هؤلاء ليسوا بشر .. عن ايران اتحدث
عصري فياض
عن الايرانيين أقصد ،نعم،عن الجمهورية الاسلامية ،منذ اثنين وأربعين عاما،وهذه الثورة الفريدة،تضحي وتقدم وتصبر وتتحمل،لتبقى محافظة على وفائها لمبادئها القائمة على نصرة المظلوم والوقوف في وجه الظالم أينما كان وحيثما كان، وذلك استنادا وانطلاقا من الفكر الثوري الاسلامي المستمد من القرآن وتراث وجهاد آل البيت عليهم السلام .
وعندما أعنون هذا المقال بعبارة ” هؤلاء ليسوا بشر ” أعني فيه بُعْدِهِ الاعلى والاسمى،فلا تكاد توجد دولة حتى لو كانت ثورية أو معادية للاستكبار العالمي أو الاستعمار،تقف وتقدم دعما سخيا في كل مجالات الدعم المالي والتسليحي والتقني والخبراتي والاغاثي وغيره للحركات المناضلة التي تمثل الشعوب المظلومة دون مقابل، ودون دخول المصالح المتبادلة على الخط سواء كانت الانية أو المنتظرة إلا إيــــــــــران..
فهذه إيـــــــــــران، التي كان من أسباب ومسببات إندلاع ثورتها الحديثة ضد حكم الشاه البائد، وتَكَّوُنْ نظامها الحديث المتمثل بجمهوريتها الاسلامية،هو موقف الشاة من ” إسرائيل “، وأمريكيا الداعمة ” لإسرائيل”، بالرغم من الاختلاف المذهبي بين الايرانيين الذين يدينون بالمذهب الشيعي الجعفري الاثنى عشري بمعظمهم وبغالبيتهم الساحقة ، وبين الشعوب العربية في فلسطين ولبنان وسوريا التي تدين بغالبتها بالمذاهب السنية الاربع، وبالرغم من الاختلاف العرقي القومي بين الحضارتين العربية والفارسية بالرغم إنصهارهما في الاسلام في حقب وأزمنة ممتدة على مدرى الف واربعماية عام تقريبا، إلا انها منذ ايام إنتصارها في العام 1979،وهي لا تنفك عن الصدح بالوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني،فعندما وصل الامام الخميني المظفر لطهران عائدا من منفاه في فرنسا،سألوه عن وجهته التالية فقال:فلسطين، وقال مقولته الشهيرة ” أتمنى نيل الشهادة خلف مدفع رشاش في صفد “، ولم يكن قولا عاطفيا،بل كان الواقع يعكس هذا التوجه،فسفارة ” اسرائيل ” قبل الثورة،أصبحت سفارة لفلسطين بعد الثورة ، وهي أول سفارة لفلسطين على وجه الأرض كما أن زيارة القائد الفلسطيني الراحل لطهران بعد ايام من انتصار الثورة،وما قاله هناك خاصة تصريحة الشهير “ان الثورة الفلسطينية الان أصْبح لها عمق من طهران حتى صور”، وما تلى الزيارة من تدفق الالف المتطوعين الايرانيين لمعسكرات “فتـح ” في سوريا ولبنان،وتبني خلق تنظيم لبناني مقاوم من الطائفة الشيعية في لبنان في العام 1982، وهو تنظيم حــــــزب الله، ودعمه بكل وسائل الدعم منذ ذلك اليوم لغاية الآن وبتصاعد، ومقف هذا الحـــــــزب من الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان وفلسطين شاهد لا يحتاج لدلائل،وبدون مقابل ولا حتى في الامور السياسية،حتى عندما حدثت قضية البوسنا والهرسك، إندفعت ايران في دعم البوسنيين المسلمين وحلفائهم الكروات بالمال والسلاح للوقوف في وجه الصرب، وعندما تداعت دول الاتحاد السوفياتي للسقوط، قامت الطائرات الايرانية بنقل المساعدات لدولة أذربيجان التي تحدها من الشمال محملة بالدعم والكتب الثقافية وعلى رأسها المصاحف الشريفة التي كانوا في أمس الحصول عليها بعد خضوعهم للنظام الشيوعي ردحا من الزمن، وذلك لان سبعون بالمئة من الشعب الاذري من المسلمين الشيعة،بالرغم من أن أذربيجان الان كنظام هي أقرب لاسرائيل من عدوتها أرمينيا التي تقف في نقطة أقرب لايران..
وعندما إندعلت الانتفاضات الفلسطينية الثلاث الحجارة والاقصى القدس الحالية ، كانت وما زالت إيران في قلب الحدث الانتفاضي دعما ومساندة، وما قضية الاسير اللواء الشوبكي والذي كان مكلفا بإدخال سيفنة السلاح المجانية القادمة من ايران لغزة إلا مثالا ساطعا على ذلك الدعم، وما يصرح به قادة حماس والجهاد اليوم من ثناء وشكر ومدح لايران على دعمها الذي يؤكدون به انه سخي ومتواصل في كل المجالات والذي ساهم في صنع الانتصار الاخير في معركة سيف القدس والوعد بزيادته وتوسيعه.
وعندما أنتهت الحرب العراقية الايرانية والتي دامت ثماني سنوات، وأصدر مجلس الان قراره الشهير الذي يُحمل العراق مسؤولية البدء بالحرب، وما بني على ذلك من إقرار مجلس الامن نفسه لقرار تعويض إيران عن خسائر تلك الحرب والبالغة ترليون ومثتي مليار دولار، وحدث للعراق ما حصل من حصار وإحتلال، لم تطالب إســــــــران رسميا بتنفيذ القرار ، والحصول على التعويض الضخم مراعاة لظروف العراق وشعب العراق، بل وقفت لجانب الشعب العراقي في مقاومة الاحتلال وبناء ألعراق وعندما سيطرت داعش على بعض المحافظات العراقية هبت ايران بالمال والسلاح والمئونة للعراق والعراقيين،وكذلك بالخبراء والكفاءات والتي كان على رأسهم الشهـــــيد قاسم سليماني، فساهمت بشكل كبير في الانتصار على داعش.
أما في سوريا، والحرب الكونية عليها،والتي التقت عليها أمريكيا ودول الغرب مع بعض دول الخليج والتنظيمات الاسلامية المصنفة ارهابية والجهات التكفيرية والعلمانيين الراغبين في التطبيع مع ” اسرائيل”،والتي كان من احد اسباب اندلاعها هو قطع طريق تواصل محور المقاومة والممانعة الممتد من ايران للبنان مرورا بسوريا والعراق وفلسطين، فقد سارعت ايران بالمال والسلاح والخبراء والمتطوعين من العراق والباكستان وافغانستان بالاضافة للمشاركة القوية من حـــــــــــزب الله اللبناني،لافشال تحقيق ذلك الهدف الذي كان لو نجح سيخنق المقـــــــاومة في لبنان، وسيؤثر كثيرا على المقـــــــــاومة الفلسطينية في قطاع غزة،فساهم الموقف الايراني في تحقيق الانتصار على هذا المخطط وأدواته، وأبقى بل عزز التواصل السلس بين دول المحور الاربع المذكورة بكل اريحية.
أما في اليمن الذي شهد تحولا عقائديا انطلاقا من محافظة صعدة على يد الزعيم الراحل بدر الدين الحوثي، ومن بعده نجله السيد عبد الملك الحوثي، الذي خاضت السعودية والنظام اليمني السابق ستة حروب لاستئصال شأفته،لكنهما فشلا في ذلك، ولما هبث الثورة اليمنية، وحاولت المنظومة الخليجية وعلى رأسها السعودية إحتوائها والسيطرة عليها،كان التمدد والسيطرة الواسعة لأنصار الله والجيش اليمني،فوقفت ايران بالباع والذراع لجانب الجيش واللجان الشعبية وما تزال، الامر الذي ساهم في تحقيق الجيش واللجان العديد من الانتصارات الميدانية المدوية والواعدة في بسط السيطرة الثورية على كل اليمن ليحقق استقلاله وكرامته الوطنية ،وبقاءه الى جانب قضاياه العربية المحقة وعلى رأسها قضية فلسطين.
إن دولة مثل إيران والمحاصرة منذ انتصار ثورتها،ولا زالت محاصرة وتخضع لاكثر من الف وستماية قرار حصار وتضييق، الامر الذي أثر بشكل او بآخر على وضعها ألاقتصادي وبالرغم من أحمالها الداخلية، وأعبائها الثقيلة، لا زالت تقدم يد العون لكل مظلوم ومحتاج دون مقابل، بل أنها تصدح بذلك وتفاخر به عندما تُتَهم،وتخفيه وتترفع عن المنة فيه عندما تقدم، ولم تساوم أو تساهم أو تؤثر يوما ما في قرارات من تقدم لهم، ولا حتى تمارس أس ضغط عليهم، وهذا ما قاله الكثيرون منهم ومنهم قيادة حماس والجهاد والحوثيون وحزب الله، بالمعنى دولة تقسم رغيف خبز ابنائها مع غيرهم من المظلومين المدافعين عن الحق والواقفين في وده الباطل دون مقابل مادي ودنيوي لهي دولة فريدة في هذا الزمان بل وفي كل الازمنة لم نعرفها ولم نقرأ عنها حتى في الدولة الفاضلة الافلطونية، الامر الذي يجعلها بقيادتها وشعبها دولة وشعب يستحقون القول فيهم انهم ليسوا بشرا ، كباقي البشر في هذا العالم المادي، بل هم أعلى وأنبل وأسمى من نمط باقي البشر .