قصف الحوثي للإمارات يُقلِق إسرائيل.. فكيف ستُواجِه هجوم إيران وحزب الله وحماس؟
زهير حليم أندراوس
لا أزعم أنّني أفهم في قضايا الجيوش والإستراتيجيّة والتكتيك في الحروب، ولكن مع ذلك، كعربيٍّ-فلسطينيٍّ، حُكِم عليَّ أنْ أعيش في كيان الاحتلال، الذي استولى على أرضي وهتك عرضي، كبقيّة أبناء شعبي، أُتابِع من منطلق “مكره أخاك لا بطل”، ما يجري في موطني فلسطين، الذي يُسّمى آنيًا “إسرائيل”، وكنتيجةٍ حتميّةٍ لهذه المُتابعة أجِد الكثير من الأسئلة المركزيّة، الجوهريّة والمفصليّة، ولكنّني لا أعثر على الأجوبة الكافية والشافية، وعلى نحوٍ خاصٍّ: هل الكيان قادرٌ على استيعاب الهجوم الصاروخيّ المُحتمل من إيران، وحزب الله وحماس وباقي التنظيمات الفلسطينيّة في قطاع غزّة؟ هل يملك الكيان القدرة على تحمّل صواريخ الحوثيين من اليمن وأيضًا من العراق، كما يؤكِّد الخبراء والمُختصّين في تل أبيب؟ وماذا مع سوريّة، التي أكّد قائد سلاح المُدرّعات السابِق في جيش الاحتلال أنّه رغم الحرب التي عاشتها بلاد الشام ما زال سلاح المُدرّعات العربيّ-السوريّ لاعبًا مركزيًا في قواعد الاشتباك بالشرق الأوسط.
وقبل الولوج في طرح الأسئلة المُستعصيّة، لا بُدَّ من التنويه إلى أنّ البعض الكثير من الناطِقات والناطقين بالضّاد يعيشون للأسف في وهمٍ مفاده أنّ الجيش الإسرائيليّ لا يُقهَر، علمًا أنّ قادة الكيان يؤكّدون علنا، جهارًا ونهارًا، أنّ آخر انتصار حققه هذا الجيش كان في عدوان يونيو 1967، وأكثر من ذلك، يُشدّد أركان الكيان على أنّ جيش الاحتلال خاض آخر معركة بريّة في حرب العام 1973 ضدّ سوريّة ومصر. والأخطر من ذلك، أنّ هناك جيوشًا من الإعلاميين المهزومين، المأزومين والمهزوزين، الذين يعملون على مدار الساعة بهدف استدخال الهزيمة، ويقومون بالترويج لهالة الجيش الإسرائيليّ، عمدًا أوْ جهلاً، وهؤلاء، يُطبّقون عن درايةٍ أوْ عدمها، مقولة الثائر الأمميّ، تشي جيفارا: “الرصاصة الغادِرة قد تقتل شخصًا، ولكنّ الكلمة الجبانة قد تقتل أمّةً كاملةً”، ذلك أنّ الحرب مع الصهاينة لا تدور في أرض المعركة فقط، بل في مجالاتٍ أخرى، وفي زمننا، تحولّت وسائط التواصل الاجتماعيّ إلى الأهّم في المعركة على كيّ الوعي، ولذا انتشر بكثرةٍ “الذباب الالكترونيّ”، الأمر الذي زاد من حالة البلبلة والإرباك وصولاً للإحباط.
مسألة صمود إسرائيل أمام هجومٍ من قبل إيران، سوريّة، حزب الله، الحوثيون، الجماعات المُوالية لإيران في العراق وحماس والتنظيمات الفلسطينيّة في قطاع غزّة عادت وبقوّةٍ إلى الواجهة وهيمنت على الأجندة في الكيان بعد القصف الدقيق الذي نفذّه الحوثيون ضدّ منشآتٍ في الإمارات العربيّة المُتحدّة، فها هو المُستشرِق الإسرائيليّ، إيهود يعاري، المُرتبِط بأجهزة الاستخبارات في إسرائيل، يقول ويفصل:”مسألة قصف إسرائيل من قبل الحوثيين باتت مسألة وقت ليس إلّا”، ولولا صحّة التحليل لما كانت الرقابة العسكريّة في تل أبيب تسمح بنشر هذه الحقيقة، وهي التي تعمل دون توقفٍ على لجم الإعلام العبريّ لكي “لا يمّس بأمن الدولة العبريّة”، علمًا أنّ الحديث يجري عن إعلام بلاط، يتطوّع من تلقاء نفسه للترويج للأجندة الصهيونيّة، ويتحوّل إلى كتيبةٍ هجوميّة في أثناء حروب إسرائيل.
