السجال الناري غير المسبوق بين الإمارات والسعودية بشأن إنتاج النفط
ألقى الخلاف النفطي بين السعودية والإمارات الضوء على المسارين المتباينين اللذين يتّبعهما الحليفان التقليديان الوثيقان في العديد من الملفات مع احتدام التنافس الاقتصادي بينهما في السنوات الأخيرة.
ويتم عادة حلّ الخلافات في العلاقات بين قادة ومسؤولي الأنظمة الخليجية الثرية خلف جدران القصور، لكن السجال الناري غير المسبوق حول مستقبل إنتاج النفط العالمي، خرج إلى العلن هذا الأسبوع.
وعارضت الإمارات بشدة اقتراحا من تحالف “أوبك بلاس”، واصفة إيّاه بأنّه “غير عادل”، ما تسبّب في تأجيل الاتفاق، الأمر الذي قد يؤدي إلى عرقلة عملية موازنة الأسعار في سوق الخام خلال أزمة وباء كوفيد.
ويشكّل الموقف الإماراتي تحديا نادرا للسعودية في سوق النفط من حليف وثيق. والمملكة أكبر مصدّر للخام في العالم وصاحبة وأكبر اقتصاد في العالم العربي.
لكن التباين بين القوتين الدبلوماسيتين بدأ قبل الخلاف النفطي. وبينما يقول مراقبون إن القطيعة الكاملة أمر مستبعد بين الدولتين، فإن الروح التنافسية الجديدة ستزداد حدّة على وقع التغيير الكبير الذي تشهده السعودية.
سباق اقتصادي
ويرى خبراء ان التنافس الاقتصادي في طليعة أسباب التباين بين الدولتين، في وقت تحاول دول الخليج (الفارسي) الاستفادة قدر المستطاع من احتياطاتها النفطية الهائلة بينما تواجه بداية نهاية عصر النفط.
والرياض في حاجة ماسة إلى تمويل ضخم لبرنامجها الاقتصادي قبل اكتمال التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.
ويقول الخبير السعودي المقرّب من دائرة الحكم علي الشهابي إن المملكة “عانت 50 عاما من الخمول في ما يتعلّق بالسياسة الاقتصادية، وعليها الآن أن تلحق بالركب”.
ويضيف أن الإماراتيين “سيتفهمون بأنّه يتعين عليهم توفير بعض المساحة لذلك”.
وترى المسؤولة السابقة في البيت الأبيض كريستين فونتينروز، وهي حاليا المسؤولة عن الملف السعودي في معهد “المجلس الأطلسي”، إن الجارين قررا أنّه “علينا إعطاء الأولوية لمستقبلنا المالي على حساب صداقتنا”.
وتتابع “لا ضغينة هنا، مجرد حقائق اقتصادية”.
ولطالما كانت السعودية عملاقا اقتصاديا نائما، لكنها باتت تنافس دبي، المركز الرئيسي للأعمال والخدمات في المنطقة، من خلال تطوير قطاعات مثل السياحة والتكنولوجيا.
وفي ظل محدودية الحوافز لديها، لجأت المملكة إلى العصا.
ففي شباط/فبراير، أصدرت إنذارا للشركات الأجنبية بأن تلك التي تسعى للحصول على عقود حكومية سيتعيّن عليها أن تنقل مقرها الإقليمي الرئيسي إلى المملكة بحلول عام 2024.
ويقول مستشار مقرّب من دوائر الحكم الاماراتية طالبا عدم الكشف عن هويته “كانت هناك بعض الضربات تحت الحزام من جارتنا، لكن الأمور ستبقى تحت السيطرة إن شاء الله”، مضيفا “نحن نرحب بالمنافسة”.
حرب وتطبيع
وبدا التباين الأول في العلاقة واضحا في منتصف 2019 عندما خرجت الإمارات على عجل من النزاع الكارثي في اليمن، بعدما لعبت مع السعودية الدور الأبرز في التحالف العسكري التي تقوده المملكة في هذا البلد ضد اليمنيين.
ووجدت الرياض نفسها غارقة في مستنقع لا تزال تكافح للخروج منه بأقل الأضرار.
ويقول الشهابي “هل كان هناك بعض الحساسية السعودية عندما خرج الإماراتيون بسرعة من اليمن؟ نعم”، مضيفا “كان يأمل السعوديون بأن يكون الإماراتيون أقل عجلة (…) وأكثر تنسيقا”.
في موازاة ذلك، أبرزت التحركات الدبلوماسية الإقليمية الكبرى اختلافا آخر في وجهات النظر.
فقد طبّعت الإمارات علاقاتها مع "إسرائيل" في 2020 في اتفاق توسّطت فيه الولايات المتحدة، وتوسّع في وقت لاحق ليشمل البحرين والمغرب والسودان، ما أثار غضب الفلسطينيين.
ولم تحذُ الرياض حذوها رغم تشجيع واشنطن.
في خضم ذلك، بدأت السعودية تقاربا مع قطر التي تعرضت لمقاطعة لأكثر من ثلاث سنوات من جيرانها الذين اتهموها بدعم مجموعات متطرفة والقرب من إيران منافسة السعودية الإقليمية.
وامتثلت الإمارات التي لا تتسامح أبدا مع الإسلام السياسي، لخطوات التقارب والمصالحة مع قطر، ولكن بدرجة أقل من الحماس.
ويقول المستشار الإماراتي “هناك تحالفات جديدة تنشأ في المنطقة، وهناك معسكران”.
وكان يتم عادة التعامل مع المصالح المتباينة بحذر شديد، لكن الخلافات هذه المرة بدأت تخرج الى العلن. لكن محللين يؤكدون أن الجارين بعيدان جدا عن انقسام على غرار ما حصل مع قطر.
وتقول فونتينروز “الحديث عن صدع أمر مبالغ فيه (…) فكلاهما يحاول تأمين مستقبله الاقتصادي”.
رأي اليوم