السِّر الخطير الذي كشفه المُستشار الخاص للرئيس بوش الابن ويجب أن يطّلع عليه الأشقّاء في العِراق والمنطقة.. لماذا تقرّر غزو العِراق بعد أفغانستان مُباشَرةً؟ وهل سيتكرّر مشهد الهُروب الكبير للعُملاء في مطار كابول قريبًا في مطار بغداد؟
كشف بروس رايدل المُستشار الخاص للرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن في ندوةٍ نظّمها “مُنتدى السادات” في واشنطن بمُناسبة الذّكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، سِرًّا على دَرجةٍ كبيرةٍ من الخُطورة عندما قال “في يوم 14 أيلول (سبتمبر) عام 2001، أيّ بعد ثلاثة أيّام من الهجمات التي شنّها تنظيم “القاعدة”، اتّصل الرئيس جورج بوش الابن بتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني في حينها وأبلغه أنّ أمريكا ستُهاجم العِراق وليس أفغانستان فقط”.
بعد عامين ونصف العام بالتّمام والكمال جنّدت الإدارة الأمريكيّة أكثر من ثلاثين دولة بينها دول عربيّة (مِصر والأردن ودول خليجيّة) لغزو العِراق واحتِلاله، بعد حملة إعلاميّة مُكثّفة حاولت أن تربط بين الرئيس العِراقي الرّاحل صدام حسين وتنظيم “القاعدة”، وتضخيم أُكذوبة أسلحة الدّمار الشّامل، ومن المُفارقة أنّ بلير كان من أكثر المُشاركين حماسةً لتدمير هذا البلد العربي المُسلم، وكان تِعداد جيشه هو الأضخم بعد الجيش الأمريكي.
اللّوبي الإسرائيلي ورُموزه الاكاديميّة، والسياسيّة، بدأ عمليّة التّمهيد لهذا الغزو قبل عدّة أعوام من هذه الهجمات، ونشر إعلانًا على صدر صفحة كاملة في صحيفة “نيويورك تايمز” يعتبر العِراق الخطر الأكبر على دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وكان من أبرز المُوقِّعين عليه البروفيسور برنارد لويس المُفكّر الصّهيوني المعروف الذي لم يعترف مُطلقًا بشرعيّة العِراق كدولة، وطالب بتفكيكه وإقامة ثلاث دول على أرضه على أُسسٍ طائفيّة وعرقيّة، ومِن المُفارقة أن جو بايدن الرئيس الأمريكي الحالي كان يتبنّى هذا المُخطّط ويُرَوِّج له، ومن أشدّ المُتَحمِّسين لتطبيقه.
نسوق هذه المُقدّمة لأنّنا كُنّا على قناعةٍ تامّة بأنّ العِراق، كان وما زال، على لائحة الاستِهداف الأمريكي، بغضّ النّظر عن نظام الحُكم فيه، لأنّ دولة الاحتِلال الإسرائيلي تعتبره رأس حربة للخطر الوجودي الذي يُهَدِّدها، بسبب إرثه التّاريخي الوطني العُروبي والإسلامي المُشرّف، وامتِلاك شعبه لجينات العظمة الإمبراطوريّة، علاوةً على توفّر كُل أركان القُوّة في ظاهِر أرضه وباطِنها، ونحن نتحدّث هُنا عن الماء (نهرا دِجلة والفُرات)، والنّفط حيث تُقَدَّر احتِياطاته بأكثر من 200 مِليار برميل.
العُدوان على العِراق لم يقتصر على الغزو والاحتِلال، وإنّما على مُحاولة تدمير الهُويّة العِراقيّة العربيّة الإسلاميّة الجامعة أيضًا، وتجويع الشّعب العِراقي وإذلاله، وقتل أكثر من مِليونين من خيرة أبنائه، ووضعه تحت حُكمٍ عميلٍ للغرب، وإبعاده كُلِّيًّا عن محور المُقاومة، وثوابت الأُمّة بكُلّ الوسائل، لأنّه يُشَكِّل القاطرة لقيادة الأمّة وإسقاط كُل مُخطّطات الهيمنة الغربيّة، والأمريكيّة الإسرائيليّة تحديدًا.
بعد أن نجحت حركة طالبان، اتّفق البعض معها أو اختلف، في هزيمة الاحتِلال الأمريكي وإذلاله وطرده، نجزم بأنّ المرحلة المُقبلة ستشهد طرد جميع القوّات الأمريكيّة وإزالة قواعدها في العِراق، وهُروب عُملاء أمريكا بطَريقةٍ مُماثلة لنُظرائهم في أفغانستان، إن لم تكن أسوأ وأكثر فضائحيّة.
ما لَحِقَ بالأمّة من مآسي وجرائم وعمليّات نهب لثرواتها ما كان يحدث لو بقي العراق قويًّا مُوحَّدًا سيّدًا، يحتل المكانة التي تليق به وتاريخه الحضاري العظيم، ولهذا جرى استِغلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر كذريعة لاحتِلاله وتدميره، وتحويله إلى “تابع” للمشروع الأمريكي الإسرائيلي.
الشّعوب الحُرّة الأصيلة ذات الإرث العظيم في الوطنيّة والكرامة والتصدّي لمُؤامرات المُستعمرين قد تكظم الغيظ، وتتغافل، وتتناسى في إطار صبرها الاستراتيجي، ولكنّها لن تنسى ولن تغفر جرائم الغُزاة وعُملائهم، ونحن نتحدّث هُنا عن الأشقّاء في العِراق العظيم، ولهذا ليس لدينا أيّ شك في أنّ عُمُر الوجود الأمريكي في العِراق قصيرٌ جدًّا، وعمليّة الطّرد قادمةٌ حتمًا.
“رأي اليوم”