التوتر بين أذربيجان وإيران.. "إسرائيل" على الخط
حسني محلي
لا تكتفي تل أبيب بالدور الفعّال عسكرياً واستخبارياً واقتصادياً في أذربيجان بل تسعى لتوسيع رقعة هذا التأثير في القوقاز عبر الوجود في جورجيا القريبة من إيران.
تشهد العلاقات بين إيران وأذربيجان فتوراً وأحياناً توتراً ملحوظاً، بسبب الاتهامات المتبادلة التي يطلقها مسؤولو البلدين، وفي مقدمتهم الرئيس إلهام علييف، الذي تحدث "عن توغل عربات عسكرية إيرانية داخل الأراضي الأذربيجانية، خلال مناورات عسكرية إيرانية قرب الحدود المشتركة"، وهو ما كذّبه المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده.
الفتور والتوتر ظهرت بوادرهما خلال الحرب الأذربيجانية - الأرمينية العام الماضي، عندما تحدثت المعلومات عن دعم إسرائيلي واسع ومكثّف للجيش الأذربيجاني، جنباً الى جنب مع الدعم التركي، اللذين أسهما في الانتصار الذي حقّقه الجيش الأذربيجاني.
وكان هذا الانتصار الذي أسهمت فيه تل أبيب عبر بيع باكو طائرات مسيّرة وتكنولوجيا تجسّس تعمل عبر الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية سبباً كافياً لمزيد من التنسيق والتعاون بين البلدين، حيث تحدثت المعلومات الصحافية عن قيام "إسرائيل" بإنشاء قواعد ومحطات رادارات قرب الحدود مع إيران لمراقبة التحركات العسكرية الإيرانية ورصد الصواريخ الإيرانية في حال إطلاقها صوب "إسرائيل"، فيما تعمل شركات إسرائيلية على إقامة مشاريع زراعية وصناعية شبيهة بنظام المستوطنات اليهودية جنوب أذربيجان، وعلى بُعد 50 كلم من الحدود مع إيران.
أزعج ذلك طهران التي ترى في هذا الوجود الإسرائيلي، بمختلف أشكاله العسكرية والاستخبارية، خطراً على أمنها القوميّ، وخاصة مع المعلومات التي تتحدث عن دور الموساد في استفزاز المشاعر القومية لدى الآذريين من مواطني إيران، وهم يعيشون قرب الحدود مع أرمينيا وأذربيجان، وعددهم نحو ثلاثين مليوناً، مقابل ثمانية ملايين هم سكان أذربيجان.
هذا الاستفزاز الإسرائيلي يرافقه تحريض بعض الأوساط القومية التركية لآذريي إيران، باعتبار أنهم من أصول تركية، مع الإشارة إلى أن ما لا يقل عن 90% منهم من الشيعة، وولاءهم للدولة الإيرانية، فيما مواطنو أذربيجان 80% منهم هم من الشيعة، ولا يُخفون عدم ارتياحهم، بل قلقهم من المقولات الاستفزازية في الإعلام الأذربيجاني، والحديث عن التآمر الإسرائيلي من أراضيهم على إيران.
وكان بعض الأوساط القومية التركية قد شنّ حملة إعلامية ضد إيران، خلال الحرب في كاراباخ، وتحدث عن دعم إيراني عسكري لأرمينيا خلال هذه الحرب، في محاولة منه لاستفزاز الشعور القومّي لدى الآذريين، فيما تستمر السلطات الأذربيجانية المدعومة من تركيا في عرقلة مرور القطارات والشاحنات الإيرانية التي تنقل البضائع الأذربيجانية والروسية التي تصل إلى إيران عبر بحر قزوين وهي في طريقها إلى أرمينيا، ومن دون أن يزعج ذلك الرئيس إلهام علييف الذي يفتخر بعلاقاته الوطيدة مع تل أبيب، عبر البعض من رجال الأعمال اليهود المؤثرين في باكو، ومنهم ليونيد تايروف وليونيد غولدشتاين وتالمان إسماعيلوف وآراس أغالاررف، ويحملون الجنسية الأذربيجانية والإسرائيلية والروسية، والبعض منهم الأميركية، ولديهم جميعاً علاقات وطيدة مع يهود روسيا المؤثرين في موسكو.
