17 تشرين تدمير أميركي ممنهج وتبادل أدوار بين «الحاكم» ومنظمات من المجتمع المدني
خضر رسلان
أسّست وكالة المخابرات المركزية (سي أي آي) دعماً وتمويلاً من الكونغرس الأميركي عام 1983 الصندوق الوطني للديموقراطية NED، والذي يقوم بدعم ما يسمّى (الحركات الثورية الديموقراطية) في أكثر من 100 دولة ومن ضمنها لبنان. يقوم هذا الصندوق على تمويل المنظمات غير الحكومية، وتشمل جمعيات مدنية وحقوقية ووسائل إعلام وغيرها من المنظمات، إضافة الى إنشاء صندوق خاص لدعم اتجاهات تناهض منظمات إرهابية والتي يُقصد بها دعم المنظمات الموجودة ضمن البيئة او على تماس مع قوى مقاومة ومعارضة للهيمنة الأميركية، «وفي سياق متصل واستمراراً لثوابت السياسة الخارجية الأميركية وبناء على التوصيات التي عمّمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي أي آي) مطلع عام 2021 والتي عُرفت باستراتيجية بايدن في لبنان، الذي يُعتبر بالنسبة لهم ذا موقع استراتيجي ينبغي تعزيز النفوذ الأميركي فيه (من خلال أدوات شخصتها سابقاً وكالة الاستخبارات الأميركية) إضافة الى التأكيد على الاستمرار في حماية المصالح «الإسرائيلية»، وبالاستناد الى الوقائع السياسية والاقتصادية الجديدة على الساحة اللبنانيّة، المترافقة مع التدهور الاقتصادي الممنهج والانهيار السريع للعملة الوطنية، وحجز بل ضياع أموال المودِعين وهي متفرّعات تساعد في الاستفادة من الأدوات التي ستستخدمها الولايات المتحدة الأميركية بهدف تحقيق توصياتها التي ترمي بشكل أساسي الى تفعيل دور السفارة الأميركية التي عليها تهيئة الأرضية المناسبة لمواجهة المقاومة وفكرها من خلال أدوات تمّ إعدادها والعمل عليها بأوجه متنوّعة، أحد أشكالها منظمات من المجتمع المدني والتي حان وقت استثمارها:
1 ـ رياض سلامة: تعبيد الطريق امام منظمات المجتمع المدني…
أ ـ في إجراء غير مسبوق وخلافاً للمصالح الوطنية أجرى حاكم مصرف لبنان هندسات مالية منحت المصارف أرباحا طائلة، وأشرف على فرمانات التفافية أتاحت للمحظيين الاستثمار في إقراض الدولارات لمصرف لبنان لمدة سنة ساهمت في ارتفاع سعر الفائدة وعند استحقاق توظيفاتها في حزيران 2017، سحبت رساميلها من لبنان، وهذا ما ساهم في نزع الثقة عن المصارف وعن مصرف لبنان.
ب ـ أواخر شهر أيلول من العام 2019، ايّ قبل أقل من عشرين يوماً على الاحتجاجات في لبنان التي بدأت يوم السابع عشر من تشرين الأول، أدلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بتصريح خلال مؤتمر صحافي أشار فيه إلى «أن لا أزمة دولار في لبنان والمصارف تلبّي طلبات الزبائن من العملة الخضراء ولا مشكلة في السيولة إطلاقاً»… وهذا كان خلاف الواقع تماماً!
ج ـ نهاية أيلول 2019 أصدر الحاكم تعميماً تحت رقم 530 حدّد فيه السلع التي سيتمّ دعمها عبر مصرف لبنان، ميّز هذا التعميم بين أسعار السلع المدعومة وتلك المموّلة بدولارات السوق الموازية، وكان هذا إقراراً رسمياً بشرعية السوق الموازية لسعر الصرف! وهذا كان المدماك الأول لانهيار العملة الوطنية والذي ترافق على اثر انطلاق احتجاجات 17 تشرين الأول مع تهريب كمّيّات كبيرة من الأموال المودعة لدى المصارف الى خارج البلاد، وهذا ما سرّع من وتيرة الانهيار المالي والاقتصادي التي رافقها إجراء ساهم في فقدان الثقة في القطاع المصرفي وعزز مخاوف المودعين، لا سيما الصغار منهم، حيث قرّرت جمعية المصارف الإغلاق الشامل في سابقة لم تحصل في ذروة الحرب الأهلية، تحت ذريعة الاعتداء على واجهة أحد المصارف في وسط بيروت.
