“قمّة فِلسطين” في الجزائر.. لماذا الاستِغراب؟ ولماذا لا يكون عُنوانها عودة سورية التي غيّبتها “قمّة بغداد” الأميركيّة؟ وهل يسبقها حِوار يُعيد العُلاقات مع المغرب؟
الوثيقة التي كشفت عنها قناة “الميادين” ، وأكّدت أنّ الحُكومة الجزائريّة الجديدة تَعتَزِم إطلاق تسمية “قمّة فِلسطين” لرأب الصّراع في جِدار العمل العربيّ المُشتَرك على القمّة العربيّة القادمة التي من المُقَرَّر أن تستضيفها في الأسابيع المُقبلة، وتأجَّلت عدّة أشهر نتيجة انتِشار فيروس الكورونا، تستحق التوقّف عندها، ومُحتواها، وتفسير حالة الاهتِمام السّياسي والإعلامي بها في الوَسطين الشعبيّ والرسميّ في مُختلف أنحاء المنطقة، لأنّ الجزائر وقفت دائمًا شعبًا وحُكومةً إلى جانِب الشّعب الفِلسطيني وشاركت في حرب أكتوبر ودعمت المُقاومة دون تردّد بالمال والسِّلاح والرّجال.
هذه الوثيقة، وما تضمّنته من بُنودٍ وآمال تكتسب أهميّتها ليس فقط من الكَشف عنها في مِثل هذا التّوقيت فقط، وإنّما أيضًا من عدّة عوامل، واعتِبارات، ومُتغيّرات على السّاحات العربيّة لا بدّ التوقّف عندها لإجراء أيّ قراءة، أو رصد للتطوّرات القادمة والمُحتَملة:
الأولى: أن الدولة الجزائريّة بدأت تتحرّك بقُوّةٍ لاستِعادة مكانتها ودورها الذي يليق بها وإمكانيّاتها وتاريخها كعُضو فاعل في المنطقة، وفي إطار محور المُقاومة، بعد سنوات من الغِياب، سواءً بسبب “العشريّة السّوداء”، أو حالة الشّلل التي عاشتها في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وهو عهد اتّسمت سنواته الأخيرة بالفساد وتعطّل مُؤسّسات الحُكم، ونهب المال العام، وتغييب كُلِّي للدّور الجزائري على السّاحات العربيّة والإفريقيّة والدوليّة، الجزائر بدأت السّير بسُرعةٍ على طريق التّعافي واستِعادة دورها الذي يتناسب مع حجمها وتاريخها وإمكانيّاتها، سواءً عندما تصدّت للتّغلغل الإسرائيلي في القارّة الإفريقيّة، أو بالقِيام بدور الوِساطة في الأزَمات، وأزَمة سدّ النّهضة على وجه الخُصوص.
الثّانية: تراجع محور التّطبيع العربي، مع تقدّم محور المُقاومة بشَكلٍ مُتسارع في الحالين، وتجسّد هذا التّقدّم لمحور المُقاومة في الهزيمة الكُبرى التي لَحِقَت بدولة الاحتِلال الإسرائيلي في حرب غزّة الأخيرة، وانعكس هذا التّقدّم بالانتِصار الكبير لحركة طالبان على الاحتِلال الأمريكي، وعودة الثّقة لثقافة المُقاومة، وانحِسار دور أمريكا كقُوّةٍ عُظمى في العالم.
الثّالثة: فشل “الحِصارات” الأميركيّة في تركيع إيران وسورية ولبنان والعِراق وقطاع غزّة، وتحالف حركة “أنصار الله” في اليمن، ولعلّ الرّعب الذي أصاب الولايات المتحدة من لُجوء السيّد حسن نصر الله، زعيم “حزب الله” للاستِغاثة بناقلات النّفط الإيرانيّة لحلّ أزمة المحروقات في لبنان، وإقدامها (أمريكا) على الهرولة إلى الغاز المِصري والكهرباء الأردنيّة، وكسر قانون “قيصر” لمُرورها عبر الأراضي السوريّة هو أبرز الأمثلة في هذا الإطار.