عودٌ على بدءٍ: بحسب المصادر الإسرائيليّة الرسميّة تمتلِك إيران أكثر من أربعين ألف طائرةٍ انتحاريّةٍ بدون طيّارٍ (مُسيّرات)، وهي قادرة على قصف أيّ بُقعةٍ داخل إسرائيل، ناهيك عن الصواريخ الباليستيّة (عابرة القارّات) التي تحوزها الجمهوريّة الإسلاميّة. بالإضافة إلى ذلك، يؤكِّد قادة جيش الاحتلال أنّ حزب الله يمتلِك أكثر من 140 ألف صاروخٍ، وأنّ كلّ مكانٍ في العمق الإسرائيليّ بات في مرماها. أمّا في ما يتعلّق بحركة (حماس) في قطاع غزّة، فيُقِّر الصهاينة بأنّ الصواريخ التي طورّتها الحركة، بدعمٍ من إيران وسوريّة وحزب الله، أصبحت تصل إلى ما بعد، بعد حيفا في الشمال، وإذا افترضنا جدلاً، أنّ حربًا قد تشتعِل بين إيران وسوريّة وحزب الله وحماس من جهة وبين الكيان من الجهة الأخرى، لا سمح الله، هل إسرائيل قادرة على صدّ الهجوم الكميّ والنوعيّ للأعداء؟ نعتقِد، ولا نجزِم، أنّ الجواب على السؤال هو النفيْ، إذْ أنّ إسرائيل في حالةٍ من هذا القبيل ستكون “أوهن من بين العنكبوت”.
ومن المُفيد جدًا في هذه العُجالة تذكير أصحاب الذاكرة الانتقائيّة أوْ القصيرة أوْ الاثنتيْن معًا، أنّه في حرب لبنان الثانية عام 2006، مرّغ حزب الله أنف جيش الاحتلال بالتُراب، وباعترافٍ إسرائيليٍّ، ولكن الأخطر من ذلك أنّه في الحرب عينها تمكّن حزب الله، الذي يعتبره الصهاينة جيشًا بكلّ معنى الكلمة وأقوى بكثيرٍ من عددٍ من دولٍ في حلف شمال الأطلسيّ، تمكّن من تحطيم وتدمير الدوكترينا (العقيدة القتاليّة-العسكريّة )، التي وضعها أوّل رئيس وزراء في إسرائيل، دافيد بن غوريون، والقاضية بحسم الحرب خلال أيّامٍ قصيرةٍ جدًا، وأنْ تدور رحاها في أرض العدوّ، وللتدليل على ذلك، نلفِت إلى أنّ الحرب عام 2006 استمرّت 34 يومًا، وتحوّل العمق الإسرائيليّ إلى ساحة معركةٍ. والشيء بالشيء يذكر: في عدوان 2014 على قطاع غزّة استمرّت الحرب بين التنظيمات الفلسطينيّة و”الجيش الذي لا يُقهَر” 51 يومًا، وتوقفّ العدوان بعد أنْ لجأت إسرائيل متوسلةً إلى مصر للتوصّل إلى هدنةٍ.
ونخلُص إلى القول إنّ الضربّة الحوثيّة للإمارات الأسبوع الماضي، تحمِل في طيّاتها رسالةً إستراتيجيّةً لكلّ من يهمه الأمر: إسرائيل كشفت عن نفسها بأنّها غَدَتْ غيرُ مُحصنةٍ من جماعة الحوثي، وحذّرت من انضمامهم إلى المعركة المُقبِلة ضدّ إسرائيل، وأقرّت في الوقت عينه أنّ السعوديّة فقدت الأمل في إخضاع اليمن، مُشدّدّةً على فشل سياسية رأس الأفعى وقائدة الإرهاب العالميّ، الويلات (ليس خطأً مطبعيًا) المُتحدّة الأمريكيّة. ومع ضربة الحوثي للإمارات تغيّرت قواعد الاشتباك بين محور المُقاومة والمُمانعة وبين الأعداء، والسؤال الذي يبقى مفتوحًا: إسرائيل تستعِّد وفق إعلامها لحرب في آنٍ واحدٍ على جبهتيْن اثنتيْن، شمالاً مع حزب الله وجنوبًا مع حماس، فهل اقتنع الآن صُنّاع القرار في تل أبيب بأنّ الحرب على جبهتيْن باتت في عداد الماضي، وأنّ الحرب المُقبِلة، إذا اندلعت لا سمح الله، ستكون على عدّة جبهاتٍ وتستهدِف العمق الإسرائيليّ الهّش وغيرُ المُنضبِط؟