التفاوت الطبقي الصارخ خلف الواجهة المزدهرة لدول الخليج الفارسي
لطالما ادعت دول الخليج الفارسي، بالاعتماد على مداخيلها الريعية في العقود الماضية، أنها تخلق رفاهيةً نسبيةً لمواطنيها؛ ولكن على عكس التصور المثالي لحالة الازدهار الاقتصادي في هذه المنطقة، تشير جميع التقارير والأدلة إلى وجود مستوى كبير من الفجوة الاقتصادية وعدم المساواة في توزيع الأموال والعائدات في بعض دول الخليج الفارسي.
على مدى العقد الماضي، أكد الجيل الجديد من قادة دول الخليج الفارسي، ولا سيما أشخاص مثل محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي ومحمد بن سلمان ولي عهد السعودية، باستمرار على الانتقال إلى التنمية والازدهار في بلدانهم كإنجاز أو رؤية لوضع السياسات؛ ولكن عند دراسة الحقائق الاقتصادية على أرض الواقع، يتضح أن التفاوت الطبقي والفجوات في الدخل آخذة في الاتساع في هذه البلدان.
الفجوة الطبقية في السعودية
من الناحية الاقتصادية، يمكن تقسيم المجتمع السعودي إلى أربع فئات: العائلة المالكة، والأثرياء والأغنياء جداً، والجماهير المتوسطة والفقيرة.
وسط هذا التقسيم، يمكن رؤية مظهر المدن السعودية المختلفة، في شكل القسم الشمالي للعائلات المالكة والطبقة الوسطى، والقسم الجنوبي للعائلات الفقيرة. وغالبًا ما تتكون الأجزاء الجنوبية من بعض عائلات الطبقة المتوسطة والمهاجرين غير الشرعيين والعمال والسعوديين الفقراء.
هذا في وقتٍ، وفقًا للإحصاءات المقدمة من قاعدة بيانات عدم المساواة العالمية ( World Inequality Database)، فإن 10 في المائة من الطبقات العليا في السعودية وحدها تمثل 54 في المائة من إجمالي الدخل القومي للبلاد، ويحصل 40 في المائة أقل من هذا المتوسط على 35 في المائة من إجمالي الدخل القومي، ونتيجةً لذلك، يمتلك 50٪ من المجتمع السعودي 11٪ فقط من الدخل القومي.
هذا في حين أن ثروة العائلة المالكة في السعودية تقدر بـ 1.4 تريليون دولار. وعلى الرغم من أن الحكومة السعودية نادراً ما تقدم إحصاءات، إلا أنه يقدر أن 20٪ من سكان البلاد البالغ عددهم 34.81 مليون نسمة يعيشون في فقر.
في الواقع، على الرغم من أكثر من 200 مليار دولار من عائدات النفط السنوية، فإن معظم السعوديين يفتقرون إلى السكن والرعاية الصحية والتعليم المناسب.
وفي هذا الصدد، في كتابها عن السعودية، تقول الصحفية الأمريكية "كارين هاوس" إن ما لا يقل عن 80 في المائة من عائدات الخزانة السعودية تأتي من النفط؛ لكن من الناحية العملية، لا يستفيد مواطنو الطبقة المتوسطة والدنيا من هذا الدخل الريعي. وتجدر الإشارة إلى أن المواطنين العاديين لا يملكون ولا يحق لهم التعليق أو انتقاد مثل هذا التوزيع غير العادل للدخل.
وحتى مع وجود عائدات كبيرة، لا تزال الحكومة غير قادرة على خلق فرص عمل لمواطنيها. والنقطة المهمة هي أنه من بين كل أربعة براميل نفط يتم تصديرها في جميع أنحاء العالم، هناك برميل واحد للسعودية، لكن 40٪ من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 24 عامًا عاطلون عن العمل في هذا البلد.
