kayhan.ir

رمز الخبر: 145115
تأريخ النشر : 2022January21 - 19:51

تركيا ترفع سقف طموحاتها الاستراتيجية: نحو السلاح النووي

د. علي دربج

لم تعد تركيا تكتفي بتوسيع نفوذها الاقتصادي والعسكري والجيوسياسي في عدد من البلدان، بل امتد طموحها إلى محاولة امتلاك التقنيات النووية، حيث وجد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ضالته بالقدرات النووية والصاروخية الباكستانية، التي ستساعده على تحقيق تطلعاته الامبراطورية.

وفي خطاب له في مدينة سيواس عام 2019، قال اردوغان: "بعض الدول لديها صواريخ ذات رؤوس نووية لكن ممنوع عليّ أن أحصل عليها، أنا لا أقبل ذلك"، مشيرًا إلى أنه "لا يوجد تقريبًا أي دولة متقدمة في العالم حاليًا لا تمتلك صواريخ برؤوس نووية".

كيف ستحقق أنقرة أهدافها النووية؟

تجري تركيا وباكستان محادثات على مستوى عال بشأن نقل تكنولوجيا الصواريخ النووية إلى أنقرة. مؤخرًا ناقش البلدان القضية النووية في اجتماع مجموعة الحوار العسكري التركي الباكستاني الخامس عشر، والتي تعد أكبر هيكل مؤسساتي للبلدين في مجال التعاون الدفاعي. حيث ترأس النائب الأول لوزير الدفاع الباكستاني ميان محمد هلال حسين وفد بلاده، فيما قاد الوفد التركي نائب رئيس الأركان العامة للجيش التركي الجنرال سلجوق بايراكتار أوغلو.

وكان الجنرالات الباكستانيون قد التقوا بوزير الدفاع التركي خلوصي أكار والقائد العام للجيش التركي الجنرال ياسر جولر. وخلال الاجتماع نوقشت امكانية تبادل التقنيات النووية والصاروخية بين البلدين، خصوصًا وأن أردوغان طلب شخصيًا من القائد العام للجيش الباكستاني قمر جاويد باجوا، مشاركة تكنولوجيا الأسلحة النووية، وهو ما تم الاتفاق عليه.

وللغاية ذاتها زار الوفد الباكستاني شركات الدفاع التركية، بما في ذلك "باكيار" (الشركة المصنعة للطائرات دون طيار). كما عُقد اجتماع مع كبار المسؤولين في الجيش التركي، المشاركين في إنتاج الصواريخ وتقنيات الطيران الأخرى. وأفادت وكالة "زي نيوز انديا" عن نقل أجهزة صينية تستخدم في صنع محركات صواريخ بعيدة المدى الى الأتراك مؤخرًا مثل صاروخ شاهين - 2 الباكستاني القادر على حمل رؤوس نووية.

ماذا عن التنفيذ؟

عمليًا، تقوم باكستان بنقل تكنولوجيا الصواريخ بسرعة إلى تركيا، ويساعد علماء من اسلام اباد أنقرة على بناء قدرة إنتاج وتحسين القدرات البالستية والنووية للقوة الصاروخية التركية. وتحدثت معلومات استخباراتية غربية وآسيوية، عن أن انقرة لديها عدد من أجهزة الطرد المركزي النووية الباكستانية. وفي هذا الاطار يقول خبراء روس إنه لم يعد من الممكن وقف نقل تقنيات الصواريخ النووية الباكستانية إلى تركيا، الأمر الذي يثير غضب الهند بشكل كبير.

لكن مهلًا، في الواقع إن تطلعات اردوغان للحصول على أسلحة نووية وبالتالي رفع بلاده الى مصاف الدول العظمى، ليست وليدة اللحظة، بل كان سبقها تدخلات عسكرية في أكثر من منطقة، بدءًا من الشرق الأوسط مرورًا بالخليج العربي وصولًا إلى شمال افريقيا، وانتهاءً بالقوقاز، ثم أتبعها مباشرة باستراتيجية بناء نظام قواعد عسكرية خارج الحدود التركية في كل تلك المناطق.

لاكتشاف النفوذ العسكري التركي في الخارج، لا بد من البدء من قبرص. 

يبلغ عديد الوحدة العسكرية التركية في شمال قبرص حوالي 30 الف عنصر، وهي توفر تواجدًا تركيًا في شرق البحر المتوسط. وفي سوريا، لدى انقرة ما يقارب 20 ألف جندي، فيما يوجد في الجزء الشمالي من العراق أكثر من 2500 عنصر تركي.