2 ـ تناغم بين الحاكم وأدعياء التغيير
من شعارات 17 تشرين: «ثوّار أحرار ح نكمّل المشوار»، «بكرا الثورة تشيل ما تخلّي»…
وفي تفنيد لهذه الشعارات التي كانت تهدف الى دغدغة مشاعر الناس التواقة فعلاً الى التغيير نحو الأفضل بما يلبّي حاجاتها بأن تعيش في وطنها بكرامة واكتفاء اقتصادي بعيداً عن سياسات الارتهان والعوز والفقر وسرقة مقدرات البلد، بينما كان الهدف المرسوم بناء على التوصيات الأميركية هو السعي لتغيير وجهة البلد بما يخدم استراتيجيتها.
وبالعودة الى شعارات 17 تشرين ومطابقتها مع الواقع، وفي تناقض واضح بين الشعار الذي رفع تحت عنوان «الثورة تشيل ما تخلي» وبين السلوك العملي في مواجهة حاكم مصرف لبنان والذي من المفترض أنّه واجهة النظام الفاسد، لكن خلال ثورة 17 تشرين 2019 برز الدور الملتبس الذي لعبه عدد من وسائل الإعلام فضلاً عن شريحة مؤثرة تعمل في مجال الصحافة والإعلام من خلال مواقفهم وتغريداتهم. ففي الوقت الذي ظهر فيه جلياً تبنّي مواقف ضدّ أركان السلطة عبر نعتهم بتعابير بلطجيّة، سرقة، فساد، هذا الى المجاهرة بتأييد المنتفضين من خلال هاشتغات متنوّعة تبرز شعارات المحاسبة والاقتصاص، نراهم في المقلب الآخر يمتنعون عن تغطية الأنشطة المناهضة لحاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف.
وكان لافتاً انعدام ورود تغريدات من قبل معظم الإعلاميين والصحافيين تنال من حاكم مصرف لبنان بينما كانت هدارة وكثيفة ضدّ أركان السلطة، وهذا ما عزز الاعتقاد بالتناغم المدروس والممنهج بين الحاكم بما يمثل من منظومة مدعومة أميركياً وبين وسائل إعلام تمارس دوراً مرسوماً لها سابقاً وفق الاستراتيجية الأميركية القائمة على تهشيم وشيطنة البيئة الحاضنة للمقاومة. وللمفارقة فإنّ هذه الوسائل ذاتها تتصدّر المشهد المناوئ للمقاومة في الوقت الراهن.
قراءة في شعار «ثوار أحرار ح نكمل المشوار»…
أشار جيفري فيلتمان سفير الولايات المتحدة الأميركية في لبنان خلال الفترة ما بين 2004 و2008 إلى أنّ الهدف من المجتمع المدني ومنظماته هو محاربة سلاح حزب الله وتشويه صورته تمهيداً لنزعه والعمل على تهيئة الأرضية لتقبّل فكرة العيش بسلام مع «الجار الإسرائيلي».
أما دوروثي شيا السفيرة الأميركية في لبنان، فقالت في لقاء بتاريخ 13 تشرين الثاني 2020 مع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «إنّ واشنطن ترى حاجة للمساعدة في تعزيز المجتمع المدني هنا، وتقوية مؤسسات الدولة، ومكافحة التأثير المدمّر للجهات الفاعلة الخبيثة مثل حزب الله»، ووفقاً لشعار (ح نكمل المشوار) فإنّ ما كشفت عنه وثائق «ويكليكس»، إلى حضور ومشاركة ممثلين من ٦٠ منظمة غير حكوميّة لبنانية بلقاءات مع أركان السفارة الأميركية في عوكر في العام ٢٠١٥ والى الآن يشير بوضوح الى تعزيز هذه العلاقة وفق الأجندة الأميركية المرتكزة أساساً على الاستراتيجية القائمة على تعزيز النفوذ الأميركي وحفظ المصالح «الإسرائيلية»، وإنْ اقتضى ذلك الأمر توفير ظروف انتخابية يصل فيها الى الندوة البرلمانية نسخ طبق الأصل بأسماء جديدة.