kayhan.ir

رمز الخبر: 144982
تأريخ النشر : 2022January18 - 20:52

الانتخابات من "سويسرا الشرق" حتى بريجنسكي

سامر كركي

إنَّ صعوبة صوغ اتفاق بنيوي جديد تجعل من أيّ انتخابات، إن حصلت، تراكماً للمشكلة التي ستعاود مراوحتها في السلطة التنفيذية اللبنانية.

أن يعيش اللبنانيّ المنكوب على جميع الأصعدة هاجس الانتخابات، باعتبارها، كما يُروّج في الدوائر اللصيقة بالغرب وبعض الدول الخليجية، خشبة الخلاص، ومفترق طرق نحو إعادة البلد إلى السكّة الصحيحة، مع إنعاش طبيعي ورفد أموال من كلِّ حدب وصوب، فذلك حتماً أضغاث أحلام، إذ لم تكن الانتخابات في عزِّ ما كان لبنان يُسمى "سويسرا الشرق" عامل انطلاق وصوغ حياة سياسية جديدة بعناوين حملت في كلّ فترة ما كانت الأغلبية تتوق إليه، وما كان "طاغياً"، بحسب دستور 1943.

في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، برزت التحركات التي كانت ستعد، في حال صُوبت بوصلتها، مدماكاً أساسياً لإعادة بناء وطن عجزنا عن رسم ملامحه حتى بعد انتهاء الحرب الأهلية، فغاص البلد، رغم الفساد المستشري والتّزلّم الطاغي منذ عقود، والدولة العميقة اللبنانية، في ربيع المجتمعات المدنية والتدخلات الخارجية التي ما انفكّت بعض القوى تطأطئ الرأس لها، وبدأ الرهان على أعجوبة الانتخابات القادمة التي - إذا حصلت - ستغير جلدة لبنان، وتحمل المن والسلوى، وتجعله الوطن القادم من بلاد أليس للعجائب، إذ راحت هذه القوى تقدم أوراق اعتمادها الحاضرة أصلاً منذ ردح من الزمن، ولكن هذه المرة على قاعدة تغير المزاج والقدرة على مواجهة الطرف الآخر بأسلحة الطائفية والمناطقية، ووسائل الإعلام المحملة حقداً وغيظاً، ومكاتب الإحصاءات والاستشارات التي تعطيها الأفضلية بأشواط عن غيرها من التيارات المنافسة في شارعها.

هذه الانتخابات، في حال حصلت، رغم كل التجييش الخليجي والغربي الأميركي، لا يمكن أن تأخذ لبنان من ضفة إلى أخرى أو أن تجترح المعجزات، لأسباب عدة.

أولاً: ما الذي يضمن إجراء هذه الانتخابات؟ وخصوصاً أن البلد يوضع دائماً كطبق على مائدة اتفاقيات ثنائية إقليمية أو دولية أو يطرح كبند في إحدى الغرف الجانبية، ومتى شعرت هذه القوى بأن الوقت ليس وقت انتخابات، تصبح في سحر ساحر بحكم المؤجلة، وينسج لها ألف فتوى رسمية أو دستورية!

ثانياً: إنّ أي خلل سياسي مرافق يؤدي إلى توترات أمنية متنقّلة، يمكن أن يؤدي إلى تطيير الانتخابات لعدم إمكانية ضبطها أو ملاحقة التفلّت في الشارع، ناهيك بما رشح عن بعض التسريبات الأمنية من انفجار اجتماعي قادم تظهر إرهاصاته فجأة ومن دون مقدّمات.

ثالثاً: إنَّ من يعرف طبيعة الحكم في لبنان يدرك أنَّ الحكم توافقي، وإن كان البعض معارضاً لهذه الصيغة التي لا تبني ولا تغني ولا تسمن من جوع، وتؤسس لإشكاليات سياسية ودستورية متنقلة.

رابعاً: إنَّ صعوبة صوغ اتفاق بنيوي جديد تجعل من أيّ انتخابات، إن حصلت، تراكماً للمشكلة التي ستعاود مراوحتها في السلطة التنفيذية، منطلقة من تشكيل حكومة إلى انتخابات رئاسة الجمهورية التي ستخضع هذه المرة لتوازنات تفرضها الساحات المتصارعة، وخصوصاً بعد تميز الانتخابات الرئاسية في العام 2016 بأنها تظهّرت محلياً، وصُدّر بنيانها إلى الخارج، حيث أرضى من أرضى وأغضب من أغضب.

خامساً: للأسف، وبكلِّ صراحة، في ظلِّ مشروعين يعدّ كل منهما نقيضاً للآخر، بغضّ النّظر عن اصطفافات كل مشروع، من الصعب، بل نكاد نقول من المستحيل، أن نرسو في ميناء الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي عجزنا عنه في ظلِّ فترة "السماح" منذ 1990 حتى 2005.

سادساً: إنَّ الذين يعتبرون مبدأ إجراء الانتخابات محطة أساسية للتغيير، كما يقولون، ويذهبون إلى الدعوة إلى الفدرلة التي تستدعي سياسة خارجية موحدة وعملة موحدة وغيرها، لم يلحظوا هذه النقاط أو لحظوها وأحبوا إتحافنا بعبارات إنشائية وتفسيرات "زمخشرية" لا تحدث فرقاً.

سابعاً: لبنان هو بلد تكثر فيه السلطات، بل دُوَل السلطات، وطريقه إلى الدّولة لا يزال في البدايات البدائية، وتبقى قضيته حتى إشعار آخر هي قضية "تأسيس وبنيان ورؤى".

إنَّ الإصلاح السّياسي في لبنان - قبل السيادة والاستقلال - هو إصدار قانون انتخابات وطنيّ غير طائفي، تتأسّس عليه معنى الكلمات السابقة في دولة المواطنية، ولا يهم بعدها على أي أساس، سواء المحافظات أو القضاء أو الدوائر الصغرى والكبرى والوسطى. المهم أن يترتب على ذلك إلغاء الطائفية والطائفية السياسية البغيضتين.

إنَّ جلّ ما أذكره الآن هو قول بريجنسكي إنَّ القوى الدولية تسعى، وما زالت، في طور "شرق أوسط كبير" إلى تعليمنا، نحن العرب، كيف نكون عصريين، وكيف ننتقل إلى الحداثة، بمساعدة أوروبا والكيان الصهيوني، حيث لا مراعاة للكرامة والإرث الديني والحضاري وحق تقرير المصير، فكيف الحال بنا في لبنان؛ نحن الذين لم نبلغ حتى الآن الرشد السياسي والنضج في القرار والأولوية والهدف؟