ليس هذا فحسب، فقد أقامت تركيا قاعدة عسكرية صغيرة في مدينة بعشيقة العراقية بالقرب من الموصل، وتزعم أنقرة أنها تستخدم لتدريب الجيش العراقي لمواجهة مسلحي حزب العمال الكردستاني. وفي عام 2018 ، اعترف رئيس الوزراء التركي السابق بن علي يلدريم أن تركيا لديها 11 قاعدة عسكرية في شمال العراق. كما كانت تركيا قد وقّعت في العام 1994، اتفاقية مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني" لنشر فرقة عسكرية في دهوك.

وغني عن التعريف، أن تركيا تدعي أن الدافع وراء وجودها العسكري في العراق وسوريا هو الحاجة إلى ضمان أمن حدودها، وملاحقة المجموعات المسلحة الكردية (لا سيما حزب العمال الكردستاني).

شمال افريقا.. ليبيا

رسخت أنقرة حضورها العسكري في ليبيا، حيث تم إنشاء قاعدة عسكرية تركية في هذه الدولة، بعد هزيمة حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج في طرابلس (المدعومة من تركيا مباشرة) لقوات خليفة حفتر بالقرب من طرابلس. بالنسبة لأردوغان، ليس النفط الليبي فقط مهمًا، فبفضل الاتفاق بين تركيا وطرابلس الغرب، والتدخل العسكري التركي في ليبيا، تمت السيطرة على مناطق شاسعة في شرق البحر المتوسط، حيث حقول الغاز المترامية الأطراف التي لا تغيب عن حسابات أنقرة الاقتصادية والجيوسياسية.

في القارة السمراء أيضًا، تمتلك أنقرة قاعدة عسكرية كبيرة في الصومال، مصممة لتكون نقطة انطلاق لتوسيع النفوذ التركي في القارة الأفريقية، وفتح أسواق جديدة للأسلحة التركية.

أكثر من ذلك، سعت تركيا لتوسيع نفوذها تدريجيًا في إفريقيا من خلال شبكة مؤلفة من 37 مكتبًا عسكريًا في القارة، وهي تهدف إلى تحقيق رؤية أردوغان بمضاعفة حجم التجارة السنوية مع القارة إلى ثلاثة أضعاف بما يساوي 75 مليار دولار في السنوات المقبلة. الجدير ذكره (على سبيل المثال) أن صادرات الأسلحة التركية الى اثيوبيا وحدها (خصوصًا طائرات دون طيار) بلغت بين كانون الثاني/ يناير، وتشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2021، ما قيمته 94.6 مليون دولار.

وبالتوجه الى الخليج الفارسي نجد أن أنقرة نجحت في تثبيت موطئ قدم لها في هذه المنطقة. ففي عام 2019، أكملت تركيا بناء قاعدة عسكرية في قطر.

الهجمة التركية وصلت أيضًا الى حدود روسيا، التي باتت تشعر بالقلق من السلوك التركي في منطقة القوقاز، حيث حققت أنقرة اختراقًا مهمًا، إذ إن إنشاء قاعدة عسكرية دائمة في أذربيجان هي مسألة وقت فقط.

في الواقع وعند التدقيق في خريطة التمدد التركي، نجد أن التوسع العسكري التركي يجري في المناطق التي تشهد حالة عالية من عدم الاستقرار وتعاني من فراغات في السلطة، إذ تحاول انقرة استغلال الحروب والازمات التي يعاني منها هذا البلد أو ذاك من أجل "قضم" قطعة من هنا، أو الحصول على موطئ قدم على الأقل في منطقة ما هناك.

وفي هذا السياق، يلفت خبراء عسكريون روس إلى أن تركيا لم تكن لتتمكن من القيام بعمليات عسكرية ناجحة لعدة سنوات وحدها، وما كان الأتراك لينجحوا في توسيع حجم نفوذهم المتصاعد الذي نشهده حاليًا في غير منطقة في العالم، لولا الدعم العسكري والتقني الفعال للغرب بشكل عام وبريطانيا خصوصًا. ويكشف هؤلاء الخبراء أن هذا التوسع التركي المقلق، يشرف عليه ويديره في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى رئيس الاستخبارات البريطانية MI6، صديق أردوغان الشخصي ريتشارد مور.

في المحصلة، وبالنظر الى السلوك التركي، يبدو أن اردوغان ماض في مخططاته النووية، والتي سيستفيد منها بالداخل بالدرجة الأولى لا سيما في الانتخابات المقبلة، حيث إن نقل أنقرة الى نادي النووي الدولي، سيرفع من اسهمه داخليًا وفي العديد من البلدان التي تتمع فيها أنقرة بحضور قوي.

 وعليه فإن "السلطان اردوغان" الآن مثل راكب دراجة تدفعه التحديات لأن يكون في حالة حركة مستمرة  وإلا فإنه سيفقد توازنه ويسقط، وهو ما ينتظره كُثر في هذه اللحظة في الداخل والخارج.