هل سيكون إخراج القوّات الأمريكيّة “مهزومةً” من سورية أوّل رد انتِقامي روسي على انهِيار مُفاوضات جنيف وكيف؟
ولماذا يدعو لافروف لعقد مُؤتمر إيراني عربي لبحث الأمن الجماعي في الخليج الفارسي الآن؟ وهل أوشك بدء “الحجيج” الكُردي إلى دِمشق مُجَدَّدًا؟
عبد الباري عطوان
انهارت المُفاوضات التي انعقدت في جنيف يوم الاثنين الماضي بين روسيا من ناحيةٍ، وأمريكا وحلف “النّاتو” من ناحيةٍ أُخرى، بسبب الرّفض الغربي لمطالب الرئيس فلاديمير بوتين الأمنيّة، وأبرزها عدم توسيع عُضويّة حِلف “النّاتو”، وضم أوكرانيا والجُمهوريّات السوفيتيّة السّابقة، سواءً في أوروبا الوسطى أو في البلطيق، وعاد التوتّر بين الجانبين إلى المُربّع الأوّل.
الرّد الروسي على هذا الفشل قد ينعكس على شكل مُواجهاتٍ عسكريّة ضدّ القوّات والقواعد الأمريكيّة سواءً مُباشرةً أو غير مُباشرة، وحُروب بالإنابة، وربّما تكون سورية هي الخِيار الأوّل لهذا الحِراك الانتِقامي الروسي الجديد من الخصم الأمريكي.
هُناك عدّة مُؤشّرات رئيسيّة تُرَجِّح هذا الطّرح مدعومة بمعلوماتٍ من مصادر روسيّة مُباشرة:
الأوّل: تصاعد المُقاومة الشعبيّة السوريّة ضدّ الوجود العسكري الأمريكي شرق وشمال الفرات، وقصف القاعدة الأكبر هُناك (حقل العمر النفطي) بعدّة صواريخ أدّت إلى وقوع خسائر ماديّة كبيرة.
الثاني” مُطالبة سيرغي لافروف، وزير الخارجيّة الروسي، الأكراد في شمال شرق سورية بإطلاق حِوار جاد مع دِمشق للعودة إلى مظلّة الدّولة مُجَدَّدًا، وكشفه عن إجراء اتّصالات مع السيّدة إلهام أحمد، رئيسة مجلس سورية الديمقراطيّة، في هذا الصّدد، وهذا يعني أن الرّهان على القوّات الأمريكيّة سيكون رِهانًا خاسِرًا.
الثالث: دعوة لافروف الجمعة إلى عقد مُؤتمر إيراني عربي لبحث الأمن الجماعي لمنطقة الخليج، وتسوية الأزمات التي تُؤدّي إلى تصعيد التوتّر وخاصَّةً حرب اليمن، وهذا يعني مُحاولة روسيّة للعودة إلى المنطقة، وفكّ ارتِباطها مع واشنطن.
الرابع: تسريب معلومات من الجانب الروسي، عبر مصادر إعلاميّة، تقول بأنّ الرئيس بوتين أبدى غضبه واستِيائه للجانب الإسرائيلي من جرّاء الغارتين الأخيرتين على ميناء اللاذقيّة، القريب من قاعدة حميميم الجويّة الروسيّة، وطالب بـ”تجميد” هذه الضّربات فورًا.
الخامس: استِبعاد تركيا كليًّا من استراتيجيّة التّصعيد الروسيّة الجديدة هذه، ممّا قد يعني أن القِيادة الروسيّة تفترض أمرين: الأوّل، أن أيّ تقارب كردي سوري مُستقبلي سيكون هدفه الأوّل مُواجهة الوجود التركي على الأرض السوريّة، وليس الأمريكي فقط، والثاني، احتِمال وقوف تركيا في الخندق الأمريكي باعتِبارها عُضوًا في حلف “الناتو”، ولعلّ مقتل ثلاثة جُنود أتراك في انفِجار ألغام قُرب الحسكة في الشّمال السوري قبل أيّام حيث يتواجد الأكراد هو أحد الأدلّة في هذا المِضمار.
القوّات والقواعد الأمريكية في سورية والعِراق ستكون هدفًا لتحالفٍ ثُلاثيّ سوريّ إيرانيّ روسيّ في الأسابيع والأشهر المُقبلة، ولا نستبعد قرارًا أمريكيًّا بسحبها من البلدين قبل نهاية العام الحالي حتى لا تكون رهينةً في يد هذا التّحالف الجديد المُتنامي.
الأكراد قد يتجاوبون بشَكلٍ إيجابيّ على هذه المطالب الروسيّة، لأنهم لا يستطيعون الوقوف في الخندق الأمريكي في مُواجهة الاستراتيجيّة الروسيّة التصعيديّة المُحتملة، لأنّ الثّمن سيكون مُكْلِفًا جدًّا، فعلاوةً على أن روسيا ابنة المِنطقة، وليست بعيدةً جُغرافيًّا عن سورية والعِراق، فإنّ الوجود الأمريكي في الشّمال السوري هَشٌّ وغير شرعيّ، ويكفي التّذكير بأنّه عندما أعلن الرئيس الأمريكي السّابق دونالد ترامب عن عزمه سحب جميع قوّاته من سورية في بداية حُكمه اعترافًا بالهزيمة وتقليصًا للخسائر، تقاطرت القِيادة الكُرديّة إلى دِمشق بوِساطةٍ روسيّة طلبًا للعودة إلى مظلّة حِماية الدّولة السوريّة الأُم.
المزاد الروسي العام “تصادميٌّ” هذه الأيّام عموده الفِقري عدم التردّد في اللّجوء إلى الخِيار العسكري إذا اقتضى الأمر، ولعلّ إرسال قوّات روسيّة إلى كازاخستان قبل ثلاثة أسابيع (2500 جندي) لإحباط مُحاولة تغبير الحُكم فيها، هو مُجَرّد “بروفة” لما قد يحدث في مناطق أُخرى، وخاصّةً في سورية والعِراق، ومنطقة الخليج إذا دعَت الحاجة.
الدّور السوري عائدٌ وبقُوّةٍ، مدعومًا بالحليف الروسي، ولهذا نتوقّع حُدوث تغيير كبير في خريطة التّحالفات، وموازين القِوى على الأرض، سواءً في سورية والعِراق ومنطقة الشّرق الأوسط برمُتها، فالحرب الباردة بدأت، وتزداد سُخونةً، والعام الجديد قد يكون عام المُواجهات.. والأيّام بيننا.