kayhan.ir

رمز الخبر: 141495
تأريخ النشر : 2021November22 - 20:07

"حل الدولتين" الكذبة الكبرى في السياسة الأميركية

 

عبير بسام

اتسمت فترة حكم الرئيس الأميركي باراك أوباما بالفتور في العلاقات مع الكيان الصهيوني، وأمل الرجل بالدفع نحو تحقيق إنجاز إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس إلى جانب الدولة اليهودية "اسرائيل". ويبدو أن جو بايدن يحلم اليوم بالسير قدماً نحو تحقيق الهدف ذاته. ولكن، ما هي حظوظ الدولة الفلسطينية في المرحلة الراهنة؟ اذ لوح بايدن في مناسبات عدة بأن هناك حلاً للقضية الفلسطينة، يسير به على خطى سلفه، ألا وهو "حل إنشاء الدولتين": واحدة فلسطينية وأخرى يهودية في فلسطين المحتلة.

قضى أوباما ثماني سنوات في الحكم يحاول فيها إعادة ترتيب البيت الأميركي ووقع الاتفاقيات المختلفة، ومنها اتفاق التجارة مع الصين والاتفاق النووي مع إيران واتفاق التجارة العالمي، فجاء ترامب ممثل النظام الأميركي الحقيقي، ونسف ما فعله سلفه، الذي كان يحاول الوصول إلى اتفاق ينهي الصراع العربي - الاسرائيلي أو الفلسطيني - الاسرائيلي. وما فعله ترامب في هذا الشأن زاد الطينة بلة، فقد اعتراف بالقدس عاصمة للكيان الاسرائيلي، وبأن الجولان والأراضي المحتلة في العام 1967 هي جزء لا يتجزأ مما أسماها "الدولة الإسرائيلية".

هل سيختم الملف خلال إدارة بايدن؟ أمر يصعب تصديقه، لأنه على ما يبدو فإن حظوظ بايدن ليست بالكبيرة، مع العلم أن بايدن، وبحسب الخطاب الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 أيلول/ سبتمبر، تحدث عن حل الأزمة الفلسطينية بتطبيق فكرة حل الدولتين. ذكر بايدن وجوب السير في حل الدولتين بعدما بانت الحقيقة المرّة بفشل قدرة الإسرائيلي على الوقوف في وجه المقاومة الفلسطينية بعد عملية "سيف القدس"، التي ابتدأت في 7 أيار/ مايو، واتضح خلالها عدم قدرة جيش الكيان على الصمود في أية معركة أو مواجهة حقيقية مع الفلسطينيين. فكيف إذا ما كانت المعركة في مواجهة مع العرب في لبنان وسوريا والعراق واليمن، على أقل تقدير؟

خلال خطاب الجمعية العامة، كان بايدن دقيقاً في كلامه، فهو لم يتحدث بوجوب السعي من أجل مستقبل يسود فيه السلام والأمن لجميع شعوب الشرق الأوسط بشكل نهائي، بل طالب بـ "مزيد" من الأمن والسلام لـ"إسرائيل". وأضاف "ما زلنا بعيدين عن هذا الهدف". بعد ثلاثين عاماً من محادثات اوسلو ما زال البيت الأبيض بعيداً عن الهدف. وما اضطر بايدن للالتزام بهذا الكلام أمام الجمعية العامة تصريحاته التي أطلقها حول أهمية حل الدولتين وأنه الحل الوحيد في مؤتمره الصحفي المشترك مع رئيس كوريا الجنوبية بعد 11 يومًا من اتفاق وقف النار بعد عملية "سيف القدس".

ورأى بايدن في خطابه، أن حل الدولتين هو: "الحل الأفضل" لضمان مستقبل اسرائيل"، وهذا هو الكلام الحقيقي، لأن حل الدولتين يمكنه أن يضمن الأمن لـ"إسرائيل" والدولة اليهودية التي يطالب بها بايدن، وهي دولة ستقوم بتهجير ما تبقى من الفلسطينيين من داخل الدولة اليهودية المزعومة. ولكن حل الدولتين لن يعيد للفلسطينيين شيئًا من حقوقهم، ولذا فهو الحل الأفضل لمستقبل "اسرائيل" فقط.

عندما يستمع المرء أو يقرأ خطاب بايدن، تلفته عودة الديمقراطيين في كل مرة إلى طرح فكرة الدولتين أو إحيائها، ولكنها خطابات تأتي دائماً ملغومة بأمن "اسرائيل"، وأن أمن الدول العربية هو رهن بأمن "إسرائيل" فقط، لأن الالتزام بأمن "إسرائيل" لا جدال فيه. وبعد ثلاثة أيام فقط من خطاب بايدن في الأمم المتحدة، تم إقرار المساعدات لـ"إسرائيل" في الكونغرس وخصص مبلغ مليار دولار لدعم منظومة القبة الحديدية فيها. قرار يتوافق مع ما قالته نانسي بيلوتسي أن "دعم اسرائيل [موجود] في حمضنا النووي". فبعد تمثيلية رفض ضم تمويل القبة الحديدية لموازنة وزارة الحرب، أعيد التصويت عليها وأقر تمويل القبة في 23 أيلول/ سبنتمبر. وهذا يدحض النوايا الأميركية بأي حل عادل للفلسطينيين ويعيدنا إلى معادلة "أمن اسرائيل أولاً" إذ ترى فيه بيلوتسي صراحة جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي الأميركي.

