kayhan.ir

رمز الخبر: 144483
تأريخ النشر : 2022January10 - 21:01

بيد من سيكون زمام المبادرة في المباحثات الروسية الأميركية؟

سلام العبيدي

   موسكو تقول: "لا لعب بعد اليوم في حدائقي الخلفية".

من وجهة النظر الغربية، فإن روسيا يجب أن تكون راضية عمّا حققته من تفوّق معنوي ونفسي من خلال وقوف جزء من جيشها على الحدود مع أوكرانيا. ووفق هذا المنطق، فإن كل المؤشرات تدل على أن روسيا يمكن أن تحصل على تنازلات من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مقابل لا شيء في المباحثات المرتقبة في كل من جنيف وبروكسل وفيينا. ومن هنا الاستنتاج الغربي أن الابتزاز العسكري هو الطريق الأمثل لتحقيق الأهداف. فهل مطالب موسكو المشروعة بالضمانات الأمنية هي فعلاً ابتزاز عسكري؟

موسكو وواشنطن.. مَن المبادر؟

الحقيقة أن الغرب رفض عملياً مطالب روسيا على نطاق واسع، معتبراً إياها غير واقعية. أما إشارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إمكان التفاوض لإيجاد تسوية لهواجس روسيا الأمنية، فلا تبدو أكثر من مجرد محاولة للتهدئة بهدف كسب الوقت وتمييع جوهر الخلافات الاستراتيجية بين موسكو وواشنطن.

وهذا تحديداً ما تحذّر منه روسيا. وبحسب نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، الذي سيقود فريق المفاوضين الروس في جنيف، فإن "توقعاتنا واقعية. واستناداً إلى الإشارات التي تلقيناها من واشنطن وبروكسل في الأيام الأخيرة، ربما سيكون من السذاجة افتراض حصول تقدم سريع".

يجب القول إن جوهر الصراع الراهن بين روسيا والغرب يحاول بعض الإعلام العالمي، خطأً أو عمداً، تلخيصه بنقطتين:

أولاً، يقع الخلاف بين روسيا والغرب على عضوية أوكرانيا المحتملة في الناتو، لا على قضايا الأمن في القارة الأوروبية والتوازن الاستراتيجي عامة.

ثانياً، يجري الإيحاء بأن "الضمانات الأمنية" التي تطالب بها روسيا ستكون على حساب أمن حلفاء واشنطن، من خلال تضمين "لا مزيد من التوسع للناتو" في مشروعي الوثيقتين اللتين اقترحتهما موسكو.

بالطبع، فإن طرح القضية على هذا النحو يعدّ فشلاً من جانب القادة الغربيين في إبلاغ شعوبهم بما هو على المحك فعلاً في المباحثات الروسية الغربية، ونجاحاً لروسيا في تأطير المناقشة العامة بطريقة تجعل مطالبها تبدو معقولة في نظر الرأي العام الغربي. في الوقت نفسه، فإن خفض التوقعات للنتيجة المرجوة من المباحثات مع روسيا إضافة إلى عدم شن هجوم على أوكرانيا يتجاهل حقيقة أن اجتياح أوكرانيا ليس الهدف الأساسي لروسيا. أوكرانيا، في الواقع، هي عارض من عوارض المرض الذي أصاب العلاقات الروسية الغربية، وليست سبباً له. أما التصعيد العسكري حول كييف، فهو مجرد واجهة لإظهار العلة.

النظر إلى ما بعد أوكرانيا

بالعقلية الغربية الحالية، فإن أي تنازلات لروسيا الآن ستأتي مقابل عدم شن هجوم على أوكرانيا. يتحدثون في الغرب عن غزو ليس مخططاً له على أي حال. ولكن، إن لم تؤدّ المباحثات المقبلة إلى نتائج مرضية لموسكو، فإن الخيارات العسكرية تبقى في الحسابات الروسية، وسوف يجلب الكثير منها مكافآت أكبر مقابل مخاطر أقل من شنّ حملة برية ضد أوكرانيا.

بالطبع، سيقع تحرّك لإقامة وجود عسكري روسي دائم في بيلاروسيا، إحدى الطرق الآمنة للخروج من المواجهة المباشرة، مع الاستمرار في جني فوائد أمنية كبيرة والتسبّب في صداع شديد للناتو في هذه العملية.

وعلى عكس الحملة البرية، المكلفة والمجهولة النتائج النهائية، يمكن اللجوء إلى الضربات الصاروخية أو الجوية أو الهجمات السيبرانية التي تستهدف أنظمة القيادة والسيطرة العسكرية الأوكرانية أو البنية التحتية، وتتخللها فترات توقف وتكرار لرفع سقف المطالب من أجل الضغط على كييف وحلفائها الغربيين لتقديم تنازلات.

واستناداً إلى الخبرة السابقة في إبرام اتفاقات لوقف إطلاق النار في جورجيا وأوكرانيا وسوريا، يمكن لروسيا أن تكون واثقة من أن شركاء أوكرانيا الدوليين سيمارسون ضغوطاً على كييف لإنهاء الصراع والعودة إلى مائدة المفاوضات مع دونباس، التي ستهدّد موسكو بالاعتراف باستقلالها عن أوكرانيا، إن رفضت شروطها.

لا شكَّ في أن الغرب سيحاول ثني روسيا عن القيام بعمل عسكري، في المقام الأول من خلال تظاهرات الدعم الحازم والمباشر لأوكرانيا، أي إنه سيهدد بتحميل روسيا تكاليف عالية لا يمكن تحمّلها.

لكنّ تهديداً من هذا النوع لا يخيف موسكو ولا يعالج القضايا الأساسية التي دفعت روسيا إلى تقديم مطالبها.

نقطة الحوار

لقد أعلنت روسيا بوضوح ما تريده من عملية التفاوض مع الغرب. مطالب روسيا لا تتعلق بأوكرانيا أو جورجيا أو أي بقعة أخرى في فضاء الاتحاد السوفياتي السابق، الذي يعدّ عمقاً تاريخياً وجيواستراتيجياً بالنسبة إلى المصالح القومية الروسية. موسكو تريد حواراً متكافئاً ومبنيّاً على الاحترام المتبادل للمصالح حول قضايا التوازن الاستراتيجي والأمن العالمي وفق مبدأ التعددية القطبية. أما الولايات المتحدة فلم تفعل، ولم تحدد رؤية واضحة لما تريده من الحوار. كل تصرفات واشنطن وحلفائها في السنوات الأخيرة كانت تنحصر في محاولة احتواء روسيا ومنعها من لعب دور يليق بمكانتها وإمكاناتها على الساحة الدولية.

إن احتواء روسيا داخل حدودها يمثّل تحدياً، وقد يكون مكلفاً للغاية، ولن يسهم في تعزيز الأمن، سواء الأوروبي أم العالمي في المستقبل.

لدى روسيا حقوق تطالب بها ومصالح تدافع عنها، ولعل تفاعل روسيا السريع والحاسم مع تطورات المشهد الدراماتيكي في كازاخستان خير دليل على ذلك. موسكو تقول: "لا لعب بعد اليوم في حدائقي الخلفية".