فشل جديد للدبلوماسيّة الكويتيّة…
نائل نعمان ـ الكويت
كنت قد كتبتّ مقالاً في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عن تراجع الدبلوماسيّة الكويتيّة الى الصفر استعرضت فيه فشل هذه الدبلوماسيّة المعهودة لحلّ الصراعات العربية ـ العربية، وكيف نأت بنفسها، خاصة عن الصراع الجزائريّ ـ المغربيّ وحرب اليمن وغيرها، وهو ابتعاد كبير عن الخط الذي رسمه مؤسّس الدبلوماسيّة الكويتية الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله.
ليعود تارة أخرى وزير الخارجية الشيخ أحمد ناصر الصباح ليغرس رمحاً جديداً في قلب الدبلوماسيّة الكويتيّة برحلته الأخيرة الى لبنان عندما قدّم ورقة الى الحكومة اللبنانية تمثل أفكاراً كما قال لإعادة الثقة بين لبنان والخليج الفرسي، وتمثلت كلماته بـ 3 مواضيع:
1 ـ التضامن مع الشعب اللبناني.
2 ـ وقف الاعتداءات اللفظية والفعلية على الدول الخليجيه
3 ـ الامتثال للشرعيّة الدوليّة.
لا أعرف كيف تضامن وزيرنا مع الشعب اللبناني الذي يعاني في كلّ أموره المعيشيّة، ولن ألتفت إلى هذه النقطة لأنها لم تمثل شيئاً يُذكر على أرض الواقع، ولا تعدو كونها كلاماً إنشائياً لا يخفف من معاناة اللبنانيين اليوميّة سوى أنها تعني أننا نراقب الوضع ولن نفعل شيئاً حتى يرضخ لبنان للأفكار المقدّمة. وهو أمر غير معهود بتاتاً من الدبلوماسية الكويتيّة التي عادة تقدّم حلولاً قبل الإقدام على المبادرات السياسية، فلذا كنت أتمنى من وزيرنا الشاب ألا ينطق بتلك العبارة لأنها تسيء لأيّ جهد دبلوماسيّ.
النقطة الثانية كانت مستغرَبة أكثر من الأولى حيث إني كمتابع للأخبار والمقابلات التلفزيونية والتغريدات اللبنانية لم أسمع أحداً منهم يقول كلمة سوء بحق الكويت وشعبها، بل على العكس تماماً فإنّ اللبنانيين يكنّون كلّ الاحترام والتقدير للكويت قيادة وشعباً، فإذا كان اللبنانيون قد أساؤوا لدولة خليجيّة ما، كان الأجدر بتلك الدولة ان تحمل الرسالة وليست الكويت، وهذا أيضاً أمر يبيّن الانحراف الكبير بالدبلوماسيّة عن المسار الذي عهدناه!
لقد ارتضى الوزير الشاب أن تكون الكويت بوزاً للمدفع في أمر ليس للكويت فيه ناقة ولا جمل، ووضعنا في خانة لا نريد أن نكون فيها وهي خانة المواجهة مع اللبنانيين! فاللبنانيّون أنفسهم قد تباحثوا بينهم لسنين حول الجدل ما بين الإساءة لدول عربية وحرية التعبير ولم يتوصّلوا الى حلّ وسط بينهم، ثم يأتي وزيرنا من الخارج ليفرض عليهم هذا الشرط؟ أقلّ ما يُقال عن تصرف الوزير أنه إما لا يعرف بخبايا السياسة اللبنانية ولا يعرف تلك القواعد الداخليّة التي تنظم العلاقات والتصريحات بين الأحزاب المختلفة، وإما كان يعرف جزءاً بسيطاً عنها فهو مرة أخرى انحراف عن مسار السياسة الخارجية لدولة الكويت كما عهدناها، وهو أمر يجب أن يتناوله نواب مجلس الأمة بمساءلته عن الانحراف بسياسات الدولة الخارجية، وان يكون النواب على قدر المسؤولية لتصويب هذا الانحراف وإعادة الدور الكويتيّ القوميّ إلى سابق عهده.
أما النقطة الثالثة فقد كانت الأغرب! فقد دعا لبنان الى الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، وهو يقصد بوضوح تامّ القرارين الأمميّين 1559 و 1701، ولعلّ الوزير الشاب لا يعرف تلك القرارات جيداً ولا يعرف انّ طائرات العدو الصهيوني تنتهك الأجواء اللبنانية كل يوم وانّ الصهاينة لولا معرفتهم بصمود الشعب اللبناني لغزوا لبنان منذ أمد. وما لا يعرفه الوزير أو تجاهله عن عمد هو القرارات الدولية التي تجاهلها العدو الصهيوني بحق لبنان العربي وهي:
القرار 279 لسنة 1970 والقرار 285 لسنة 1970 والقرار 313 لسنة 1972 والقرار 316 لسنة 1972 والقرار 332 لسنة 1973 والقرار 374 لسنة 1974… وكلّ هذه القرارات تطالب بالانسحاب الفوري للقوات المسلحة “الإسرائيلية” من الأراضي اللبنانية، والتوقف الفوري عن أيّة عمليات عسكرية ضدّ لبنان، وإدانة انتهاك “إسرائيل” لوحدة وسيادة الأراضي اللبنانية، لكن “إسرائيل” لم تذعن لأيّ منها. فالوزير لم يكن فظاً فحسب، ولكنه لم يكن منصفاً كذلك، وعرّض مستقبل العلاقات الكويتية ـ اللبنانية الى فجوة لا يريدها الشعب الكويتي الذي اعتاد على حكمة سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، والى التقارب مع كلّ العرب دون استثناء كما أنه نسي المطالبات الكويتية المتكرّرة لإذعان كيان العدو الصهيوني في المحافل الدولية لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بكلّ الأراضي العربية السليبة، فكان الأجدر به مطالبة العدو الصهيوني بالالتزام بتلك القرارات بدل لبنان.
انّ رحلة وزير الخارجية محكوم عليها بالفشل الحتميّ فهو لم يعالج الأمور بحكمة وبصمت كما اعتدنا، ولكنه فرض شروطاً تعجيزية لن يقبلها كلّ اللبنانيين، فكانت رحلته فيها من الضرر ما يفوق كثيراً فوائدها. والمستغرب انه يتوقع إجابة ايجابية من لبنان في نهاية الشهر الحالي ويكون بذلك قد أعطى مهلة 10 أيام للبنانيين للإتيان بإجابات عجزوا عن حلها بأنفسهم لسنين…