من ميزاته أيضاً صلابته في مواجهة الحكام الأمويين حيث لم يرضخ لضغوطهم فأكمل مهمته الالهية على أكمل وجه. هذا فضلاً عن العبادة والورع والتقوى التي يتحلى بها أئمة أهل البيت سلام الله عليهم.

و روى أحد زعماء الصوفية (محمد بن المنكدر) فقال خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيت محمد بن علي الباقر وكان رجلاً بديناً متّكئاً على غلامين له، فقلت في نفسي شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا، والله لأعظنّه فدنوت منه، فسلَّمت عليه، فسلم عليّ َ ببهر )أي بنفس منقطع( وقد تصبَّب عرقاً، فقلت: أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال ماذا كنت تصنع؟ قال: فخلَّى عن الغلامين من يده، ثم تساند وقال:

لو جاءني والله الموت وأنا في هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله أكفّ بها نفسي عنك، وعن الناس وإنما كنت أخاف الموت لو جاءني، وأنا على معصية من معاصي الله.

فقلت: يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني

و قد استشهد الامام الباقر (عليه السلام) علي يد الخليفة الاموي هشام بن عبد الملك في 7 ذو الحجة 114هجري قمري وكانت مدة امامته 19 سنة ودفن في البقيع بالمدينة المنورة الي جانب والده الامام علي بن الحسين وعم ابيه الامام الحسن بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام).