kayhan.ir

رمز الخبر: 132448
تأريخ النشر : 2021June09 - 20:19

نتنياهو على خطى ترامب.. سقوط سياسي فأزمة داخلية فمحاولة ترميم الصدع

 

علي عبادي

تعيد التطورات الأخيرة في الكيان الصهيوني النقاش حول مدى تأثر هذا الكيان بالسياسة الأميركية والمتغيرات الداخلية في الولايات المتحدة. فمنذ سقوط ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، بدأ العد العكسي لسقوط نتنياهو -الرديف الاسرائيلي لشخصية ترامب- ولو أن الأول تمكن من إعادة إنتاج زعامته من خلال ثلاث دورات انتخابية متتالية وأعدّ العدة لدورة رابعة بهدف تحصين موقعه من المحاكمة في قضايا فساد واحتمال إزاحته من المشهد السياسي عبر ائتلاف حزبي منافس. غير ان ألاعيب نتنياهو لم تصمد أمام نتائج الحرب الأخيرة مع غزة والتي قلبت المناخ السياسي في كيان الاحتلال، الى درجة تحميل حكومته وزر فقدان الردع مع غزة وضعفه في التعامل مع المقاومة وقدراتها المتنامية.   

ينبغي أن نلحظ أن هناك تشابهاً نسبياً في أحداث الساحتين الأميركية والاسرائيلية:

فمن جهة، أدى غلوّ اليمين الأميركي على الصعيد الداخلي الى انقسام خطير ولّد رغبة عارمة لدى كل مناهضي ترامب (وبعضهم من أعضاء الحزب الجمهوري) في التخلص منه عبر صناديق الاقتراع، فكان التصويت الغالب احتجاجياً على سياسات اليمين المتطرف (الذي يمثله ترامب) أكثر مما كان تأييداً لمنافسه بايدن وبرنامجه الانتخابي. وفي الساحة الاسرائيلية، أدت سياسات اليمين الى استقطابات داخل المجتمع الصهيوني ليس بين يسار ويمين، بل داخل اليمين نفسه، وظهرت قناعة على نطاق واسع بأن نتنياهو  يتشبث بالسلطة بأي ثمن حتى لو أدى ذلك الى حرب أهلية، مستعيناً في ذلك بالأحزاب الدينية الصهيونية التي تتبادل معه الخدمات الانتخابية والمنافع الحكومية.

ومن جهة أخرى، حدث في ما مضى ترابط بين شخصيتي ترامب ونتنياهو تمظهر في تماهٍ غير مسبوق بين التوجهات السياسية للجانبين في قضايا عديدة. وشجع سقوط ترامب في الولايات المتحدة العديد من الساسة الإسرائيليين على التفكير في التخلص من حليفه الأوثق نتنياهو، لكنهم لم يكونوا يملكون الطاقة الكافية لتوحيد صفوفهم. وجاءت المواجهة الاخيرة مع الفلسطينيين لتكشف ضعف بنية الكيان وسياسات حكومة نتنياهو، فكان التوجه لدى عدد من القوى الحزبية هو التضحية به كبشَ فداء على قاعدة الحفاظ على السياسات اليمينية المهدَّدة أمام نهضة فلسطينية عارمة من جهة، والتناغم مع السياسات الأميركية قدر الإمكان من جهة اخرى. وبذلك، يتم إنقاذ برنامج اليمين الصهيوني الاستيطاني وتسقط محاولات نتنياهو تعريض التحالف مع الولايات المتحدة للاهتزاز بفعل معارضته عودتها للاتفاق النووي مع ايران.  

