الرئيس الألماني يتجاوز كُلّ الخُطوط الحمراء بانحِيازه إلى جرائم الحرب الإسرائيليّة.. لماذا نعتبر الدولة الألمانيّة شريكةً في “الهولوكوست” الفِلسطيني أيضًا؟ وكيف اتّفقت السّلطة “المُعتدلة” وحماس “المُتشَدِّدة” على إدانتها؟
تعيش الدّولة الألمانيّة عُقدة ذنب تاريخيّة تُجاه اليهود بسبب الجرائم الوحشيّة التي ارتكبتها بحقّهم، وتمثّلت في الهولوكوست، أو المحرقة، ودفعت ما يَقرُب من 150 مِليار دولار كتعويضات لدولة إسرائيل على مدى الـ 75 عامًا الماضية، ولكن هذا الضّمير الإنساني الحيّ الذي يتعاظم لدى مُعظم المسؤولين فيها تُجاه هذا الملف “يتجمّد” و”يتبخّر” ويتحوّل إلى النّقيض عندما يتعلّق الأمر بالمجازر الإسرائيليّة وجرائم الحرب التي ترتكبها حُكومة تل أبيب وجيشها في قِطاع غزّة أو في مناطق فِلسطينيّة أو سوريّة أو لبنانيّة.
ألمانيا، إلى جانب دول أوروبيّة أُخرى على رأسها بريطانيا، ارتكبت جريمةً أكبر من “الهولوكوست” في رأينا عندما عملت على التّكفير عن جرائمها هذه تُجاه اليهود بتسهيل هجرتهم إلى فِلسطين المُحتلّة، وإقامة دولة لهم على حِساب شعبها، والأكثر من ذلك، انقلبت عدوًّا شَرِسًا ضدّهم على مدى السّبعين عامًا الماضية وباتت الدّاعم الأكبر للعُدوان والاستِيطان وتدمير البيوت الفِلسطينيّة فوق رؤوس أهلها في غاراتٍ تشنّها الطّائرات الإسرائيليّة بصُورةٍ شِبه مُنتظمة.
عندما تلتقي السّلطة الفِلسطينيّة “المُعتدلة” المُعترفة بدولة الاحتِلال الإسرائيلي، المُنَسِّقة أمنيّةً معها، وتُعارض أيّ عمل مُقاوم لحلّ القضيّة الفِلسطينيّة مع “حماس” التي تُشَكِّل نقيضها، أيّ السّلطة، وتُطالب بتحرير كُل فِلسطين من النّهر إلى البحر على أرضيّة إدانة واستِهجان تصريحات الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير التي قال فيها بعدم صلاحيّة محكمة الجنايات الدوليّة في التّحقيق في جرائم إسرائيل في قِطاع غزّة والضفّة الغربيّة، فإنّ هذا يعني أنّ الدّولة الألمانيّة لا تنتهك قوانين الشرعيّة الدوليّة ومُنظّماتها فقط، وإنّما تُصِر على مُعاداة الشّعب الفِلسطيني الضّحيّة بكُلّ أطيافه، المُعتَدلون والمُتَشدِّدون معًا، ومن مُنطلقات غير إنسانيّة وغير أخلاقيّة.
الدّولة الألمانيّة تُعادي العرب والمُسلمين وقضاياهم العادلة لتجنّب إغضاب الإسرائيليين، فهي لا تتردّد لحظةً في اعتِبار قصف الطّائرات الإسرائيليّة للمدنيين في قِطاع غزّة، وتدمير أبراج سكنيّة أحدها مُخَصَّصٌ لمكاتب الصّحافة العالميّة، وتقتل 260 إنسانًا في مدينةٍ مُحاصرة مُجَوَّعة بينهم 66 طِفْلًا، تعتبر كُلّ هذه الجرائم دِفاعًا عن النّفس، وتضع حركة “حماس” على قائمة الإرهاب، وتَرفُض أيّ حِوارٍ معها.
لا نُنكِر في هذه العُجالة إيواء ألمانيا لبعض اللّاجئين العرب والمُسلمين، وإكرام وِفادَتهم، ولكن هذا لا يجعلنا نغضّ النّظر عن “الإثم الأكبر” وهو دعم الجرائم الإسرائيليّة وانتِقاد محكمة الجنايات الدوليّة التي تَضُم قُضاة ومُحقّقين عالميين معروفين بحِيادهم وإنسانيّتهم ومهنيّتهم، لأنّها قرّرت فتح مِلفّات هذه الجرائم، وتقديم مُرتَكبيها إلى العدالة.
نَضُمّ صوتنا في هذه الصّحيفة إلى أصوات المُتحدّثين باسم السّلطة وحركة “حماس” في إدانة واستِهجان هذا الموقف الألماني الرّسمي المُنحاز للعُدوان وجرائم الحرب، وتعطيل مسار العدالة الدوليّة ضدّ مُجرمي الحرب الإسرائيليين، ونُنبّه الحُكومة الألمانيّة إلى مخاطر هذه السّياسات وانعِكاساتها السّلبيّة على مصالحها في عالم عربيّ وإسلاميّ تِعداده ما يَقرُب من ملياري شخص، ويَقِف على حافّةِ نهضةٍ شاملة.
“رأي اليوم”