kayhan.ir

رمز الخبر: 144412
تأريخ النشر : 2022January09 - 20:07

ضرب العمق الإستراتيجي ما بين روسيا وكازاخستان: أصابع تركيا.. ورغبات أميركا

عبير بسّام

بعد اتساع الأزمة الأخيرة في كازاخستان ووصولها إلى حد الإنفجار، ابتدأت الشوارع تشهد عمليات للعنف والتخريب فيها. يفترض البعض أن ما يحدث في كازاخستان هو بداية لـ"ربيع" ستشهده آسيا الوسطى، ويرى فيه البعض الآخر مجرد تحرك ضد غلاء الغاز في البلاد. ودفعت الفوضى وفوضى السلاح التي سادت في الأيام الأخيرة إلى التساؤل حول مصير كازاخستان، وإذا ما كان البلد سينتهي إلى الإنهيار والتقسيم، فيعاد ترتيبه على الطريقة الأميركية، أو على قدر الأحلام الأردوغانية الطورانية.

تعتبر كازاخستان الحديقة الخلفية لروسيا، وهي تقع على حدودها الجنوبية بطول يتجاوز 7500 كم. ولا يخفى أن الحدود بين روسيا وكازاخستان هي حدود مفتوحة لكل من الشعبين الروسي والكزاخي دون الحاجة لتأشيرات الدخول بينهما. وتصل نسبة المواطنين الروس في كازاخستان إلى 20%. كما تعتبر روسيا الممر الأساسي لأنابيب الغاز والنفط الكزاخي للتصدير عبر أراضيها.

كما تقع الصين على حدود كازاخستان الشرقية، ما يؤشر أيضاً إلى أن ما يحدث فيها مرتبط بمحاولة الأمريكيين حصار مشروع "نطاق وطريق" الصيني. اذ تعتبر الممر الرئيسي إلى روسيا، ومن ثم إلى بحر الشمال وبالتالي ربط المشروع بشمال أوروبا. وبالشكل لا يبتعد كثيراً ما يحدث في كازاخستان من تعطيل للإستثمارات الصينية، عما يحدث في كل من سوريا ولبنان. وبالتالي لا يمكن للمرء أن يعزل ما يحدث في كازاخستان عن أيادي العبث الأميركي. فمنذ انهيار الإتحاد السوفياتي جرت محاولات أمريكية حثيثة للسيطرة على بلدان آسيا الوسطى، وخاصة تلك التي تقع على بحر قزوين والمنتجة للغاز والنفط.

غير أن سير الأحداث في منطقة شرق أسيا، منذ بدء الأزمة الأوكرانية وحتى اليوم سيرٌ مترابط، ومنها استفزاز روسيا والضغط عليها من قبل الأوروبيين والأميركيين لدخول حرب قد تكون كارثية النتائج مع أوكرانيا، وتبريراً قوياً لتشريع انضمام الأخيرة إلى حلف الناتو لحمايتها من الغزاة الروس. وبذلك يمكن نشر صواريخ الناتو على حدود الأراضي الروسية، والتي لن تستطيع روسيا إيقاف تأثيرها أو تفجيرها اذا ما تم اطلاقها من نطاق قريب. اذ بات جلياً أن أحداث كازاخستان مرتبطة تماماً بمحاولات فك الحصار الروسي لأوكرانيا عبر نشر الفوضى الخلاقة في أراضي واحدة من أهم حلفاءها.

تتربع آسيا الوسطى على ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم بعد الخليج العربي. وتزخر أراضيها بالثروات المعدنية ومنها الذهب، وبكميات هائلة ومعادن أخرى هامة. ويصل إحتياطي الغاز فيها إلى 65 تريليون قدم مكعب. كما تختزن أراضيها أهم احتياطي لمخزون المياه في العالم. وتعتبر المنطقة مركز الوصل ما بين الصين وشرق آسيا، وبالتالي روسيا. ولذلك فإن السيطرة الأميركية على المنطقة، هي من الأهداف الهامة للإدارة الأميركية مما سيجعلها صاحبة اليد العليا في آسيا الوسطى. كما يقع في مدينة بايكا نور في كزاخستان، القاعدة الفضائية السوفياتية السابقة، والتي تنطلق منها رحلات المركبات الفضائية الروسية. وهذا ما يجعل كزاخستان قاعدة روسية فضائية هامة، وإذا ما استطاع الأميركيون وضع اليد عليها فقد استطاعوا تعطيل البرنامج الفضائي الروسي لسنوات طويلة قادمة.

مجرى الأحداث في كازاخستان تفوح منه رائحة الدور التركي في سوريا وليبيا وحتى لبنان. ولكن مع فرق أن ما يسعى التركي لتحقيقه في شرق المتوسط، هو إستعادة الحلم العثماني. ولكن ما يسعى إليه في كازاخستان هو خطوة في تحقيق حملة "طوران العظيم" لإحياء القومية التركية، والتي أطلقتها تركيا في الآونة الأخيرة باتجاه دول آسيا الوسطى لتوحيد الشعوب الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى وتركستان الشرقية، وقد يصل الأمر إلى جزيرة القرم. مما يشكل قلقاً بالنسبة لروسيا!

أمل أردوغان، وخاصة بعد انتصار أذربيجان على أرمينيا أن يجعل من نفسه زعيماً على دول الإتحاد السوفياتي السابق "دول آسيا الوسطى"، وبدعم من الناتو. وبذا سيتمكن الرجل من إدارة كفة اللعبة لصالحه وتجييرها في الإنتخابات الرئاسية القادمة. وظن أردوغان أن وصل خط باكو ـ جيهان لتصدير الغاز الأذري سيكون خطوة متقدمة نحو تحقيق الحلم الطوراني.

 قلق روسيا تطلب منها الإبقاء على درجة عالية من الحذر، وهذا ما دعا إلى سرعة تصرف وزارة الدفاع الروسية، التي أعلنت عن هبوط 9 طائرات من طراز إيل- 76، محملة بجنود ومعدات عسكرية تابعة لقوات حفظ السلام لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي في مطار ألما آتا، وذلك لفترة محدودة من أجل استقرار الوضع. التصرف الروسي دفع بتركيا للإنكفاء، وعبر تصريح وزير خارجيتها، مولود جاويش أوغلو، بدعم دولته للحكومة الكزاخستانية، ويبدو أن تصريح وزير الخارجية الأميركي، انتوني بلينكن، الساخر لا يخلو من اعترافات بالهزيمة.

تأتي أحداث كازاخستان المفتعلة قبل قمة بوتين ـ بايدن المقررة في العاشر من هذا الشهر. ويبدو أنها كانت للضغط على الرئيس الروسي، وإشعاره بالقلق حول ما يحدث في أوكرانيا أولاً ومن ثم على حدود روسيا الجنوبية. ما يضطره للتنازل للأميركي في العديد من الملفات العالقة في سوريا وليبيا وفي أوكرانيا، فهل تنجح الادارة الاميركية في ذلك.. إن غدا لناظره لقريب.