الملفت أن الديمقراطيين الذين دفعوا نحو عدم تضمين معونات دعم القبة الحديدية في الكونغرس الأميركي، هم أنفسهم من طالبوا بإعادة التصويت عليه، وخاصة بعد اعتراض الجمهوريين. فكيف يمكننا تصديق حديث بايدن عن حل الدولتين الذي تريد أن تفرضه أمريكا عبر تحصين أمن المنظومة الصهيونية؟

هذا الكلام يؤكده وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن في 22 أيلول/ سبتمبر، والذي جاء على ذكر اتفاقية ابراهام لأول مرة منذ تسلم إدارة بايدن للسلطة في أمريكا في احتفال بسنويتها أقيم عبر الزوم. حيا بلينكن "الرجل الذي أوحى بهذه الاتفاقيات" - وفق زعمه - ألا وهو النبي ابراهيم عليه السلام، وأشار إلى دور اتفاقيات التطبيع في دعم أمن الكيان عبر التقريب بين ما أسماه "الشعب الإسرائيلي" والشعوب العربية، وأن اتفاقية ابراهام لعبت دورًا أهم بكثير من اتفاقيات السلام الموقعة مع مصر والأردن. مع العلم أن مهندسي الاتفاقية كانوا قلقين من تردد إدارة بايدن في استخدام مصطلح "اتفاقيات ابراهام"، لأن إدارة بايدن تحاول أن تنأى بنفسها عن المصطلحات، التي تتضمن السمسرات الدينية، بحسب ما نقلته وكالة التلغراف اليهودية.

احتفال بلينكن بالاتفاقية أكثر من سمسرة، إنه توقيع الديمقراطيين على ما قام به ترامب، مما يدل على أن إدارة الديمقراطيين لا يمكنها أن تأخذ موقفاً حقيقياً نحو فرض أي قرار على "الإسرائيليين" الذين يحوزون على دعم الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وهذا ما صرحت به بيلوتسي نفسها في 12 تشرين الأول/ أكتوبر بحسب سبوتنك، وتعتبر رئيسة الكونغرس أن أمن "إسرائيل" هو جزء من الأمن القومي الأميركي. فهل تعتبر بيلوتسي أن أمن الفلسطينيين هو جزء من الأمن الأميركي؟ بالتأكيد لا!

في كل مرة تتحدث فيها الولايات المتحدة عن دعمها لحل الدولتين، يسيل لعاب السلطة الفلسطينية من جديد، ويرتفع مستوى التنسيق الأمني بينها وبين كيان الاحتلال، وهو ما يريده الأميركي والإسرائيلي على حد سواء، وتقوم السلطة بعده بالمبادرة إلى تسليم المقاومين الفلسطينيين للسلطات العبرية. هذه المتلازمة باتت تضع السلطة الفلسطينية في موقف مثير للشفقة بعد تكراره خلال السنوات الثلاثين الماضية. وما يثير الشفقة أكثر هو التصديق بأن مقاطعة الأوروبيين بضائع المستوطنات الصهيونية في أراضي 67 يمكنه أن يلعب دوراً في فرض ما يسمى "حل الدولتين". 

يوم الجمعة، صدر قرار بريطاني بوضع حركة حماس على لائحة الإرهاب، في وقت يرتفع فيه عدد الشهداء الفلسطينيين المضربين عن الطعام، وفي وقت تزداد فيه عدد المستوطنات الإسرائيلية، التي تُقضم من أجلها أراضي مواطنين فلسطينيين وتهدم بيوتهم، وتقلع أشجارهم، وبات عدد الشهداء من أطفال فلسطين في اطراد، في ظل خطة القتل الجماعي الذي تمارسه سلطات الاحتلال ضد الفلسطينيين، والذي تقابله التصريحات الأميركية إما بصمت مطبق، أو بالإعلان عن حق "اسرائيل" بالدفاع عن وجودها. فكيف يمكن لعاقل أو غبي في السلطة الفلسطينية أو خارجها التصديق بأن حل الدولتين سيطبق يوماً والجميع يعلم بأنه مستحيل؟ والدليل أن ثلاثين سنة على أوسلو الكسيح ولم يستطع العرج نحو تطبيقها، فهل يستطيع أوسلو الميت؟