محطات افتراق

كلا المجتمعين الاميركي والاسرائيلي يعاني من انقسامات سياسية وأيديولوجية وعرقية لم تعد خافية. وكلا المجتمعين يحتاج الى امتصاص التوتر بين وقت وآخر عبر تغيير في أعلى الهرم. هذا أمر، وأمر آخر ملحوظ هو أن "إسرائيل" لم تنجح طويلاً في الابتعاد عن مقتضيات المصالح الأميركية في المنطقة. ومن دون تعليق أي أمل على تباعد كبير بين الجانبين، نلاحظ نوعاً من الفتور شابَ هذه العلاقات في ثلاث محطات رئيسة خلال العقود الثلاثة الماضية:

الأولى: مع اطلاق مؤتمر مدريد للتسوية في المنطقة بداية تسعينيات القرن الماضي على أثر الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في الكويت، حين اعترضت حكومة اسحاق شامير (من الليكود) على مبدأ اقامة دولة فلسطينية مستقلة، لكن حاجة الكيان للدعم المالي الاميركي لاستيعاب المهاجرين اليهود من الاتحاد السوفياتي وغيره دفعه الى التخفيف من اعتراضاته واشتراطاته، وتمكنت واشنطن عبر ضمانات قروض بعشرة مليارات دولار من ترويض السياسة الاسرائيلية لحساب مصالحها الأوسع، ومن ثم تُرجم ذلك بإزاحة شامير من المشهد الاسرائيلي وجاء اسحاق رابين (من حزب العمل) ليقود مسار أوسلو مع ما أصبح لاحقاً سلطةً فلسطينية على غزة وأريحا. مع الإشارة الى أنه بعد اغتيال رابين عام 1995، تراجعت قدرة الأحزاب الصهيونية الأكثر انسجاماً مع السياسات الأميركية على الاستقطاب وتنامت قاعدة الأحزاب اليمينية المتطرفة التي ترفض فكرة "حل الدولتين" أو تجميد الاستيطان، لا سيما بعد الهجرات الكبيرة من الاتحاد السوفياتي السابق وغيره، وهذا ما أدى الى تغيير في بنية المجتمع الصهيوني وفي تركيبة حكوماته المتلاحقة.

المحطة الثانية: عرقلة نتنياهو محاولات إدارة باراك أوباما إحياء مسار المفاوضات مع السلطة الفلسطينية على أساس تجميد الاستيطان في الضفة الغربية، ومن ثم توجهها لإبرام الاتفاق النووي مع ايران عام 2015، والذي اعترض عليه نتنياهو علانية ومن داخل الكونغرس الاميركي في خطابه الشهير. بيدَ أن تشتت الاحزاب الإسرائيلية المنافسة لنتنياهو لم يسمح بإجراء تغيير متناسب مع السياسة الأميركية الإقليمية، وجاء ترامب الى السلطة عام 2016 ليحيي آمال نتنياهو بتغيير لم يكن يحلم به في التوجهات الأميركية على غير صعيد (نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس، الاعتراف بالسيادة الاسرائيلية على الجولان، دعم الاستيطان في الضفة الغربية، قطع التمويل عن وكالة الأونروا المهتمة باللاجئين الفلسطينيين، إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وتشجيع التطبيع الاسرائيلي مع دول عربية بمعزل عن الفلسطينيين). وكان هناك تغيير أميركي موازٍ تمثل بنقض ترامب الاتفاق النووي مع ايران.

 المحطة الثالثة: مجيء بايدن للسلطة في واشنطن والذي عدّل في التوقعات الاسرائيلية. ولا يتوقف الأمر هنا عند حدود بعض الاختلاف في حدود التأييد التقليدي لـ "إسرائيل" بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة. فالحقيقة أن هناك تغييراً بدأ يُلحظ في المزاج الأميركي العام، وثمة جيل سياسي جديد في أميركا وداخل الحزب الديمقراطي أكثر ليبرالية من سابقه ولا يمحض "إسرائيل" التأييد المطلق، ولا يستطيع أن يهضم التفكير اليميني الإسرائيلي بمنع إقامة دولة فلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في العيش على أرضه ضمن حدود معترف بها دولياً. فالسردية الإسرائيلية التي استولت على عقول النخبة الأميركية طيلة عقود بشأن حق اليهود وحدهم في إقامة دولة قومية يهودية أضحت أقل جاذبية في نظر الكثير من الأميركيين. علاوة على ذلك، فإن النشاط المؤيد للفلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي تمكن من اختراق حواجز الإعلام التقليدي المؤيد لـ "إسرائيل"، ولم تتمكن قيود فيسبوك وتويتر من كبح هذا النشاط الذي ظهر على نحو جلي إبان العدوان الاسرائيلي الأخير، وحقق استقطابات هامة باللغة الانكليزية ولغات غربية أخرى.

