kayhan.ir

رمز الخبر: 131467
تأريخ النشر : 2021May22 - 19:55

محور المقاومة وخط الانتصارات التصاعدي

 

مريم رضا

 عندما استلم العميد "إسماعيل قاآني" مهام قيادة فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني بعد استشهاد الحاج قاسم سليماني، انهالت حملة من التضليل الإعلامي والدعائي لتشويه صورة الخلف ضمن حملة بروباغندا منظمة ومكثفة تستهدف توهين شعوب محور المقاومة بحملها على فقدان الثقة بالخط المقاوم والقيادة الحكيمة والمقتدرة. أرادت الحملة آنذاك كي الوعي على المستويين الشعبي والقيادي والتأثير فيه باعتبار تداعيات افتقاد شخصية القائد سليماني على أضلاع محور المقاومة كافة، وتاليًّا البيئة المقاومة. واليوم، والعالم بأجمعه يشهد على الانتصارات التي حققتها وتحققها فصائل المقاومة الفلسطينية في عملية "سيف القدس" ضد العدو الصهيوني، يحتاج المغرضون والمدّعون إعادة احتساب الرهانات وتقييم مسار المحور بموضوعية، فضلًا عن الإنجازات.

وتقدّم رسالتا القائد قاآني في العشرين من شهر أيار الجاري، لقادة المقاومة في فلسطين، وتحديدًا قائد سرايا عز الدين القسام محمد الضيف، وقائد سرايا القدس أكرم العجّوري، دلالات عدة تساهم في الفهم الواعي والتقييم الدقيق لواقع محور المقاومة. ولا بد من الإشارة إلى أن قوة الرسالتين لا تنحصر في مدلول المضمون فقط، وإنما تظهر في دلالة التوقيت أيضًا، لجهة قطع أوهام العدو الإسرائيلي في إطالة أمد الحرب واستنزاف الفصائل المقاومة الفلسطينية، وذلك ضمن استراتيجية "الاقتراب الموزَّع" لدى محور المقاومة. فالمحور وإن يقارب التحديات على مختلف أضلاعه بشكل موزّع يخوض فيها كل طرف معركته ومواجهته الخاصة، إلا أن الضرورة أو الفرصة المناسبة هي التي تحسم اللحظة الاستراتيجية لتدخل المحور بشكل جماعي.

 وعلى مستوى المضمون، تكمن هذه الدلالات في مفاهيم تجمع أبرز مبادئ وركائز محور المقاومة للرهان على النصر الاستراتيجي الآتي في مقابل بدء أفول الهيمنة الأمريكية وجريان خط الانحدار الإسرائيلي. وهذه المفاهيم أو العناصر هي: قوة القيادة، وتلاحم الجبهات، وتنامي القدرات القتالية، وصمود البيئة المقاومة، ومحورية القضية الفلسطينية، ووحدة العقيدة المقاومة، والنضال كقيمة إنسانية وأخلاقية. ويمكن قراءة المفاهيم وفق الترتيب أعلاه ضمن سلسلة مترابطة من عناصر رؤية المقاومة الاستراتيجية على مستوى المحور ككل، علمًا أنه ترتيب يكاد يكون واضحًا في طيات رسالة القائد الضيف.

يبرز مفهوم القيادة في كلام العميد قاآني ليس من باب التفخيم في الخطاب لشخص "أبي خالد الضيف" أو "أبي محمد العجوري" وباقي القادة الفلسطينيين، وإنما بلحاظ أهمية الدور القيادي في تقدم مسيرة أهل فلسطين والأخذ بها قدمًا في الانتفاض "دفاعًا عن كرامة الأمة ومقدساتها"، مع ما للقيادة من سمات مميزة في الثبات وقوة العزيمة "في الصفوف الأولى لساحات الجهاد". وبعد التحية لهؤلاء القادة، يؤكد قائد فيلق القدس على مفهوم وحدة مجاهدي "أرض فلسطين"؛ أي المجاهدين في غزة والضفة وأراضي 48؛ فكانوا في نصرة القدس ومن ثم غزة " كأنهم بنيان مرصوص"، "أشداء على الكفار رحماء في ما بينهم". 

إن هذا المفهوم هو قوام مفهوم تلاحم جبهات المواجهة الفلسطينية الذي أطلقه الإمام الخامنئي في يوم القدس العالمي في شهر أيار الجاري من هذا العام. لقد أدت لحمة فصائل المقاومة وتوجيه إمكاناتها وقدراتها على تعدد أنماط المواجهة إلى إلحاق الهزيمة بالعدو الصهيوني الذي رأى قادته في تحركات فلسطينيي أراضي 48 والضفة تهديدًا لا يقل عن تهديد القدرات الصاروخية. والبعض عدّه تهديدًا وجوديًّا للتداعيات الخطيرة لفقدان السيطرة في شوارع مناطق الداخل. يترجم  تنامي القدرات القتالية داخل فلسطين تضافرَ ثلاثة من عناصر استراتيجية الاقتراب الموزع؛ هي تعميم قدرة كل محور على باقي المحاور، ومراكمة الخبرات والقوة على مدى عقود، وبناء الثقة بتلك القدرات والخبرات وتنميتها.