كما أن التعليم في السعودية منخفض الجودة، وهذا ينطبق بشكل خاص على النساء. في الواقع، تقيد حكومة الرياض الفرص الاقتصادية للنساء المحرومات من نفس حقوق الرجال. وقد أدى ذلك إلى حدوث أكبر تمييز اقتصادي في السعودية ضد المرأة.
في المجموع، السعودية واحدة من أغنى البلدان في العالم. ومع ذلك، فإن غالبية الناس يفتقرون إلى المرافق الأساسية. ويعكس معدل الفقر تفاوتاً واضحاً في الدخل في هذا البلد.
حتى أن الأدلة تشير إلى أن 60٪ من المواطنين السعوديين يفتقرون إلى القدرة على شراء مساكن مستقلة. ويأتي هذا في وقت يمكن فيه لعدد قليل من الزيارات الخارجية التي يقوم بها مسؤولون سعوديون إلى بلدان أخرى، أن يوفر معيشة آلاف السعوديين لسنوات.
في الواقع، الأمراء السعوديون، الذين لديهم المصدر الريعي لعائدات النفط، بالإضافة إلى المستوی المحلي، ينفقون في الخارج الكثير من الدولارات لشراء العقارات الفاخرة وشركات القمار، وإلخ.
الإمارات، مرکز محوري لتکوين الثروة بنسبة 1٪
بالإضافة إلى السعودية ومحمد بن سلمان، تعتبر الإمارات وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد من الجهات الفاعلة الخليجية الهامة الأخرى، التي تعتزم تقديم نفسها كمثال ناجح في الاقتصاد السياسي.
وتأتي مزاعم الحالة المثالية للرعاية الاجتماعية للمواطنين الإماراتيين، في وقت تشير فيه جميع الإحصاءات إلى وجود كبير لعدم المساواة في الدخل بين سكان البلاد.
ووفقاً للأرقام الصادرة عن قاعدة بيانات عدم المساواة العالمية، يمتلك 1 في المائة من سكان الإمارات الأغنياء، حوالي 22.8 في المائة من إجمالي الدخل القومي للبلاد. هذا في حين أن 50٪ من الطبقات الدنيا في دولة الإمارات، لها 5.8٪ من الدخل القومي للبلاد فحسب.
بل وأكثر تأملاً هو أن واحداً في المائة من سكان الإمارات الأغنياء، يملكون أكثر من 51 في المائة من إجمالي ثروة البلاد. وتشير جميع المؤشرات الاقتصادية أيضاً إلى أن اتجاه الثروة في هذه النسبة المئوية ليس على طريق التوازن فحسب، بل إنه يتزايد بشكل غير مسبوق. وهذا يعني أن 1 في المائة الذي يمتلك 51 في المائة من الدخل القومي في البلاد، يزدادون ثراءً وأن المواطنين الآخرين يزدادون فقراً يوماً بعد يوم.
ووفقاً لقاعدة بيانات عدم المساواة العالمية، فإن الواحد في المائة من الإماراتيين المزدهرين اقتصادياً لديهم أصول لا تقل عن مليون دولار (3.6 مليون درهم) على أساس مؤشر الدولار، ومعظمها في شكل نقد وودائع وعقارات واستثمار أجنبي.
وبحسب قاعدة بيانات الثروة العالمية الجديدة (New World Wealth)، فإنه من بين السكان الإماراتيين الأغنياء حتى ديسمبر 2017، يقيم حوالي 88,700 شخص داخل البلاد، وتقدر القيمة الصافية لأموالهم بـ 470 مليار دولار. وهذا يعني أن عدداً قليلاً فقط من الطبقات المزدهرة في دولة الإمارات، لديها أصول ما لا يقل عن 9 ملايين آخرين.
ونظراً للكمية الهائلة من الثروة التي يحتفظ بها الأثرياء، تعتبر الإمارات الآن أكبر سوق للثروة في الشرق الأوسط، و26 أكبر سوق في جميع أنحاء العالم. ولدى شعب الإمارات ما مجموعه 925 مليار دولار من صافي الأصول، وفقاً لقاعدة بيانات الثروة العالمية الجديدة.