كما ان إيلاء ادارة بايدن العودة الى الاتفاق النووي مع ايران أولوية خاصة شكّل افتراقاً عن توجهات حكومة نتنياهو الذي بدأ بالتلويح بالتحرك من دون التوافق مع واشنطن، وهو تلويح لا يلقى تقديراً ليس في الولايات المتحدة فحسب، بل وداخل أوساط اسرائيلية تخشى من التفريط بالتحالف الإستراتيجي مع أميركا.

العودة الى بيت الطاعة

بعد هذه المحطة الثالثة، تعود "إسرائيل" مجدداً الى ما يمكن تسميته "بيت الطاعة" الأميركي أو التكيف مع المصالح الأميركية الكبرى، وهذه العودة مبنية على قاعدة عدم التصادم مع السياسات الأميركية وضروراتها الإقليمية في التعامل مع ايران النووية تحديداً، وتخفيف الاحتكاك والتباين مع الادارة الاميركية في التعامل مع الملف الفلسطيني الملتهب هذه الأيام، لكن ليس بالضرورة على حساب التوجهات اليمينية في مشروع الاستيطان الذي يُعد جوهر المشروع الصهيوني. تلاقت المصلحة الأميركية الرسمية ومصلحة إسرائيلية حزبية داخلية في إزاحة نتنياهو من المشهد. وستستغل الإدارة الاميركية هذا التغيير لمحاولة إحياء المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال بهدف نزع الشرعية عن المقاومة الفلسطينية والمحور الذي يساندها في المنطقة، وستقدم واشنطن حوافز هامة لحكومة اليمين الصهيوني المقبلة برئاسة بينيت لكي تسمح بحدوث تقدم في مسار التفاوض. وهنا ستبرز معوقات جديدة من خلفاء نتنياهو الذين يتبنون علناً نهجاً متشدداً حيال حقوق الشعب الفلسطيني، خاصة في ما يتعلق بإخلاء بعض الأراضي المحتلة أو تجميد الاستيطان او إقامة الدولة الفلسطينية، وهذا سيعيد الأمور لاحقاً الى الحلقة المفرغة السابقة على صعيد المفاوضات.

ولا بد من الإشارة الى ان إدارة بايدن ليست مطلقة اليد في املاء سياساتها على "إسرائيل"، خاصة في ظل التناقضات داخل البيئة السياسية الاميركية وداخل الحزب الديمقراطي نفسه. لكن حاجة "إسرائيل" الماسّة الى  دعم الولايات المتحدة هي حاجة وجودية من أجل تحمل الضغوط والحفاظ على التفوق العسكري النوعي، ما سيدفع الحكومة الإسرائيلية المقبلة الى تقليل الاحتكاكات العلنية مع أميركا بهدف تجاوز تحديات هذه المرحلة.

من المهم في الختام مراقبة مدى نجاح الحكومة الصهيونية المقبلة في:

- إدارة التوتر الداخلي المصحوب بتهديدات بالتصفية الجسدية داخل صفوف اليمين.

- إدارة المواجهة العسكرية مع قطاع غزة.

- إدارة التباينات مع الادارة الاميركية في الملف الفلسطيني والملف النووي مع ايران.

وعلى الصعيد الأميركي، من المهم ملاحظة مدى قدرة الإدارة الأميركية على:

- تمرير الاتفاق مع ايران بدون ارتدادات من داخل الكونغرس وأوساط المحافظين الأكثر التصاقاً بالمصالح الإسرائيلية.

- التعامل مع الملف الفلسطيني الشائك بوجهيه العسكري والسياسي، على ضوء نتائج المواجهة الاخيرة التي أعْلت من كلمة المقاومة الفلسطينية.