 لقد تميزت هذه المعركة بمؤازرة الفصائل الفلسطينية بعضها البعض، ففتحت بذلك على حد تعبير القائد قاآني: "زمنًا جديدًا في الصراع مع العدو الصهيوني"، وخطّت مسارًا واضحًا لمفهوم تلاحم الجبهات الذي كرّس من غزة معادلة "مفادها أن العدو لا يمكن له أن يستفرد بالقدس"، تمامًا كما لا يمكن أن يستفرد بالضفة أو أراضي 48 بعد اليوم. ويتكامل العنصر الرابع، أي صمود البيئة المقاومة، مع القيادة وتلاحم الجبهات وقوة ثقل إعداد أدوات المواجهة؛ لتتشكل بذلك قاعدة متينة لمحور المقاومة. وقد خصّ القائد بالسلام الشعب الفلسطيني في المناطق كافة، "المحتضنين لمقاومتهم والصامدين"، ووصف انتفاضتهم في عموم المدن الفلسطينية بأنها تنم عن "وعي وبصيرة".

ويرقى الخطاب مع التمحور حول القضية الفلسطينية كأبرز معالم الثبات في الخط المقاوم ومعايير الاصطفاف السياسي، وفي ذلك يقول القائد قاآني: "القدس هي بوصلة هذا المحور وقبلة جهاده"، و" لقد أعادت معركة سيف القدس الأمة إلى قدسها ومقدساتها". إن ما شهدته مختلف دول العالم من تظاهرات شعبية ومواقف داعمة تنوعت مظاهرها، ناهيك عن غضب الشعب الفلسطيني ومواجهته العدو من جنوب فلسطين إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها، يشهد على حياة القضية الفلسطينية في قلوب المؤمنين بها، وحياة هؤلاء بها. وفي المقابل، كشفت معادلة القدس- غزة، وتاليًا معادلة غزة – الضفة وأراضي 48، وكذلك المواقف الشعبية العربية، خسارة "المتخاذلين والمشتركين في صفقات بيع فلسطين".

وتقوى القضية بما ترفدها القواسم المشتركة في عقيدة المقاومة؛ فالمحور بكل أفراده وأطرافه "أبناء مدرسة إيمانية واحدة"، وفقًا لتعبير القائد. وهذه المشتركات الإيمانية تزود المحور بقوة تحمّلٍ وصبر وثبات تُستقى مفاهيمها من الإيمان بالشهادة والثقة بالوعد الإلهي "بالنصر القريب"، والإيمان بأن النتيجة الحتمية وفق المقدمات السابقة هي "النصر الأكيد والقضاء النهائي على وجود هذا الكيان القائم على الباطل"، وبأن " الخط البياني الانحداري باتجاه زوال العدو الصهيوني قد بدأ وسوف لن يتوقف"، بعدما أثبت تلاحم الجبهات الفسطينية بأن عدو الشعب الفلسطيني وعدو الأمة هو حقًّا "أوهن من بيت العنكبوت". ولعل من أرقى ما طرحه قائد فيلق القدس هو مفهوم النضال الذي أكد عليه القائد الخامنئي، في خطاب يوم القدس، كقيمة إنسانية وأخلاقية هي مسؤولية كل أحرار العالم الرافضين للظلم.

بناء على هذه المضامين، أبدى قائد فيلق القدس جهوزية محور المقاومة، "وهو في العمق محور القدس"، للدفع بإمكاناته وقدراته في طريق نصرة فلسطين وعدم تركها "وحيدة مهما تعاظمت الضغوط واستحكم الحصار". كما وعت كلمات القائد أهمية الحرب النفسية ضد العدو وهو يطرح تزايد تلك الإمكانات والقدرات الجهادية التي "استطاعت تكبيد الجيش الصهيوني خسائر فادحة، وهي قدرات تفوق ما رآه العدو حتى الآن، بل وما يتصوره". وفي وصف القائد قاآني القائد سليماني بـ "شهيد القدس"، أثناء تجديد عهد الأخير على الوفاء بدعم فلسطين حتى التحرير، رسالة لن تكون الأخيرة في دلالتها على ازدياد محور المقاومة "اتّساعًا وقوةً وتماسكًا". 

أما ما ورد في جملة الاختتام من "وأقبّل أياديكم المجاهدة التي يرمي الله بها عدوه، والتي تمهد لصناعة الفتح المبين"، فيحيل القارئ إلى دلالة معنوية قد تعود بذكرى البعض إلى عيون الحاج قاسم سليماني الواثقة بالنصر وفي افتراشه رمال الجبهات جنبًا إلى جنب مع المجاهدين. وبهذا المعنى، تكتمل مدلولات الرسالتين في ثبات مسار محور المقاومة ـ والثبات لا يعني أبدًا الجمود ـ وفي القدرة على المضي بالمسيرة قدمًا، والدفع بالراية جيلًا بعد جيل، ووتدًا بعد وتد. ومن قيادة فيلق القدس إلى قادة المقاومة الفلسطينية إلى كل قادة المحور، يؤكد المسار وحدة الأهداف وتكامل الأدوار وتطور الديناميكيات بما يعزز خط بياني تصاعدي لمحور المقاومة، لن يكون انتصار عملية "سيف القدس" آخرها، حتمًا.