kayhan.ir

رمز الخبر: 1456
تأريخ النشر : 2014June01 - 21:20

حزب الله، ما هو أبعد من التحرير والمقاومة

ناهض حتر

في الذكرى 14 لتحرير جنوب لبنان، 2000، لم يعد هذا الحدث، على عظمته، قابلاً للاستعادة، في حدّ ذاته، لأغراض التحليل السياسي. صار واقعاً نهائياً لدى هزيمة الغزاة في تموز 2006، ودرسه بسيط: أن التحرير ممكن، والتصدي للصهاينة، على كلفته، عملٌ واقعي تماماً.

وحتى غلاة أعداء المقاومة باتوا يدركون أن سحب سلاح حزب الله، لم يعد مطروحاً على جدول الأعمال؛ السلاح تضاعف مرات، وسيتضاعف؛ مشكلتهم اليوم هي في أن الحزب تحوّل قوة إقليمية؛ ردّ على الحصار الداخلي بالامتداد الخارجي؛ سلاحه الآن في سوريا، حيث يقاتل إلى جانب الحليف الاستراتيجي، معركة المشرق الكبرى. حزب الله اليوم قوة لبنانية ــــ سورية؛ وحّد البلدين التوأمين جيوسياسياً وعسكرياً وأمنياً، تاركاً لمَن يرغب اللهو بالعقود الدستورية والحدود على ورق الخرائط!

يبدو لي، أحياناً، أن قليلين أولئك الذين يدركون الجوهري في شراكة القتال بين جنود الجيش العربي السوري ومقاتلي حزب الله. لن أتحدث عن التجربة العسكرية الفريدة ــــ التي لها ما بعدها ــــ تجربة الدمج القتالي بين الجيش النظامي التقليدي والجيش المقاوم ــــ إنما آمل أن يشرحها لنا متخصصون ــــ سأتحدث عن صيرورة خط المقاومة، ما قبل 2000 وما بعدها.

المقاومة ليست سلاحاً، وإنما خط سياسي استراتيجي يستخدم السلاح في سياق خطة؛ ذلك الخط أرساه الرئيس الراحل حافظ الأسد في حراك معقد من التحالفات والتكتيكات والحسابات؛ وهو ما كان يلزم، في ظروف اختلال مستمر في موازين القوى، لـ (1) حماية القلعة ( سوريا) واستقلالها السياسي وأمنها القومي ونموها الاقتصادي ونفوذها الإقليمي،(2) وإدامة الصراع مع العدو الإسرائيلي. وقد خاضت دمشق، على مسار هذا الخط، معارك سياسية وعسكرية وأمنية مع عدّة قوى أظهرت التطورات اللاحقة أن أسلحتها وشعاراتها ومزايداتها ليست سوى الطريق نحو المساومة؛ قاتلت سوريا في لبنان، دفاعاً عن أمنها، ولمنع الذبح والتهجير الطائفيين تحت شعارات "ثورية”، وفي الوقت نفسه منع الإسرائيليين من التموضع السياسي في البلد بذرائع طائفية. أثناء كل تلك السنوات الصعاب، تعرضت السياسة السورية للتهجمات والتشكيك، بل وهناك مَن قاتل الجيش العربي السوري باسم الثورة وفلسطين واليسار، بينما كان الإخوان المسلمون يطعنون هذا الجيش في تمرد رجعي مدعوم من الإمبريالية والرجعية، مطلع الثمانينات؛ وعادوا، مرة أخرى، يطعنونه منذ 2011.

في لبنان تقاليد ثورية حقاً، ونزعة مقاومة، وقد تجسّدتا في جبهة القوميين والشيوعيين، "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية”، التي إليها يعود الفضل في إطلاق شرارة وثقافة مقاومة الاحتلال، وخلق الأجواء الملائمة لنشاط حزب الله البطولي؛ لم يكن الأسد يؤمن، خصوصاً بعد التجربة الأليمة للمنظمات الفلسطينية في لبنان، بتعددية المقاومة؛ ولذلك، فقد مضى نحو حصر العمل المسلح في تنظيم واحد متماسك وصلب ومنضبط وعنده القدرة على التجذّر في بيئة الجنوب ويحظى بدعم حليف إقليمي كبير ( إيران)، ويسير في الاستراتيجية السورية؛ رحل الأسد رافع الرأس، "رحل ولم يوقّع”، بل ورحل وقد وقع تحرير الجنوب، وخلّف نظاماً وجيشاً واصلاً الاستراتيجية نفسها، كانا في صلب ما تحقق في غزة من انسحاب إسرائيلي اضطراري ومصادمات لاحقة، وما تحقق من صدّ للعدوان في 2006.

في ذلك التاريخ، وفي تلك الحدود، كان حزب الله ــــ وانتصاراته وفائض قوته ــــ قد استكمل عناصر حضوره اللبناني كقوة لا يمكن قهرها، تؤمّن حدود لبنان، وتحفظ، داخله، الحضور السياسي السوري؛ إنما، منذ العام 2011، وفي التصاعد الجريء والمبدئي لمواقف حزب الله، من التضامن مع سوريا إلى القتال فيها ولها دفاعا عن استراتيجية المقاومة، تحوّل حزب الله إلى قوة إقليمية أساسية، هي اليوم شريك في القرار وحليف للكبار في الخط الصاعد من بيكين إلى الضاحية.

حزب الله، اليوم، قوة ردع في مواجهة إسرائيل، وقوّة قتال رئيسية في سوريا، وقوة سياسية ومعنوية في العراق والخليج واليمن، وحركة ذات صدقية تتمتع بشعبية كاسحة بين مسيحيي المشرق، وفي صفوف التقدميين والقوميين واليساريين العرب، ويتنامى حضورها في فلسطين والأردن. ولا يعيب الحزب أن الأحداث تسارعت، ففاجأه التاريخ، بمنحه حجماً أكبر بكثير من كونه اسلامياً، ولبنانياً، بل ومن كونه حركة مقاومة، لكن، في المقابل، لم يعد ممكناً أن يواصل الحزب التعامل مع الجديد الكبير في موقعه ومكانته ودوره، بأدوات فكرية وسياسية قديمة، ومن هذه الأدوات التي بليتْ: النأي بالنفس عن جدل الصراعات الاجتماعية والرؤية التنموية ومفهوم الدولة المدنية والنظرية القومية في المشرق والعالم العربي؛ والغرق، في المقابل، في مساعي إحياء الأموات من خلال محاولات تعويم الإسلام السياسي.