التصعيد في اليمن علامة انطلاق قطار التسويات
ناصر قنديل
– في ربيع عام 2015 عندما كان الأميركي قد حسم أمره لجهة التوقيع على الاتفاق النووي، بدأت السعودية والإمارات حربهما على اليمن، بالتنسيق مع الأميركي ولم يكن خافياً وقوف “إسرائيل” في خلفية الحرب، باعتبار حسم أمر اليمن وتصفية المخزون الصاروخي الذي كان بحوزة أنصار الله آنذاك، وفرض السيطرة على مضيق باب المندب وساحل البحر الأحمر، والإمساك باليمن كجغرافيا ذات قيمة استراتيجية في الخليج الفارسی هو تعويض خسائر السعودية والإمارات و”إسرائيل” جراء التوقيع الأميركي على الاتفاق النووي مع إيران دون انتزاع تنازلات منها في ملفي سلاح الصواريخ ودعم قوى المقاومة. وكان الرهان المؤسس على زواج تقديرات القوة العسكرية، والخلفية العنصرية لاستصغار قدرات اليمن وتهوين ما يختزنه شعبه من مؤهلات وإمكانات، إن الحرب ستحسم خلال أسابيع أو كحد أقصى خلال شهور، حتى أن الأميركيين الذين وعدوا بالحسم خلال مطلع الصيف مددوا فترة ما قبل توقيع الاتفاق النووي مرتين أملاً بأن يُنجز الحسم قبل التوقيع، الذي أنجز في منتصف شهر تموز.
– المتغيّرات التي رافقت الحرب جعلت من اليمنيين رقماً صعباً في معادلة أمن الخليج الفارسی، بصورة لم تكن قائمة قبل انطلاق الحرب، فقد نجح اليمنيون بفرض حضورهم وتمكّنهم من إفشال أهداف الحرب، رغم خسائرهم الهائلة بالأرواح، وأغلبها خسائر في المدنيين، ورغم الدمار والخراب الذي أصاب عمرانهم وبناهم التحتية، بحيث لم ينجُ جسر ولا منشأة ولا مدينة ولا مرفق من هذه الضريبة الغالية. وبالتدريج بدأ اليمنيون يمسكون بزمام المبادرة الاستراتيجي، المرتكز على ثلاثية أمن البحر الأحمر، مدى الطائرات المسيّرات والصواريخ البالستية نحو مياه الخليج الفارسی وممرات الطاقة والتجارة العالمية، وعمق كيان الاحتلال الإسرائيلي، وصولا لإقامة معادلة العمق بالعمق عبر النجاح بإيصال الصواريخ والطائرات المسيّرة الى مرافق حيوية في السعودية ولاحقاً في الإمارات رداً على كل استهداف نوعي للعمق اليمني.
– عشيّة بدء السنة الثامنة من الحرب، يبدو المشهد شبيهاً لما كان عليه مع بدئها، سواء لجهة ما يجري على الساحة الدولية والإقليمية، أو ما يجري في مسارات الحرب نفسها من ضراوة، فالأميركي الذي خرج من الاتفاق النووي مع إيران، يفاوض اليوم للعودة، وكل الوقائع تقول بأنه بات قاب قوسين أو أدنى من توقيع وثيقة العودة للاتفاق، وهذه المرّة بتسليم مسبق واضح بالعجز عن ضم ملف الصواريخ الإيرانية وما يسمّونه بالنفوذ الإيراني الى ملفات التفاوض، وعدم ضم ملفات الإقليم للملف النووي بمقدار ما هو انتصار لإيران، فالاتفاق نفسه سيخلق مناخاً إقليمياً عنوانه نهاية الفصل الأهم من المواجهة الأميركية الإيرانية، التي تمثل نصف مضامين حروب المنطقة، ويشكل إطفاء نيرانها إيذاناً بانطلاق زمن التسويات، على الأقل من زاوية النظر الأميركية التي لا تحتمل مزيداً من الحرائق في زمن سعيها لتفادي التورط في المزيد من الحروب في زمن له عنوان واحد هو الانسحاب من أفغانستان، ومثال التفاوض حول أوكرانيا حي يُرزق.
– إذا كان الوقت المتبقي لحرب اليمن لم يعُد طويلاً، وهو الوقت الفاصل عن توقيع الاتفاق النووي أو ما بعده بشهور قليلة، فإن الوقت المتبقي لتحقيق مكتسبات سعودية وإماراتية تحفظ ماء الوجه عند وقف الحرب، يضيق أكثر، ووحده يفسر هذا التصعيد الجنونيّ، لكن الوقت لا يعمل في اتجاه واحد، فاليمنيون يعتبرون أن الوقت معهم، وأن إنجاز الاتفاق النووي يفتح أمامهم المزيد من الوقت لتحقيق الإنجازات، ولذلك فهم لا يقيمون حساباً لما يجري على ساحات التفاوض، والإصرار السعودي الإماراتي على التصعيد سينتج مزيداً من التصعيد اليمني، الذي سيفرض عليهما الكثير من الخسائر، بدلاً من المكتسبات، وربما يجعل الفترة الفاصلة عن وقف الحرب أقصر.