ملحمة تتوسط اللامتوازنات
حسين شريعتمداري
1 ـ تصوروا عربة تسير بسرعة 120 كيلومترا في الساعة في طريق معبد مخصص للطرق السريعة وان لم تؤشر لوحات المرور بعدم اجتياز الحد المقرر من السرعة لكانت تزيد هذه العربة من سرعتها، فان كانت نفس العربة تسير في طريق جبلي متعرج غطته الثلوج!
فهل يتوقع اي عاقل ان تسير العربة بسرعة 120 كيلومترا في الساعة؟! ففي هكذا طريق لا يجرؤ حتى السائق على خوض مغامرة الاجتياز وحتى لو افترضنا ان يقبل احدهم التغامر فلا يزيد من سرعته العشرين كيلومترا في الساعة، وان اراد ان يوصل سرعته الى اربعين او خمسين كيلومترا في الساعة، الا يعتبر ذلك محاولة ليست بالمعتادة وان مهارته موردثناء؟!
كذلك ينبغي ان نضع المشارك في الانتخابات الرئاسية لعام (1400 ش) ضمن هذا اللاتوازن. وهنا لدينا الكثير لنقوله، ونقرأ منه؛
2 ـ ان انتخابات عام (1400 ش) اشبه ما تكون بحرب الاحزاب في صدر الاسلام. اذ تكالب الاعداء باجمعهم في حرب الاحزاب على الاسلام، فاتفقوا على تأجيل ما بينهم من خلافات جمة ليحشدوا طاقاتهم في مواجهة الاسلام الغض حينها، لا لشيء إلا لان الاسلام يأبى الضيم ويعتبر الظلم عدوه الاول، فاجتمعت كلمة الجميع؛ من مشركين و كبار القوم مالكي العبيد والى اليهود واتباع الديانات الاخرى، ولدحر الاسلام جندوا عساكرهم صوب المدينة التي كانت حاضرة الاسلام الاولى.
ولم يكن يتوقع احد حينها ان يتحد المشركون عبدة الاصنام مع جماعات من اليهود يعبدون الله، رغم الاختلاف البين بينما، الا انهم اتفقوا!
وقبل عامين من انتخابات عام (1400 ش) تشكل تحالف من اعداء الاسلام والثورة. فامتلات الواجهة بمسؤولين ووسائل اعلام اميركية وارووبية وصهيونية والصحف الصفراء لدول عربية والعديد من الدول الاقليمية، وفصائل واحزاب معادية للثورة ومن أذيالهم في الداخل و... لتنهال دعاياتهم واعلامهم ضد انتخابات عام (1400 ش)، فيما لم يفوتوا فرصة الضغط على الشعب لبث روح اليأس والجزع من النظام.
3 ـ ان نظرة عابرة لهذا الحشد من العداء وامتدادات الاعلام المحبط للتحالف المذكور يعكس لنا كم هي المسافة بين هذا التهاجم مقارنة مع حالات تشبهها من قبل حجما ونوعا.
ويمكن القول بوضوح ان التحاليل والتفاسير التي صدرت عن وسائل الاعلام الغربية والعبرية والعربية، وتصريحات المسؤولين الرسميين لهم بخصوص انتخابات عام (1400 ش) اوسع بمرات من التصريحات التي تصدر حول انتخابات دولهم. فلماذا ؟! وليست الاجابة بالصعبة، فايران التي كانت قبل الثورة تعرف كدولة جنوب الاتحاد السوفياتي، بلغت اليوم القمة الشماء. فبالامس قال السيناتور "ليندسي غراهام" بقلق: "ان ايران تريد اخراجنا من سورية والعراق".
فيما شدد معهد "اميركان اينتر برايز" على عدم اتخاذ اي خطوة في المنطقة دون اخذ وجهة نظر ايران و... وهكذا تمرالانتخابات (1400 ش) وسط بركان من الاعلام المضاد الذي لم نشهده من قبل.
4 ـ ان السيد روحاني يقول بخصوص معدل المشاركة الشعبية في الانتخابات: "لا ينبغي ان نرجع علة عدم حضور الشعب للوضع المعاشي" ويترك السؤال معلقا دون اجابة، اذ كيف نغمض اعيننا عن عشرات (بل المئات) من مشاكل الوضع المعاشي والتي سطرتها حكومته لثمان سنوات على الشعب وانعكاس ذلك على حضور الناس وبرودهم في المشاركة؟! ولماذا وعد جميع المرشحين ـ دون استثناء ـ في مناظراتهم وحملاتهم الانتخابية بالسعي الحثيث لرفع مشاكل الناس الحياتية؟! فان لم تكن المشاكل المعيشية الحادة فلماذا يعدون برفعها، وان لم يكن لها الدور في عزوف الناس في المشاركة، فلماذا يشددون على رفع مشاكل الناس بدعوتهم للحضور الفاعل؟!
