القوات الروسيّة: بقاءٌ طويل في سوريا وانسحاب سريع من كازاخستان
د. جواد الهنداوي
في كلا الحالتين (حالة دخول القوات الروسية في سوريا، وحالة دخولها في كازاخستان)، برّرَ الرئيس بوتين دخول قواته بغطاء شرعي؛ بدأَ سلاح الجو الروسي بتوجيه ضربات جوّية في سوريا، بتاريخ ٣٠ سبتمر عام ٢٠١٥ ،وذلك بناءاً على طلب الرئيس بشار الاسد دعم عسكري روسي، وموافقة مجلس الاتحاد الروسي باستخدام القوات الروسية خارج البلاد.
دخلت القوات الروسية كازاخستان بتاريخ ٢٠٢٢/١/٦، وبناءاً على طلب الرئيس توكاييف ، وبموجب معاهدة طاشقند او معاهدة الامن الجماعي بين روسيا وكازاخستان وارمينيا وقيرغيزستان وروسيا البيضاء وازبكستان وطاجيكستان ، و الموقعّة بتاريخ ١٩٩٢/٥/١٥، والتي انبثق منها منظمة معاهدة الامن الجماعي في عام ٢٠٠٢. واسّسَ هذا التكتل الاسيوي، عام ٢٠٠٩، قوة ردع سريع قوامها ٢٠ الف مقاتل غالبيتهم من الجيش الروسي، وقوة حفظ سلام وعديدها ٣٦٠٠ مقاتل. ويرى المراقبون بأنَّ هذه المنظمه هي اشبّه بناتو مصغّر.
بدأت القوات الروسية انسحابها ،يوم امس ( ٢٠٢٢/١/١٦ ) وستكمل انسحابها يوم ٢٠٢٢/١/٢٢.
دخلت القوات الروسية الى كازاخستان، بأعتبارها قوات حفظ سلام تابعة لمنظمة معاهدة الامن الجماعي، وليس بغطاء القوات المسلحة الروسية او بعنوان الجيش الروسي، ولهدف القضاء على اعمال الشغب و التخريب التي طالت مؤوسسات الدولة. تدخل عزّزَ دور المنظمة، وايضاً عزّزَ ثقة الدول الاعضاء في المنظمة في الدور الروسي.
رغم ادراك روسيا وكذلك دولة كازاخستان بالابعاد وبالاهداف السياسية للتمرد الداخلي الذي واجهته كازاخستان، وبوجود تدخل خارجي يستهدفُ دولة مركزية كبيرة ومؤثرّة في اسيا الوسطى ،بموقعها الاستراتيجي ، وبثرواتها ، لمْ يبقْ الروس قواتهم التي دخلت كازاخستان بعنوان قوات منظمة معاهدة الامن الجماعي. الانسحاب السريع للروس من كازاخستان كذّبَ توقعات وزير خارجية امريكا حين قال “من دروس التاريخ الحديث هو أنّه بمجرد وجود الروس في منزلك، يكون من الصعب جداً في بعض الاحيان اقناعهم في المغادرة” (وفقاً للكاتبة نرجس كاسينوفا ،لمقال نشرته في واشنطن بوست، ترجمة رائد صالحة ،جريدة القدس العربي، في ٢٠٢٢/١/١٥ ). الانسحاب السريع طمأّن ايضاً الشعب الكازاخستاني الذي عبرّ عن خشيته من ان يتحول هذا التواجد للقوات الروسية الى نوع من الغزو او الاحتلال. الانسحاب السريع يعبّر ايضاً عن حرص روسيا الشديد على مصداقية التزامها وتعهداتها ، وايضاً على مصداقية و مكانة منظمة معاهدة الامن الجماعي.
روسيا ليست بحاجة الى تمديد او اطالة زمن بقاء قواتها في كازاخستان لانتهاء المهام الموكلة اليها، ولتقديرها بسهولة معالجة ايّة تداعيات امنية او ارهابية او تآمرية قد تحدث في المستقبل في كازاخستان.
الانسحاب السريع للقوات الروسية هو ايضاً رسالة للغرب، الذي يتفاوض مع الروس في الوقت الحاضر حول الحشود العسكرية الروسية على الحدود الشرقية المتاخمة لاوكرانيا، مفادها بأنَّ لا اطماع جغرافية لروسيا في دول الجوار، وانما لروسيا هواجس واعتبارات أمنيّة مِنْ التوسّع الجغرافي لحلف الناتو، الذي يقترب، يوماً بعد يوم من الحدود الروسيّة.
حالة تواجد القوات الروسية في سوريا كانت ولاتزال غاية استراتيجية روسيّة للوصول ميدانياً وعسكرياً الى الشواطئ الدافئة للبحر المتوسط ، غايّة تحققّت بفضل مشروع الارهاب، الذي خطط له ونفذه الثلاثي (الامبريالية والصهيونية والرجعيّة)، وتورطوا وتحيّروا في نتائجه (نفوذ اكثر لايران في المنطقة، قوة وخبرة وتجربة لحزب الله ، تماسك وصمود الدولة السوريّة، رغم تدهور الحالة المعاشية والاقتصادية، تهديد وجودي لاسرائيل ، بعد ان كان سابقاً تهديد امني).
روسيا حاربت الارهاب في سوريا ،ليس فقط دعماً للدولة السورية، وانما ايضاً دفاعاً عن امنها القومي ومصالحها الاستراتيجية.استخلصت روسيا عبّرة من التاريخ القريب، حين وظفّت امريكا وحلفائها ارهاب القاعدة لمحاربة الاتحاد السوفيتي في افغانستان، و ساهمَ الامر في تفكّك الاتحاد السوفيتي، روسيا لا تريد، اليوم، ان يكون ارهاب داعش والنصرة وغيرهما ينقضّ على حلفائها في أسيا (سوريا و ايران)، ثُّم يتمدّد نحوها.
بقاء القوات الروسيّة في سوريا ليس محدود بزمن، طالما الارهاب والاحتلال الامريكي والاحتلال التركي والاحتلال الاسرائيلي واقعٌ ويترسّخ بسرقة الثروات وبالتغيير الديموغرافي والثقافي واللغوي لقرى ومدن سورية .
بقاء القوات الروسيّة في سوريا ليس محدود بزمن طالما منطقة الشرق الاوسط والدول العربية تنتظران مصيرٌ جغرافي واقتصادي وامني جديد يختلف عن نتائج اتفاق سايكس -بيكو، عام ١٩١٦، والذي أُبرِمَ بين المملكة المتحده و فرنسا وبمصادقة الامبراطورية الروسيّة.