الإمام الحسن العسكري عليه السلام في ذكرى شهادته
يصادف الثامن من ربيع الاول ذكرى استشهاد الإمام "الحسن بن علي" العسكري وهو المعصوم الثالث عشر والامام الحادي عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
واصل الإمام الحسن العسكري عليه السلام مهام الإمامة بعد والده الإمام الهادي عليه السلام، وعاصر في فترة إمامته القصيرة ست سنوات حكومة ثلاثة خلفاء هم المعتز والمهتدي والمعتمد، وكانت المعاناة مع الدولة العباسية ما زالت شديدة ففي غضون حكم المعتز قُتل وسجن الكثير من العلويين الابرياء، وأكثر من سبعين شخصاً من آل جعفر وال عقيل، وبعد المعتز استلم المهتدي الخلافة، وسجن الإمام عليه السلام ، بل وحتى اتخذ قراراً بقتله إلا أن الأجل لم يمهله فمات المهتدي.
وحدث علي بن جعفر عن الحلبي: "كنا مجتمعين في العسكر ننتظر قدوم الإمام في يوم ذهاب إلى دار الخلافة، فوصلتنا رقعة منه فيها:
"ألا لا يسلمنّ عليّ أحد، ولا يشير إليّ بيده، ولا يومئ، فإنكم لا تؤمنون على أنفسكم".
يقول أحمد بن محمد: "كتبت إلى أبي محمد(الإمام العسكري) حين أخذ المهتدي في قتل الموالي: يا سيدي الحمد للّه الذي شغله عنا، فقد بلغني أنه يتهددك، ويقول واللّه لأجلينهم عن جديد الأرض فوقّع أبو محمد عليه السلام بخطه: "ذلك اقصر لعمره، عدّ من يومك هذا خمسة أيام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمر به". فكان كما قال عليه السلام".
وبعد المهتدي استلم المعتز زمام السلطة وفي عهده استشهد الإمام العسكري عليه السلام وقتل معه مجموعة من العلويين، وتذكر بعض المصادر التاريخية أنه قد تم قتل بعضهم بأفجع صورة وحتى بعد القتل مثّلوا بأجسادهم.
*نصوص الإمام الهادي على امامة ابنه عليهم السلام
هناك مجموعة من النصوص التي وردت عن الإمام الهادي على إمامة الإمام العسكري عليه السلام منها:
عن يحيى بن يسار القنبري قال: أوصى أبو الحسن عليه السلام إلى ابنه الحسن قبل مضيه بأربعة أشهر وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي.
عن أبي بكر الفهفكي قال: كتب إليَّ أبو الحسن عليه السلام : أبو محمد ابني أنصح ال محمد غريزة وأوثقهم حجة، وهو الأكبر من ولدي. وهو الخلف وإليه ينتهي عُرى الإمامة وأحكامها، مما كنت سائلي فسله عنه فعنده ما يحتاج إليه.
*الإمام العسكري عليه السلام والتمهيد للإمام المهدي عجل اله تعالى فرجه الشريف
إن المهمة المميزة في إمامته عليه السلام كانت التمهيد لولادة الإمام المهدي عجل اله تعالى فرجه الشريف وغيبته الصغرى والكبرى، والارتباط الصحيح به وضرورة الانتقال بالشيعة من نقطة اتصال مباشرة بالمعصوم إلى نقطة اتصال غير مباشرة، وتعتبر هذه المرحلة من أدق المراحل على الفكر الشيعي منذ النبي محمد صلى الله عليه وآله إلى عهد الإمام العسكري، لذلك كان على الإمام أن يكثف أحاديثه وأن يقوم عملياً كما سيتضح بالتمهيد للغيبة.
ويمكن تلخيص دور الإمام عليه السلام في هذا الاتجاه بما يلي:
1 - النص على الإمام وتعريف شيعته به:
عن محمد بن عبد الجبار قال: قلت لسيدي الحسن بن علي عليه السلام يا ابن رسول اللّه، جعلني اللّه فداك أحب أن أعلم من الإمام وحجة اللّه على عباده من بعدك؟
فقال عليه السلام :"إن الإمام وحجة اللّه من بعدي ابني، سمي رسول اللّه صلى الله عليه وآله وكنيته الذي هو خاتم حجج اللّه وآخر خلفائه".
قال: ممن هو يا بن رسول اللّه؟ قال عليه السلام:
"من ابنة قيصر ملك الروم، ألا إنه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة ثم يظهر".
