في مواجهة مشروع الفوضى الأميركيّة: هل يكون الحلّ بالحسم؟
العميد د. أمين محمد حطيط
في ظلّ ما تكشّف من أداء وسلوك أميركي في المنطقة بشكل عام وفي سورية والعراق ولبنان بشكل خاص، يبدو أنّ محور المقاومة يجد نفسه ملزماً مع حلفائه الدوليين وفي طليعتهم روسيا والصين، ملزماً باعتماد استراتيجية مواجهة تجهض المراوغة والمماطلة الأميركية وتفسد على أميركا اعتمادها لاستراتيجية الفوضى والحصار الاقتصادي الإجرامي الذي تطبقه على لبنان وسورية بشكل خاص.
فأميركا ورغم مضي ستة أشهر تقريباً على تولي بايدن الحكم خلفا لترامب ورغم مجاهرته بأنه جاء لينقض خطط سلفه في المنطقة يبدو أنّ شيئاً من المزاعم تلك لم يحصل لا بل أن أميركا في عهد بايدن تستمر بالعمل وبتشدّد أكثر بخطة بومبيو في لبنان، وبقانون قيصر في سورية مع المزيد من الدعم لقوات قسد الانفصاليّة في شرقي الفرات ومزيد من السرقة والسطو على ثروات سورية من النفط والقمح والمحاصيل الزراعية الأخرى، أما في العراق فإنّ سلوك أميركا في عهد بايدن لا يقلّ إجراماً عما كان عليه في عهد ترامب، وفي المحصلة يصحّ القول بأنّ الأداء الأميركي في الدول الثلاث يبدو أكثر عدوانية وتشدداً عما كان عليه في عهد ترامب.
بيد أنه قد يبرّر البعض هذه الاستمرارية بالقول إن بايدن وضع جدول أولويات لمعالجة الملفات الخارجية وإنّ قضايا الدول الثلاث تلك حجبتها راهناً ملفات أخرى اعتبرت بالمنظور الأميركي متقدمة عليها، خاصة أن بايدن يرى أنّ مسألة الانسحاب من أفغانستان ومسألة العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران ومعالجة هزيمة السعودية في اليمن مسائل تتقدّم على ما عداها خاصة أنه يرى إمكانية مواصلة التعامل معها وفقاً لما اعتمد في عهد ترامب بعد العام 2018 بحكم الاستمرارية، حيث وضعت لكلّ دولة خطة مشاغلة تقود إلى الفوضى وتمنع الاستقرار وتمنع العودة إلى الوضع الطبيعي، عملاً بمقولة أميركية كيدية خبيثة تقوم على القول «إذا لم نهزمكم فإننا لن ندعكم تستقرون أو تستثمرون انتصاراتكم».
وفي المحصلة ترتسم صورة المشهد هنا وبوضوح كلي بالقول إنّ أميركا التي قرّرت تخفيف وجودها العسكري في المنطقة عبر تنفيذ عملية إعادة انتشار فيها تمكنها من الانزياح الآمن إلى الشرق الأقصى مع الاحتفاظ بوجود مؤثر في الشرق الأوسط مع تقليص مساحات التعرّض لأعمال المقاومة التي تتحرك في الإقليم، أنّ أميركا بهذه السياسة تستطيع كما تظن أنّ تجرّ روسيا إلى حرب استنزاف، وتشغل الصين بتعقيدات تمنعها من الاستثمار الآمن والمريح. أيّ بصيغة أخرى تكون أميركا في حال استمرّت على ما هي عليه الآن من أداء عسكري وميداني وسياسي واقتصادي قد منعت المحور المنتصر في الحرب الكونيّة التي دارت رحاها خلال السنوات العشر الماضية، من استثمار انتصاره وحالت دون عودته إلى حياته الطبيعية لإطلاق عملية إعادة البناء بأيد محلية ودولية تكون روسيا والصين في طليعتها.
وهنا يكمن التحدي الكبير الذي يواجه محور المقاومة وحلف مكافحة الإرهاب الدولي عامة، وروسيا وإيران والصين خاصة من دون أن ننسى دور سورية ولبنان والعراق في مسألة المواجهة، تحدٍّ يفرض على مكوّنات هذا المحور السير قدماً في التصدي للفوضى والعدوان الأميركي المباشر أو المنفذ بأيدٍ إرهابية وتركية وإقليمية أخرى، وعليه نستطيع أن نتوقف في سياق هذه المواجهة الدفاعيّة عند أمور هامة تقود في حال تفعيلها إلى هزيمة العدوان الأميركي بصيغته الجديدة وعلى الوجه التالي:
1 ـ على صعيد منطقة إدلب في سورية: يبدو أنّ روسيا باتت اليوم أكثر تشدداً في دعم القرار السوري الاستراتيجي المتخذ باستعادة إدلب وتطهيرها من الإرهاب ولأجل ذلك تعمل مع الحكومة السورية وإيران على خطين متوازيين سياسي وعسكري عبر الدعوة إلى اجتماع في منصة استانة لوضع تركيا أمام مسؤولياتها وتخييرها بشكل نهائيّ بين التنفيذ الجدي لموجباتها في القرارات السابقة الصادرة عن استانة وسوتشي وموسكو، والتسليم بالعمل العسكري السوري المدعوم من الحلفاء وفي طليعتهم روسيا لإنهاء هذا الوضع الشاذ. وبات من المرتقب أن تكون ساعة تنظيف إدلب وتطهيرها من الإرهاب قد اقتربت بشكل لا إمكانية للمماطلة فيه بعد الآن خاصة أنّ التحشيد العسكري اللازم للمهمة بات في مراحله الأخيرة.
