هل يتوسع التطبيع مع "إسرائيل" من بوابة المناورات البحرية؟
شارل ابي نادر
جاءت لافتة بالأمس المناورة البحرية التي قادتها واشنطن بين البحر الأحمر وشمال المحيط الهندي والخليج، والتي شاركت فيها حوالي ٦٠ دولة وعشرات الآلاف من العسكريين البحارة و٥٠ سفينة حربية عسكرية. هي لافتة بتوقيتها الحساس بعد عملية إعصار اليمن الثالثة، ولافتة بهوية الدول المشاركة فيها، والأهم مشاركة عدد كبير من الدول التي لا يوجد علاقات رسمية علنية بينها وبين "اسرائيل"، إلى جانب الأخيرة والتي كانت كما يبدو الطرف الذي نُفِّذَت المناورة لمصلحته وعلى اسمه.
أساسًا، عندما تم نقل "اسرائيل" من القيادة العسكرية الأميركية في أوروبا الى القيادة العسكرية المركزية في الشرق الاوسط، وذلك في نهاية عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي كان عراب اتفاقات أبراهام التطبيعية بين بعض الدول الخليجية وبين الكيان الصهيوني، لم يكن الهدف فقط هدفًا عسكريًا تنظيميًا، كون الكيان يحتل بلدًا شرق أوسطيًا ومن الطبيعي أن يكون ضمن هذا التقسيم الذي تعتمده الولايات المتحدة الأمريكية لانتشار وحداتها، ولكن كان الهدف الفعلي من ذلك هو اعتماد هذا النقل مدخلًا لمسار تطبيعي مع دول المنطقة.
لقد رأى حينها الأميركيون أن استراتيجية التطبيع ستكون صعبة ومعقدة عبر الطريق السياسي، طبعًا ليس مع الجميع، فهناك دول هرعت لاهثة نحو التطبيع مع "إسرائيل"، مثل الإمارات والبحرين، ولأسباب كثيرة معروفة، ولكن الفكرة الأميركية من ذلك، كانت من خلال عملية وضع "اسرائيل" ضمن مجموعة كبيرة من الدول التي تجمعها جغرافية واحدة، برية وبحرية، ومن خلال تكوينها لنظام أمني - عسكري، تربطه واشنطن بالجغرافيا التي تفرض نفسها، اعتبرت الأخيرة على هذا الأساس، انه سيكون صعبًا على دول المنطقة عدم الانخراط به، لحاجات أمنهم القومي والاستراتيجي أولًا، ولحاجات اقتصادية أيضًا. حيث تملك واشنطن المفتاح السحري لجرّ هذه الدول إلى الانخراط بالنظام المالي العالمي الذي تتحكم به، وذلك عبر اتجاهين: الأول من خلال الدولار كعملة تفرض نفسها عالميًا، والاتجاه الثاني عبر نظام العقوبات الاقتصادي الذي تجعل منه سلاحًا فتاكًا ضد العالم ساعة تريد، ولا تتوانى استعماله ضد الدول القادرة (سلاح العقوبات والضغوط الاقتصادية).
البعد الآخر الذي تعمل واشنطن من خلاله أيضًا، لتكوين موجة تطبيع مع إسرائيل من دول المنطقة، هو تأليب هذه الدول ضد إيران، طبعًا، لن تنجرّ جميعها لتكون خصًا أو عدوًا لإيران، ولكن واشنطن نجحت في ذلك مع القسم الأكبر منها، ولأسباب متعددة، أهمها التحريض الطائفي والضغوط السياسية وما ينتج عنها من تسعير للنزعات المتشددة والتكفيرية.
لذلك، ومع تكوين هذه الموجة من العداء لإيران، على خلفيات متعددة، منها الخوف والتحريض وما شابه، تستغل واشنطن اليوم الجغرافيا الأكثر حساسية في العالم، بين البحر الأحمر مرورًا بباب المندب وصولًا إلى بحر العرب وخليج عمان والخليج وامتدادًا الى شمال المحيط الهندي، لاعتمادها مسرحًا بحريًا لمناورات التطبيع مع "إسرائيل" أو لمناورات التسويق لاستراتيجية التطبيع مع الكيان.
طبعًا، لا ينحصر الهدف الأميركي عبر تأمين أكبر عدد ممكن من الدول المشاركة في المناورات، لكي تطبع مع "إسرائيل"، ولكن لديها أهداف أخرى خاصة بمناورتها الأساسية، والتي هي الاشتباك الإستراتيجي بمواجهة الصين وروسيا، فتكون بذلك قد خلقت جبهة عريضة من الدول المشاركة في المناورات، تُظهِرُها وكأنها في حلف دولي بقيادتها ضد الصين وروسيا، حتى ولو لم توافق بعض هذه الدول على ذلك، حيث تكون قد انخرطت عبر مشاركتها في مناورات عسكرية تحت جناح واشنطن في جبهة مواجهة ضد الصين وروسيا من حيث لا تدري ولا تريد أساسًا.
في النهاية، صحيح أن هذه المناورات، وبالعدد الضخم من الدول المشاركة فيها، تحمل أبعادًا استراتيجية مهمة لمصلحة مخططات واشنطن، خاصة لأهمية جغرافية انتشار هذه الدول، ولكن، برهنت الأحداث والحروب الأخيرة في المنطقة، وخاصة المواجهات التي خاضتها المقاومة اللبنانية ضد "إسرائيل"، والمواجهات التي خاضتها وما زالت وحدات الجيش واللجان اليمنية و"انصار الله" ضد تحالف عريض من الدول الإقليمية والغربية، والتي أغلبها من المشارِكة في المناورة البحرية المذكورة، برهنت هذه المواجهات أن الانتصار في النهاية لن يكون إلا لصاحب الحق القادر على الصمود، وأن "اسرائيل" - هذا الكيان الغاصب - لن تنجح بالنهاية في الثبات والصمود على احتلالها، مهما وصل عدد الدول التي ستناور معها، ومهما وصل عدد الدول التي ستُطبّع معها.