عن يعقوب بن منقوش قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام وهو جالس على دكان في الدار وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل، فقلت سيدي، من صاحب هذا الأمر؟ فقال: ارفع الستر، فرفعته فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، دري المقلتين، شثن الكفين، معطوف الركبتين، في خده الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمد عليه السلام ثم قال لي: هذا صاحبكم، ثم وثب فقال له: يا بني ادخل إلى الوقت المعلوم، فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثم قال لي: يا يعقوب، انظر من في البيت؟ فدخلت فما رأيت أحداً".
2 - التأكيد على الصبر وانتظار الفرج:
إن انتظار فرج الإمام من العبادات بل من أفضل الأعمال كما في الأحاديث المباركة. فإن أول ما يتوجب على الإنسان هو الصبر عند طول الغيبة وما يؤكد على ذلك الرسالة التي أرسلها الإمام إلى علي بن الحسين بن بابويه القمي: التي جاء فيها:
(عليك بالصبر وانتظار الفرج).
قال النبي صلى الله عليه وآله :
"أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج".
3 - التحذير من الشك والضعف:
قال عليه السلام :
"إن لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسك فيها بدينه كالخارط شوك القتاد بيده".
4- التمهيد العملي للغيبة:
والمقصود بذلك أن الإمام عين وكلاء وسفراء من خاصة أصحابه لتبليغ تعليماته وأحكامه إلى شيعته، وذلك بأسلوب التوقيعات والمكاتبات، وهذا يعتبر تمهيداً عملياً لما سيحصل في زمن الغيبة الصغرى.
5- مدرسة الفقهاء:
اتسم عصر الإمام العسكري ومن قبله عصر الإمامين الهادي والرضا عليهما السلام باتساع رقعة التشيع، واتضاح معالم المدرسة الشيعية، ولذلك دعوا إلى اتباع مدرسة الفقهاء التي تميزت عما سواها، بعدة أمور منها:
1- اعتماد الكتاب والسنة مصدراً للتشريع الإسلامي.
2- الرجوع في تعلم الأحكام إلى المعصوم إن أمكن.
3 - الرجوع إلى الفقهاء الثقات حيث لا يمكن أو يتعسر الرجوع إلى الإمام المعصوم.
4 - الإفتاء بنص الرواية أو بتطبيق القاعدة المستخلصة من الرواية.
وقد أيد الإمام العسكري جملة من الكتب الفقهية والأصول في عصره أو قبل عصره وقد أحصيت أسماء أصحاب الإمام ورواة حديثه فبلغوا، 213 شخصاً. منهم:
أحمد بن إسحاق الأشعري القمي: وهو من الأصحاب المقربين للإمام عليه السلام ، ويعد كبير القميين وكان يحمل مسائل أهل قم إليه عليه السلام .
أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري. وهو من أحفاد جعفر الطيار ومن أعظم رجال أهل بيته وأهل بغداد وكانت له منزلة رفيعة ومقام محمود عند الأئمة عليهم السلام.
عبد اللّه بن جعفر الحميري. من أبرز رجال قم المقدسة له كتاب (قرب الإسناد).
أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري. وهو النائب الأول للإمام القائم عجل اله تعالى فرجه الشريف . وكان من كبار وكلاء الإمام الهادي عليه السلام والعسكري عليه السلام .
*شهادة الإمام العسكري عليه السلام
قال أبو الأديان: "كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وأحمل كتبه إلى الأمصار فدخلت عليه في علّته التي توفي فيها صلوات اللّه عليه فكتب معي كتباً وقال: امض بها إلى المدائن فإنك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل، قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فإذا كان ذلك فمن. قال من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي. فقلت زدني: فقال: "من يصلّي عليَّ فهو القائم بعدي".
فقلت: زدني، فقال: "من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي".
ثم منعتني هيبته أن أسأله عما في الهميان.
وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي عليه السلام فإذا أنا بالواعية في داره وإذا به على المغتسل وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار والشيعة من حوله يعزونه ويهنؤنه فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة، ... تقدم جعفر ليصلي على أخيه فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة بشعره قطط بأسنانه تفليج فجذب برداء جعفر بن علي وقال: "تأخر يا عم أنا أحق بالصلاة على أبي فتأخر جعفر وقد أربد وجهه وأصفر. فتقدم الصبي وصلّى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه، ثم قال: يا بصري هات جوابات الكتب التي معك فدفعتها إليه، فقلت في نفسي: هذه بينتان،... الخ".