التصعيد الإسرائيلي الأخير تهديد للمفاوضات والتهدئة الهشة.. حرب جديدة مع فصائل المقاومة ستكون أشد فتكاً وستهدد أمن إسرائيل ووجودها
فاطمة عواد الجبوري
ها قد تلاشت أوهام من كان يعتقد بأن “نفتالي بينيت” أفضل من نتنياهو، أو أن تغيير رئيس الوزراء الإسرائيلي سيغير من موقف إسرائيل تجاه الفلسطينيين أو قطاع غزة. الهجمات التي شنتها إسرائيل ليل الجمعة تشكل خرقاً واضحاً للهدنة التي تم الاتفاق عليها في أعقاب حرب الأحد عشر يوماً. كما تعتبر رداً غير متناسب ضد البالونات الحارقة التي تمّ إطلاقها من قطاع غزة.
بالطبع ينظر إلى هذه الخروقات الإسرائيلية على أنها تهديد مباشر للمفاضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس والتي تجري بوساطة القاهرة.
لفهم هذا التصعيد الأخير ينبغي العودة إلى ورقة تحليلية مطولة كتبها أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران الدكتور “إبراهيم متقي”. يتحدث متقي عن أنّ منظروا الأمن الدولي الواقعيون يرون أن مسألة “تغير ميزان القوى” عامل رئيسي في العديد من الحروب. ومن هذا المنطلق يمكن فهم التصعيد الإسرائيلي الأول في مايو الماضي والثاني خلال ليل الجمعة على أنه فهم واضح من إسرائيل بتغير ميزان القوى لصالح فصائل المقاومة الفلسطينية.
فصائل المقاومة التي قامت وبصمت بتطوير أنظمة صاروخية على المستوى الهجومي والدفاعي، غيّر من ميزان القوى في الأراضي المحتلة لصالح الفصائل. وهو ما دفع إسرائيل لشن عملية عسكرية “خاطفة” لضرب هذا المخزون الهائل من الصواريخ، إلا أنها تفاجئت بآلاف الصواريخ تمطر على مدنها دون أن تسطيع تدميرها أو تحييدها عن أهدافها. إسرائيل لم تستفق بعد من هذا الكابوس الذي أرّق ليلها لتتجه إلى التصعيد مرة أخرى ضد القطاع.
كما يوضح إبراهيم متقي نظرية “جز العشب” التي يروّج لها الإسرائيليون بين الفينة والأخرى. هذا المصطلح الرائج في إسرائيل يعني عمليات الاعتقال والاتهداف المباشر لعناصر المقاومة. رئيس الوزراء الجديد وخلفه كذلك، كلاهما يؤمنان بهذه النظرية فعلى سبيل المثال دعا “بينيت” قبل سنوات عندما كان وزيراً للتربية والتعليم دعا إلى عملية جز عشب جديدة في قطاع غزة، وتحدث بينيت آنذاك عن أن إسرائيل كانت مخطئة عندما غادرت قطاع غزة نهائياً.
يجد الإسرايليون اليوم أنفسهم عاجزين عن القيام بعملية ناجحة واحدة في قطاع غزة، ولذلك يتجه رئيس الوزراء الحالي لحفظ ماء الوجه عن طريق عمليات انتقامية جبانة رغبة منه لدفع المفاوضات إلى الأمام وإدخال ملف تبادل الأسرى على طاولة المفاوضات مع حماس، علّ الإفراج عن بعض المعتقلين الإسرائيليين يحفظ ماء وجههم المسكوب عقب الهزيمة الأخيرة.
لا يجب أن نغفل عن أن هناك أهداف استراتيجية من عمليات التصعيد ضد القطاع وهي أهداف أشار إليها كذلك متقي خلال مقاله. إذ تحدث الرجل عن أن عمليات طرد الفلسطينيين من بيوتهم وتهجيرهم يهدف إلى أن تكون تجمعات الفلسطينيين عبارة عن كانتونات صغيرة للغاية لا تربط بينها أي هوية مشتركة أو تاريخ. كما تسعى إسرائيل إلى التوسع في عمليات بناء جدران فصل عنصري وذلك للسيطرة على الموارد المائية الفلسطينية وفصل هذه الموارد عن الوطن الأم فلسطين وفي تاريخ إسرائيل واحتلالها لبحيرة طبرية خير دليل على ذلك. إن السيطرة على الموارد المائية الفلسطينية قد يدفع العمالة الزراعية الفلسطينية للتخلي عن الزراعة والتوجه نحو الصناعة. وهذا بالضبط ما تحاول إسرائيل فعله إذ أنها تحاول تحويل العمالة الفلسطينية إلى عمالة تعمل داخل إسرائيل وعليه فإنه تمارس أقسى أنواع الظلم تجاه العمال الفلسطينيين.
أخيراً، التصعيد الأخير من قبل إسرائيل قوبل بتهديد قوي من قبل حماس وهو تهديد بقلب الطاولة والتخلي عن الهدنة والانخراط في عملية عسكرية جديدة أكثر فتكاً وأكثر ديمومة وتدميراً ستندم إسرائيل ألف مرة على مجرد التفكير بعواقب هذه العملية. ينبع تهديد حماس هذا من فهم للواقع والدعم الذي تحظى به فصائل المقاومة عربيا وفلسطينياً. فهم يدركون اليوم بأنّ الشعوب العربية وأهلنا في الأراضي المحتلة يدعمون أي تحرك مشرّف للمقاومة ضد الغطرسة الإسرائيلية.