2 ـ على صعيد الاحتلال الأميركي والحالة الانفصالية الكردية شمالي شرق الفرات. يبدو أنّ أميركا عندما قامت بعدوانها على مراكز المقاومة والحشد الشعبيّ في المنطقة الحدودية السورية العراقية، لم تكن تتوقع أن يشكل عدوانها إشارة انطلاق لمقاومة كانت تتحضر للعمل ضدّ الاحتلال الأميركي للمنطقة تلك. كما أنّ أميركا تعاملت بنوع من الخفة والتبسيط مع حالات الرفض والاحتجاجات الشعبية والمعارضة المؤكدة التي يبديها الشعب السوري في تلك المنطقة رفضاً للاحتلال الأميركي ورفضاً للحالة الانفصالية الكردية. وأنّ تكرار قصف المراكز العسكرية الأميركية في حقل العمر النفطي لمرة ثانية خلال أقلّ من عشرة أيام من شأنه أن يشكل إنذاراً للأميركيين بأنّ هناك مقاومة رافضة وجودهم انطلقت على جانبي الحدود السورية والعراقية وأنّ المماطلة بالانسحاب من العراق والتلطي خلف داعش أو قسد لن يمنح أميركا واحتلالها شرعية الوجود في المنطقة.
3 ـ على صعيد الوضع اللبناني، قد يكون الوضع المعقد في لبنان هو الوضع الأشدّ حراجة ودقة وغموضاً في المشهد، فمن جهة تعتبر أميركا نفسها أنها فشلت في محاصرة المقاومة التي يقودها حزب الله الذي يستطيع كتنظيم وكمقاومين أن يقول إنّ التدابير الإجرامية الأميركية المنفذة بموجب خطة بومبيو لم تنل من المقاومة في شيء، ومن جهة مقابلة نجد أنّ الحصار الأميركي المنفذ وللأسف بأيدٍ سياسيين وإداريين وموظفين لبنانيين، دفع لبنان إلى مشارف الفقر والعوز والمجاعة التي قد تؤدي إلى فوضى اجتماعية وأمنية خانقة، إلى حدّ قد يطرح فيه مصير لبنان ككلّ. وحتى لا تنجح أميركا في خطتها في لبنان يبدو أن روسيا وإيران تحركتا للمساعدة لكن المأساة تكمن في لبنان وتتجسّد في سلوك مَن يعتبرون مسؤولين عن القرار ومن غريب الأمور أن يرفض هؤلاء المسؤولون المساعدة الحقيقية الفاعلة التي تعرض عليهم ويستمرون وبشكل إجرامي منقادين للخطة الأميركية التي تدمّر لبنان. وهنا يرى البعض أنّ روسيا وإيران قد تبادران بشكل غير تقليدي للمساعدة باعتبار ذلك جزءا من المواجهة مع أميركا.
وعليه يرى محور المقاومة والتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب أنّ الفرصة مؤاتية اليوم لقطع الطريق على أميركا في نشر الفوضى ومنع استقرار المنطقة، وأنّ الظروف اليوم باتت أكثر ملاءمة لقرارات الحسم وإنهاء بعض الملفات للحؤول دون الاستدراج إلى حرب الاستنزاف التي تجهض الانتصارات التي تحققت في خلال المواجهات في إطار الحرب الكونية، وأن أميركا تخشى من وضع قرارات الحسم تلك موضع التنفيذ القريب والسريع ولذلك تقوم بالمراوغة والتهويل لمنع التنفيذ وما الترويج لاستعادة تلفيق مسرحيّة كيماوي جديدة في إدلب إلا دليل على الخشية الأميركيّة تلك والسعي إلى منع العمل العسكري السوري الحاسم الذي يستعيد المنطقة من الإرهاب والاحتلال التركي. كما تخشى أميركا تنامي المقاومة لاحتلالها في شرقي الفرات لذلك تحاول أن تستعرض عضلاتها التي تظن أنها قد تخيف المقاومة ولكن الظن الأميركي في واد والعمل المقاوم المتصاعد في واد آخر، ويبقى لبنان وللأسف ميدان الحركة الأميركية المريحة في ظلّ وجود من ينفذ الخطة الأميركية الإجرامية على حساب الشعب ولقمة عيشه…