الرّابعة: فشل جميع القمم التي استثنت سورية، والجامعة العربيّة أحد أبرز عناوين العمل العربي المُشتَرك (رغم تحفّظنا على الوضع المُتَرَدِّي للأخيرة)، ونحن نتحدّث هُنا عن قمّة بغداد، وتوأمها الثّلاثيّة في القاهرة، فهل فرنسا التي تَبْعُد عن العِراق بأكثر من خمسة آلاف كيلومتر جارة للعِراق؟
التّحرّك الجزائري “لترميم” الوضع العربيّ المُتهالِك، وإعادة الرّوح للعمل العربيّ المُشتَرك مُجَدَّدًا قد يكون الخطوة الأهم، والمُنتَظرة من قِبَل الشّعوب العربيّة في المشرق والمغرب، لإخراج المنطقة من أزماتها، والعودة إلى الثّوابت العربيّة والإسلاميّة، وأبرزها دعم القضيّة الفِلسطينيّة المركزيّة والتّصدّي للتّغوّل الإسرائيلي ومجازره.
لا تجرؤ أيّ دولة عربيّة على مُجَرَّد التَّلفُّظ بالدّعوة إلى عودة سورية إلى الجامعة العربيّة ورفع الحِصار عنها، وبدء مسيرة الإعمار فيها غير الجزائر هذه الأيّام، وكان مُعيبًا أنّ الحُكومة العِراقيّة الأقرب إلى سورية جُغرافيًّا وتاريخيًّا واجتماعيًّا وعِرقيًّا لم تَجرُؤ على دعوتها للمُشاركة في قمّة جِوار العِراق في بغداد قبل عشرة أيّام خوفًا من أمريكا وتَقَرُّبًا من إسرائيل ومحور التّطبيع العربيّ معها، هل هذا هو العِراق الذي أنجب العديد من الامبراطوريّات على مدى 8000 عام من التّاريخ الحضاري المُشَرِّف؟
أن تتطوّع الجزائر “الجديدة” برفع راية القضيّة الفِلسطينيّة الجامعة، وجعلها نُقطة الارتِكاز للتّقارب العربيّ، وتحقيق المُصالحات، والتّصدّي للاحتِلال الإسرائيلي وتغلغله في المنطقة والقارّة الإفريقيّة فهذا مَوقِفٌ يُحسَب لها، ويُؤشِّر على استِعدادها، وشعبها وقيادتها، لتحمّل هذه المسؤوليّة التّاريخيّة المُشَرِّفَة في هذا الظّرف الحَرِج.
هذه العودة الجزائريّة لتحمّل مسؤوليّة إحياء العمل العربي المُشترك ليس مُفاجئًا أن تقلق دولة الاحتِلال الإسرائيلي وحُلفاءها العرب، القُدامى والجُدُد، وهذا ما يُفَسِّر تصريحات يائير لبيد، وزير الخارجيّة الإسرائيلي، المُعَبِّرة عن هذا القلق قبل أُسبوعين، واتّهامها، أيّ الجزائر، بالتّقارب مع إيران التي تدعم حركات المُقاومة في فِلسطين ولبنان والعِراق واليمن، حتّى كأنّ التّقارب مع دولة إسلاميّة شقيقة تدعم المُقاومة الفِلسطينيّة، وتُطالِب بتحرير فِلسطين من البَحر إلى النّهر إثْمْ.
نتَمنّى أن تسير الجزائر قُدُمًا في الدّعوة لانعِقاد “قمّة فِلسطين” العربيّة بأسرعِ وَقتٍ مُمكن، وأن تكون سورية المُنتَصِرَة على المُؤامرة الأمريكيّة الإسرائيليّة، وأحد أبرز المُؤسِّسين للجامعة العربيّة، والعمل العربيّ المُشتَرك على قمّة الحُضور، وبِما يَصُبْ في مصلحة إحياء “المشروع العربيّ” على أُسسٍ جديدة.
لا قيمة لأيّ قمّة عربيّة لا تكون فِلسطين عُنوانها، ولا شرعيّة لأيّ قمّة لا تكون سورية أبرز الحُضور فيها.
محور المُقاومة عائدٌ للصّدارة، والقيادة مُجَدَّدًا، بعد انتِهاء السّنوات العِجاف، وبدء مرحلة النّهوض، ولعلّ التّحوّل المأمول يبدأ انطِلاقته من الجزائر.
خِتامًا، نتمنّى في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” أن يَسبِق هذه القمّة حِوار مغربي جزائري حول جميع القضايا الخلافيّة، وبِما يُؤدِّي إلى تفاهماتٍ واتّفاقاتٍ تُعيد العُلاقات المقطوعة بين البلدين الشّقيقين، وأن يكون العاهل المغربي أوّل الواصلين إلى العاصمة الجزائريّة للمُشاركة في هذه القمّة.. تفاءلوا بالخير تجدوه.
“رأي اليوم”