ويلعب هؤلاء دوراً مؤثراً في تطوير العلاقات بين أذربيجان و"إسرائيل"، في جميع المجالات، وأهمها العسكرية والاستخبارية، حيث تبيع تل أبيب ما قيمته مليار دولار سنوياً من الأسلحة والمعدات العسكرية لأذربيجان. كذلك يتوسّط هؤلاء بين تل أبيب وأنقرة، حالهم كحال الرئيس الأوكراني زالينسكي، وهو أيضاً يهودي، وعلاقته وطيدة بـ"إسرائيل" ومنظمات اللوبي اليهودي في أميركا. وقد اعترف الرئيس علييف، في أحد أحاديثه المسرّبة، بعمق العلاقة مع تل أبيب، وقال "إن ثمانين في المئة من العلاقات بين البلدين تحت الأرض"، ويقصد بذلك أنها خفية.
وتغطي أذربيجان 60% من حاجة "إسرائيل" إلى البترول الذي يصل إلى ميناء جيهان التركي بواسطة الأنابيب، ويجري نقله إلى ميناء حيفا بناقلات النفط التي يقال إن مالكيها هما نجل الرئيس رجب طيب إردوغان ونجل رئيس الوزراء السابق بن علي يلدرم.
ولا تكتفي تل أبيب بهذا الدور والوجود العملي الفعّال عسكرياً واستخبارياً وإعلامياً واقتصادياً في أذربيجان، بل هي تسعى لتوسيع رقعة هذا التأثير في منطقة القوقاز عبر الوجود في جورجيا، وهي أيضاً قريبة من إيران، الهمّ الأكبر لتل أبيب التي كانت تستفيد من وجودها الاستخباري الواسع في أفغانستان خلال الاحتلال الأميركي هناك. وتتحدث المعلومات عن مساعي تل أبيب لإنشاء محطات تجسّس إسرائيلية في جورجيا، هدفها مراقبة التحركات العسكرية الإيرانية والتنصّت على الاتصالات الإيرانية، وهي المهمة التي تقوم بها قاعدة كوراجيك الأميركية جنوب شرق تركيا، ومهمتها الأساسية إبلاغ تل أبيب فور انطلاق أي صاروخ إيراني باتجاه "إسرائيل"، حتى يتسنّى للقبة الحديدية التصدّي له قبل دخوله الأجواء الفلسطينية.
وتتحدث المعلومات أيضاً عن مساع إسرائيلية وأخرى تركية لتحقيق المصالحة بين أذربيجان وأرمينيا، ليُسهم ذلك في تشكيل تكتل جديد في منطقة القوقاز قد يستهدف إيران، بل وروسيا، اللتين تسعيان معاً للتصدّي لمثل هذا التحرك.
ويبدو واضحاً أن ذلك يزعج موسكو، خاصة بعد إقامة القواعد العسكرية التركية في أذربيجان، ومساعي أنقرة لتطوير علاقاتها مع جورجيا، ورفضها باستمرار ضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا، واستمرارها في تطوير العلاقات العسكرية مع أوكرانيا وبلغاريا ورومانيا، وهي الدول المطلة على البحر الأسود، وهو ما يزعج موسكو التي تراقب تحركات تل أبيب وأنقرة، وكل على حدة، في جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، حديقة روسيا الخلفية، وجارات إيران وأفغانستان معاً!
ويبقى الرهان الأخير على تطورات المرحلة المقبلة، واحتمالات السياسة التركية مستقبلاً بعد قمة سوتشي الأخيرة، ولكل تفاصيلها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بحسابات "إسرائيل" في المنطقة، وهدفها الرئيسي من دون شك هو إيران التي عرقلت وتعرقل مشاريعها في سوريا ولبنان واليمن والخليج الفارسي، وأماكن أخرى في العالم!