كما تستضيف الإمارات 3800 مليونير، لدی كل منهم أصول صافية تبلغ 10 ملايين دولار أو أكثر. ومع ذلك، يأتي هذا الوضع في وقت يعاني فيه ملايين العمال المهاجرين في هذا البلد، من حالة مأساوية من حيث الرفاه والصحة النفسية والبدنية.
کذلك، يحرم العمال من المرافق الصحية الأساسية، وهم يعيشون في شقق صغيرة داكنة اللون مع عدد من الأشخاص الآخرين على الأقل. کما أن غياب نظام قضائي عادل للأجانب، وسوء معاملة العمال المهاجرين، والعديد من القضايا الأخرى، هي المشاكل التي يواجهها هؤلاء المهاجرون في الإمارات، وخاصةً في دبي.
هذا في حين أنه وفقاً للإحصاءات، فإن حوالي 15٪ من سكان المناطق الحضرية، مثل دبي، هم من سكان دولة الإمارات العربية المتحدة فقط؛ وفي الوقت نفسه، فإن الفجوة الطبقية بين الإماراتيين الأصليين والمهاجرين في دبي صارخة.
في السياق نفسه، يعمل العديد من العمال في ظروف عمل صعبة ويعيشون في ظل ظروف اجتماعية رهيبة، في حين أن شعب الإمارات يحصل على حقوق مدنية عالية جداً ولا يفعل شيئاً خاصاً تقريباً.
البحرين، العاجزة عن حل المشاكل الاقتصادية
بالإضافة إلى السعودية والإمارات، تعتبر البحرين دولةً خليجيةً أخرى، والتي على الرغم من الادعاءات التوسعية لحكامها، فيها مستوى كبير من الفجوة الطبقية وعدم المساواة في الدخل.
يبلغ عدد سكان البحرين الآن 1.4 مليون نسمة، ولکن وفقاً للإحصاءات فإن حوالي 80 ألف شخص عاطلون عن العمل فيها. وقد تسبب ضعف الاقتصاد نسبياً ونقص الموارد النفطية للصادرات، في انخفاض مستوى المعيشة نسبياً لمواطني هذا البلد.
وفي معظم المدن في البحرين، كما هو الحال في السعودية، يعيش الأثرياء في الأجزاء الشمالية من المدن، والفقراء في الأجزاء الجنوبية.
في البحرين، حيث يشكل الشيعة 75٪ من السكان، هناك تمييز كبير في فرص العمل والفرص الاقتصادية، ومن حيث الجودة، يتمتع السنة بوضع أكثر ملاءمةً من حيث الوصول إلى المرافق والإمکانات.
کما أن الثروة ليست مقسمةً بشكل موحد بين المواطنين البحرينيين، ويتم تسليم معظم الوظائف إلى الأجانب بدلاً من أن يعهد بها إلى عمال الأحياء الشيعية.
وفي عام 2004، أشار تقرير صادر عن مركز البحرين لحقوق الإنسان، إلى الفقر المدقع الذي يشمل نصف مواطني البلد. ووفقاً لهذه الدراسة الميدانية، هناك 20 ألف بحريني عاطل عن العمل، و80 ألف يعيشون تحت خط الفقر. كما أن أكثر من 200 ألف من السكان لا يملكون القدرة على شراء المساكن.
وتشير التقديرات إلى أن 12.2 في المائة من البحرينيين يحصلون على رواتب أقل من 5 دولارات في اليوم، وغالبيتهم من النساء والعمال الأجانب والشيعة.
في الواقع، تملك عائلة آل خليفة وحدها الجزء الأکبر من الثروة في هذا البلد. ويمتلك 20٪ من سكان البحرين 41.6٪ من الدخل القومي للبلاد. کذلك، وفقاً لتقرير مجموعة الشفافية الدولية، تحتل البحرين المرتبة الـ 36 من أصل 100 من حيث الفساد في القطاع العام، مما يعكس ارتفاع معدل الفساد المالي في هذا البلد.