هجوم السلام: الحشد ليس شيعياً…!
د. علي عز الدين
إنْ كانت الحرب تكتبُ التاريخ، فإنّ البحث عن المعلومات التاريخية بعيداً عن المُنتصِرْ لهو أمرٌ صعب، لأنّ التاريخ اولاً يصنعه الأقوياء ويكتبه الفائزون بمعزل عن مدى صِحتِه وصُدقيتِه…
كلمة الحرب بمفهومها التقليدي هي نزاع عسكري بين فريقين وغالباً لأجْل مكتسباتٍ سياسية يتفرّع منها السيطرة على أراضٍ ونفوذ، وفي النهاية الاقتصاد ومرابحهُ هو مَن يَحكم ويدير الحروب…
لَئنْ تعدّدت أساليب المواجهة بين الخصوم، وتدَرّجت من قتال كلاسيكي بين الجيوش، ومن ثم انتقلت الى مواجهات أمنية واستخبارية، اقتصادية من حصارات وتضييق على مسارات التجارة للدول المُستَهدَفة واستهداف قوافل إمدادات الشعوب والتي استمرت عبر التاريخ وعبر عمر الشعوب، (هجوم السلام)، بعد الحرب الباردة، والحرب بالوكالة والعديد من تسميات مختلفة، لكن نتيجتها واحدة هي الفوز بأيّ طريقة كانت وإنْ نتج عنها خرق قوانين الأديان والانسان، لأنّ المواجهات الأكثر راديكالية لم تصل الى ذروتها بعد، ممّا نلمسهُ ونراه من تطورات الصناعات العسكرية والتجهيزات والتخطيط المستمرّ لإيجاد طرق وأساليب جديدة للمواجهات الضرورية جدلياً وحتى يمكن استبدالها بمجابهات أكثر خِفْيةً وأشدّ فتكاً والضحية دائماً هو البشر والحجر…
أعداء الله الحمقى، يعني أنّ خيارات محور الشر بأكمله، عدّته وعديده ضدّ قوى الخير، ضدّ قوى السلام، إنّ مَن يَقِفْ بوجه الله حتماً هو يملك من الحماقة تفوق ايّ أحد، لذلك نرى الأعداء واعتداءاتهم على المدى القصير مُوْجِعة بشكلها اللحظي من اغتيال قادة او احتلال بلاد او مدن، لكنّها بالمدى الاستراتيجي الأبعد تكون غالباً بمصلحة قوى الشعوب الكادحة والطامحة للتحرر من نير الاستغلال والاستعمار الذي سرق ويسرق مقدرات الأوطان…
نتيجة الحمق ظهرت جلياً عبر التاريخ القديم من واقعة كربلاء الى يومنا هذا، الأمثلة كثيرة والوقائع لا تنتهي، ما حدث في جنوب لبنان ابّان الإجتياح «الإسرائيلي» وما بعده، دليل أبعَد ما يكون عن الحقيقة ويدخل ضمن الخيال، أنّ ثُلّة من شباب طاهر ومؤمن يُلحِقُ الهزيمة بأعتى قوى الشر العالمية ويطردها ذليلة خائبة من أرضنا المقدسة، هذا السيناريو كُتِبَ بالتضحيات وانتقل الى تشكيل سرايا الدفاع عن المقاومة ثم إلى باقي بلاد المحور من اليمن الصامد الى إيران المُحاصَرة والعراق الحشد الشعبي وسورية التي خرجت من حرب عالمية شُنّت عليها وخرجت منتصرة بفعل الحكمة والتسديد…
إنّ اندماج كافة مكونات الشعب في فِعل مقاومة هو القوة الأكبر ضد مخططات التفرقة التي يعتمدها الاستعمار لتشتيت الجهود وبث التفرقة ليستفرد بمكونات دون غيرها، وهنا عين الحماقة، فمثلاً ما رُوّجَ عن الحشد الشعبي العراقي بأنّهُ قوّة شيعية طائفية تستهدف باقي الطوائف هو فعل حربي ضمن الحرب الناعمة الإعلامية التي يعتمدها المحور المُعادي، حيث أننا بنَظرةٌ خاطِفةٌ لمكونات الحشد يمكن أن نرى التنوّع من كافة أطياف الشعب العراقي…
ـ البابليون: مجموعة يرأسها «الزعيم» ريّان الكلداني، تأسّست نهاية عام 2014، وهي ذراع مسلّح للحركة المسيحية في العراق، جزء من مكونات الحشد الشعبي، وجزء قوي من المنظومة الأمنية والعسكرية التي شاركت في أغلب المعارك ضدّ داعش في الذودِ عن مناطقها في العراق.
ـ NPU ، أو ما يُعرف بوحدات حماية سهل نينوى، أسّستها الحركة الديموقراطية الآشورية ومهمتها تحرير وتطهير سهل نينوى وإعادة آلاف النازحين الى قراهم التي طردهم منها داعش بفعل الوحشية والدموية. بعد سنتين من الإعلان عن NPU تشكّل (حشد مسيحيّي الموصل)، الذي ضمّ قوات من مسيحيّي سهل نينوى واندَرَجت حسب توصيات الحكومة العراقية ضمن قوات الحشد الشعبي.
هذه المجاميع العسكرية المقاومة كان لها الأثر الكبير بطرد داعش من مناطق عديدة من القطاعات الحربية، فعندما يكتب إجرام داعش على منازل المسيحيين حرفَ (ن) للدلالة على أنّ هذا المنزل هو ملك لقطعان داعش وعلى قاطنيه الإخلاء وترك كلّ جنى عمرهم خلفهم، الـ «نون» تعني نصراني، واللغة الدموية المُعتمَدة من العصابات المدعومة من أميركا و»إسرائيل» وبعض دول الجوار كانت تؤسّس للبقاء طويلاً ضمن خيارات الحرب بالوكالة..
أمّا في المناطق الأخرى من العراق برزت ألوية وقوات غير شيعية أغلبها من العشائر العربية العراقية الأصيلة، واندمجت بمكونات الحشد الشعبي، ودافعت وحرّرت وقدّمت الشهداء نصرة للقضية الأساس، طرد المحتلين والوقوف مع الحق…
لنعد الى التاريخ الحديث ونقول إنّ التاريخ يكتبه الشرفاء، الصامدون والقابضون على الزناد في وجه ايّ محاولات لشرخ الصفوف، والغدر وبث التفرقة بين مكونات الشعوب المقاومة، هذه الشعوب بتعاظم قوتها وحضورها أثبتَت بأنّ الحدود المُصْطنَعة قد ذابت بنجيع الدماء، وأنّ وحدة الجبهات حاضرة في الحرب المقبلة، ونداء السيد حسن نصرالله الأخير للفصائل العراقية التي أطلق قادتها موقفاً مُشرّفاً بالوقوف مع المقاومة الشاملة ضد محور الإستكبار، هذا النداء تعمّد مؤخراً بدماء شهداء اللواء الثاني عشر من مكونات الحشد (حركة النجباء) بصدّهم أواخر أيام عاشوراء هجوماً غادراً لداعش في قاطع الطارمية والتي للمفارقة تسكنها (عشيرة المَشَاهَده) من الطائفية السنية…
تِدْ في الأرض قدمك، إرمِ ببصَرِكَ أقصى القوم، تزول الجبال ولا تَزَلْ، واعلم أنّ النصرَ من عندِ الله.