ماذا يعني تكليف ميقاتي في المقاربة الدوليّة والإقليميّة للبنان؟
ناصر قنديل
– يقاطع نواب القوات اللبنانيّة تسمية رئيس مكلف لتشكيل الحكومة انطلاقاً من نظرية أن الرئيس ميشال عون هو واجهة لسيطرة حزب الله على البلد وأن أية حكومة هي تكريس لهذه السيطرة، طبعاً لا تنهمك «القوات» في الإجابة عن سؤال حول ما الذي سيتغير مع الانتخابات المقبلة حتى تصير المشاركة ممكنة، لكن السؤال الذي يتجاوز مزحة «القوات»، هو المعنى الذي يحمله تكليف الرئيس نجيب ميقاتي حول المقاربة الدولية الإقليمية للوضع في لبنان، وهي طبعاً عكس مقاربة «القوات» التي تورطت بموقف حتى صارت عبئاً على مرجعيتها الدولية والإقليمية، بمثل ما كان إصرار الرئيس سعد الحريري على الاحتفاظ بالتكليف تسعة شهور وهو يعلم أنه لن يستطيع تذليل الفيتو السعودي، حتى صار مَن يفترض أنهم رعاته من الفرنسيين والأميركيين والمصريين والإماراتيين، يخرجون يدعونه للمسارعة في الاعتذار لأن لا أفق أمامهم لتشكيل حكومة، وما كاد يعتذر حتى شدّدوا على دعوته ليفسح المجال لسواه بمباركة هذا الخارج، ويتولى مساعدته في نيل تكليف مناسب والسير بتأليف مماثل.
– تكليف ميقاتي والحظوظ الكبرى لنجاحه في تأليف حكومة، يحول نظرية دولة حزب الله الى مزحة سمجة، ويظهر الحديث عن هامشية موقع لبنان في النظرة الدولية والإقليمية مزحة مشابهة، فالاجتماع الثلاثي الأميركي الفرنسي السعودي على مستوى وزراء الخارجية، حسم القرار بعدم التساهل مع احتمالات انهيار لبنان، للأسباب ذاتها التي يُصرّح بها قادة كيان الاحتلال، وجوهرها أن الانهيار سيضع لبنان أمام خيارات مصيريّة كبرى أهمها منح المشروعية لقيام حزب الله بترجمة تهديداته باتخاذ إجراءات منفردة لتأمين المحروقات من إيران بالليرة اللبنانية، وما سيليها من فتح الأسواق اللبنانية والسورية على بعضها خصوصاً غذائياً أو دوائياً، ووفقاً لقواعد الاقتصاد فإن مجاري المياه التي تسلك لمرة واحدة ستصير دائمة، وستخلق لها منطقها ومصالحها وتداعياتها، وهذا سيعني أكثر من مجرد ظهور حزب الله كمخلص، لجهة نقل لبنان اقتصادياً من ضفة الى ضفة ستتبعها العروض الصينيّة والروسيّة التي سبق للدبلوماسي الأميركي جيفري فيلتمان أن حذر منها في تعقيبه على انتفاضة 17 تشرين.
– الأكيد أن الرئيس ميقاتي ما كان ليقبل تولي رئاسة الحكومة لو كان عنده أية اشارة بوجود قرار دولي بدفع الأمور نحو الانهيار، وهو رجل أعمال وصاحب استثمارات خارجية وعلاقات دولية وقال مراراً إنه لن يخاطر باستعداء الخارج الغربي والعربي، بل إنه وضع شرطاً هذه المرة لقبول التكليف وهو أن يسمع تأكيداً من هذا الخارج لتمكينه من التأليف ومن الحصول على مساعدات مالية تمنع الانهيار، فيصير أمراً شكلياً معرفة أيهما قبل طرح ميقاتي لشروط قبول التكليف، وتجاوب الخارج معها، تأكيداً لرفض الانهيار، أم انطلاق هذا الخارج من قرار رفض الانهيار والبحث عن تسمية مناسبة للتكليف رست على اسم الرئيس ميقاتي، لأن المهم هو أن الانهيار لم يعد خياراً غربياً وعربياً، طلباً لإسقاط السقف على رأس حزب الله، ولو لم يكن هذا الخارج مهتماً بمنع الانهيار لما كانت لتقبل شروط ميقاتي، لترؤس حكومة تمتد عملياً لما بعد الانتخابات النيابية وحتى نهاية العهد، وبمساعدته على حلحلة عقد التأليف وتأمين تمويل مناسب لمنع الانهيار، ومساعدته في ضبط إيقاع الكتل بسرعة مناسبة لضمان تسمية بعدد مناسب من النواب، وتغطية وازنة في طائفته.
– النقاش حول التسمية من موقع إصلاحيّ كما يحاول البعض إثارتها لا تتناسب مع حقيقة الوضع في لبنان. فبالتأكيد لا يشكل طرح اسم السفير السابق نواف سلام بوجه تسمية الرئيس ميقاتي خياراً إصلاحياً لسبب بسيط، هو ان كل النقاش داخل التسميات وخارجها بما في ذلك التيارات التي تلبس لبوس الثورة، حول نص واحد «حكومة تحظى برضا الخارج وثقته تفاوض صندوق النقد الدولي»، فأين الرؤية الإصلاحيّة في ذلك، وطالما يجري التسابق على مَن يُرضي هذا الخارج فدعوا هذا الخارج يقول، وقد قال وسيقول بصوت مرتفع بعد التكليف، فالإصلاح بمفهومه الصحيح يرتبط بتغير بنيوي اقتصادي وسياسي، يقوم على التوجه شرقاً من البوابة السورية، وبالسير بعيداً عن التنظيم الطائفي للدولة والمجتمع، وكلاهما لا يتوافر نصابه في الموازين الحاكمة للحياة السياسية وقواها السائدة.
– تستطيع المقاومة القول إنها صاحبة الفضل بإسقاط نظرية دفع لبنان نحو الانهيار عبر التلويح بما يمكن أن يحدث إذا اقتراب الانهيار.