5 ـ ان الغلاء المستشري وارتفاع سعر البضائع والخدمات الضرورية للشعب، واغلاق مئات المصانع ومراكز الانتاج، وتراجع قيمة العملة الوطنية عشرات المرات، مصادرة المفسدين لثلاثين مليار دولار من العملة وستين طنا من الذهب، تصاعد سعر السكن ثمانية اضعاف وهبوط مرتبة ايران الاقتصادية ستة درجات من المرتبة 18 بين اقتصادات العالم. وكسر رقم قياسي في التضخم وانتشار الفقر والبطالة والتفاوت الطبقي اغلاق منشآت نووية، وليس لم يتم الايفاء بالغاء العقوبات وحسب بل اضيفت المئات امثالها. وفيما كان من الضروري ان تصب السيولة النقدية في حلبة الانتاج وتؤدي لتوفير فرص العمل ارتفعت القيمة من 430 الف مليار الى 3700 الف، وتحول البلد من الاكتفاء الذاتي في انتاج القمح واللحوم الحمراء والطيور الى استيراد هذه المفردات الضرورية لمعيشة الناس و... انه لامر بديهي ان يستتبع هذا الحجم من المشاكل عزوف الشعب عن المشاركة الانتخاباتية.
6 ـ يعلن موقع www.idea.net التابع للمؤسسة العالمية للديمقراطية والمشاركة الانتخاباتي IDEA، بمراجعة معدل المشاركة في انتخابات 15 دولة اوروبية وآسيوية، خلال الاعوام 2020 ـ 2021، حيث العالم يعاني وباء كورنا، ان معدل المشاركة في اغلب هذه الدول قد تراجع تحت 50%، ورصد معدل تاثير كورونا في خفض المشاركة الى 40/14%. من هنا اذا وضعنا متوسط تاثير وباء كورونا على الانتخابات (وليس 25 و30% على الاكثر نصل الى نتيجة مفادها ان معدل المشاركة في انتخابات رئاسة الجمهورية (1400 ش) كانت 2/63% (40/14 + 8/48).
7 ـ وينبغي الاخذ بالحسبان المشاكل التي انبثقت
جراء التحضيرات اللازمة للانتخابات في اخذ الرأي من الناخبين، كالتاخير في البدء بأخذ الآراء في بعض مراكز التصويت، او الهجمات الوحشية لجماعات ارهابية على الناخبين الايرانيين خارج البلد.... و... ولنخرج بتقييم نهائي من الضروري القاء نظرة الى الجانب الاخر من القضية، لنقرأ؛
7 ـ مجموعة الاعداء الصغار والكبار المشار إليهم اثناء المقال، وبعد الفشل في حظر الانتخابات وما تلقوه من صدمة جراء النتائج التي تمخضت عنها، صاروا يعزفون على وتر آخر، مدعين ان من لم يشارك في الانتخابات هم معارضو النظام!
وهنا لابد من القول؛
الف: في جميع انحاء العالم نجد عزوفا عن المشاركة في الانتخابات بمعدل 30 الى 40% من يحق لهم التصويت، فهل هؤلاء نصنفهم من معارضي النظام الحاكم في بلادهم؟!
باء: ان الكثير من التذمر ناجم من تصرفات المسؤولين وبرامجهم التنفيذية والمراكز التي لها علاقة بعيشة الناس. وهنا فان التشكي من المسؤولين والمراكز المعنية وليس من النظام المشاراليه.
جيم: وما هو تفسير هؤلاء المدعين بخصوص حضور عشرات الملايين من الشعب في تشييع الجثمان الطاهرة للشهيد سليماني، اليس قائد القلوب هو الرمز البارز للجمهورية الاسلامية الايرانية؟!
دال: كما ولا نصنف عدم اعطاء البعض للرأي سواء من لم يتمكن او من لم يشأ الادلاء بصوته، في خانة مقاطعة الانتخابات او الاصطفاف مع الاعداء الواضحين. وانما هنالك العديد من العلل ستكون السبب في حصولها.
8 ـ لو اغضينا النظر عن الفصائل المناهضة للثورة التي لا تحسن الا لحس صحون الاعداء في الخارج، وبعض ازلامهم في الداخل الذين اقاموا الدنيا ولم يقعدوها، لطرح انفسهم، فان الاعداء المعروفين في الخارج يعلمون جيدا ان انتخابات (1400 ش) كانت ملحمة كبيرة وخالدة، اذ ان مكسبها الاساس التفات الشعب للمبادئ التي نسيت بعض الشيء وبداية مرحلة جديدة من سيادة الشعب الدينية بجميع خصوصياتها الباعثة للحياة. ومن شعبها المكافحة الدؤوبة مع الفساد الاقتصادي والتهاون والتذمر من العمل وسوء استغلال الموقع الاداري، والمواجهة مع هيمنة المترفين و...
وقد برهن رئيس الجمهورية المنتخب ببرنامج عمله الناجح، برهن بوضوح انه قاطع هذه المسيرة.
وخلاصة القول في التماهي والتطابق مع قائد الثورة الحكيم، الذي قال: "ان هذه الانتخابات كانت ملحمة بحق، انها ملحمة الشعب بالمعنى الحقيقي للكلمة لقد سطروا ملحمة وهنالك مساع، هناك من يكتب الرسائل ومن يدون على مواقع التواصل لينكروا عظمة هذه الانتخابات ولكن لا فائدة من ذلك فهذه المساعي عقيمة".