بعد قصف قاعدة “عين الأسد” ونظيرتها في مطار أربيل وحقل العمر السوري..
هل بدأت المُواجهة الكُبرى لإخراج القوّات الأمريكيّة من العِراق وسورية وأرَّخَت لنسف مُفاوضات فيينا النوويّة؟ وكيف سيَكون الرَّد الأمريكي؟
عبد الباري عطوان
يبدو أنّ المُواجهة الكُبرى بين فصائل في الحشد الشعبي العِراقي والقوّات الأمريكيّة المُتواجدة في العِراق قد بدأت إرهاصاتها اليوم الأربعاء، بعد استِهداف هذه القوّات وقواعدها وسفارتها بأكثَر من عشر هجمات بالصّواريخ والطّائرات المُسيّرة في “عين الأسد” وأربيل، والمِنطقة الخضراء في بغداد.
14 صاروخًا قصفت قاعدة “عين الأسد” في مِنطقة الأنبار غرب العِراق، وعدّة طائرات مُسيّرة هاجمت قاعدة أمريكيّة في مطار أربيل الدّولي، على بُعد مسافة قصيرة من القنصليّة الأمريكيّة في المدينة، ويوم أمس الثلاثاء جرى إسقاط طائرة مُسيّرة مُلغّمة فوق السّفارة الأمريكيّة في المِنطقة الخضراء المُحصّنة في بغداد، علاوةً عن هُجومٍ بالمُسيّرات على حقل العمر النّفطي شرق دير الزور الذي تُوجَد فيه أكبر قاعدة للتّحالف الغربي الذي تقوده أمريكا في سورية.
هذه الهجمات تُشَكِّل رسالةً واضحةً للرئيس الأمريكي جو بايدن بأنّ الوجود العسكري الأمريكي وقواعده في العِراق وسورية “غير شرعي وغير مُرَحِّبٍ باستِمراره، ويجب انسِحابه فَورًا، وفي أسرعِ وقت، تنفيذًا لقرار صادر عن البرلمان العِراقي المُنتَخب.
الرئيس بايدن اتّخذ قراره بسحب جميع قوّات بلاده من أفغانستان قبل الحادي عشر من سبتمبر تحت ضرَبات قوّات حركة طالبان المُؤلمة، في اعتِرافٍ صريح بالهزيمة، ويبدو أنّ الحشد الشّعبي العِراقي بدأ السّير على النّهج نفسه، ولِسان حال قيادته يقول “نحن لسنا أقل شجاعة ورُجولة من المُجاهدين الأفغان، وأبواب جهنّم فُتِحَت عليكم، ولن تُغْلَق إلا بخُروجكم”.
وأين مارتو المُتحدّث باسم التّحالف الدولي في سورية والعِراق اعترف بحُدوث هذه السّلسلة المُتزامنة من الهجمات، ولكنّه ادّعى أنّها أسفرت عن ثلاث إصابات خفيفة، الأمر الذي يُذَكِّرنا بهُجومٍ شنّته إيران على القاعدة نفسها مطلع كانون الثاني (يناير) الماضي، ثأرًا لاغتِيال اللواء قاسم سليماني قائد فليق القدس في الحرس الثوري، وأبو مهدي المهندس، نائب رئيس الحشد الشّعبي، حيث ادّعت القِيادة الأمريكيّة عدم وقوع إصابات، لنَكتشِف لاحقًا أنّ أكثر من مئة جُندي وضابط أُصيبوا في الرّأس، وأنّ حجم الدّمار الذي أحدثه القصف الصّاروخي كان هائِلًا، حسب تقرير مُصَوَّر لقناة “سي إن إن” من داخِل القاعدة.
لا نَعرِف لماذا تتواجد قواعد وقوّات أمريكيّة في العِراق أصلًا، وكيف يقبل الشّعب العِراقي بهذا الوجود على أراضيه من قِبَل دولة احتلّته ودمّرته، وقتلت أكثر من مِليونين من أبنائه، ويتّمت مِئات الآلاف من أطفاله ونِسائه، وحاصرته وجوّعته أكثر من 12 عامًا، وبذَرت بُذور التّفتيت الطّائفي والعِرقي بين مُواطنيه، وهيّأت البيئة الحاضنة للتّطرّف ومُنظّماته وخاصّةً “الدولة الإسلاميّة” أو “داعش”.
قمّة الوقاحة والظُّلم والتّنمّر إقامة الإدارة الأمريكيّة قاعدةً لها في “حقل العمر” حيث احتِياطات النفط والغاز السوريّة، لمنع عودتها إلى الشّعب السوري الذي يَقِف عشَرات السّاعات أمام محطّات البنزين، وتُقدّمها هديّةً لما يُسمّى بقوّات سورية الديمقراطيّة الانفصاليّة الدّاعمة للمشروع الأمريكي الاستِعماري في المِنطقة.
لا نعتقد أنّ هذا الهُجوم الكبير لفصائل في الحشد الشّعبي العِراقي يأتي من قبيل الصُّدفة، وبُدون التّنسيق المُسبَق مع القِيادة الإيرانيّة، ويأتي في اليَوم نفسه الذي أعلنت فيه عن تخصيب اليورانيوم النّقي، وبنسبةٍ تزيد عن 20 بالمِئة لتشغيل مُفاعلاتها في بوشهر على شاطئ الخليج الشّرقي، التي تقول إنّها أقامتها لأغراضٍ سلميّة.
أيّام الوجود العسكري الأمريكي في العِراق باتت معدودةً جدًّا، ولن نُفاجَأ إذا ما اعلن الرئيس بايدن إنهاء هذا الوجود في غُضون أسابيع، أو أشهرٍ قليلة، اعتِرافًا بالهزيمة وتقليصًا للخسائر، تمامًا مثلما فعل مُعلّمه السّابق باراك أوباما عندما سحب جميع القوّات الأمريكيّة بعد تصاعد أعمال المُقاومة ضدّها، وتفاقم الخسائر في صُفوفها، ووصولها إلى حواليّ ستّة تريليونات دولار.
الشّعب العِراقي لن ينسى مُطلقًا دِماء شُهدائه التي سُفِحَت على أيدي الأمريكيين، ولن يَغفِر 12 عامًا من الجُوع والمَهانة بسبب الحِصار الأمريكي، بعدها الغزو والاحتِلال وما أفرزه من مُحاصصةٍ طائفيّة وطبقة سياسيّة فاسدة نهبَت ثرواته، وربّما تكون الهجمات العشر التي انطَلقت اليوم هي مُجرَّد نُقطة البِداية للانتِقام.
الصّاروخ الأوّل الذي ضرب “عين الأسد”، والطّائرة المُسيّرة الأُولى التي ضربت القاعدة الأمريكيّة في مطار أربيل، والمُسيّرة الثّانية التي كادت تُفَجِّر السّفارة الأمريكيّة بالأمس، كلها مُجتمعة، أو مُتفرّقة، ربّما جاءت لتدمير مُفاوضات فيينا النوويّة أيضًا، وأعادت إيران، والمِنطقة، إلى مرحلة ما قبل الاتّفاق النووي إلى جانب إشعالها لفتيل المُواجهة الكُبرى في مِنطقة “الشّرق الأوسط”.. واللُه أعلم.