سنصلي في القدس.. صدقت يا سيد
أحمد فؤاد
"الإنسان الذي لا يعرف نفسه ولا يعرف عدوه، سيهزم في كل المعارك، والإنسان الذي يعرف نفسه، لكنه لا يعرف عدوه، سينتصر مرة ويهزم مرة، وحده الذي يعرف نفسه ويعرف عدوه، يستطيع أن لا يكون عرضة للخطر في مئات المعارك".
الحكيم الصيني صن تزو
منذ أقل من عام، نطق الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله بكلمات من ذهب، بأن هذا الجيل سيشهد الصلاة في المسجد الأقصى، وبعدها مباشرة أكد الإمام القائد علي الخامنئي أن "قول السيد نصر الله سأصلي في القدس قابل للتحقق".
كانت الكلمات وعدًا، لا تمنيات إذًا، والقدس الغالية وجدت من يشتري طريقًا إليها، وودعت من باعوها بأبخس الأثمان.
العام الماضي، للتذكرة، كان واحدًا من الأعوام الصعبة التي مرت على محور المقاومة، لم يكن أحدًا يملك التفاؤل المجاني بالأيام المقبلة، مع وجود دونالد ترمب، وجريمته الآثمة باغتيال الشهيد قاسم سليماني، فارس القدس، وواحد من شهداء طريق التحرير العظام.
ارتقى سليماني بعد أن أدى دوره كاملًا لخدمة ما اعتبره قضية حياته، وعنوان مهمته "فيلق القدس"، راهن على الشعب الفلسطيني، في وقت كانت المتاجرة هي شعار الأنظمة الرسمية العربية بالقضية والانقسام، رأي سليماني في كل فلسطيني سلاحًا، بينما رأي غيره أزمة، ووضع الثقة في هذا الجيل الجديد، الذي أوصله الاحتلال والقهر إلى تصميم، بينما كان الكثيرون يعبرون بقلق عن يأس الفلسطيني.
اليوم هو يوم الوفاء، يوم الفداء، ويوم نعاين الدم الزكي يثمر ويزهر، ونرى واقعًا انتصاره على السيف، يوم للإيمان لا للبكاء.
الآن فقط يخرج الفلسطيني، في القدس واللد، بيده العارية وليس معه سوى إيمان ويقين هائلين، ليثبت أنها أمضى وأكثر تدميرًا من جيوشهم وعروشهم، الآن فقط تحصد غزة ثمار الدعم السوري والإيراني واللبناني في وجه غطرسة القوة الصهيونية، وتحيل كل أساطيرها إلى وهم يتبدد مع كل صاروخ يدك قلبها.
للمرة الأولى نعاين مأزق وجود، على هذا المستوى، في قلب الكيان، ونرى الكتابات الصهيونية تطفح بالشكوك حول جدوى المشروع برمته.
في هذه اللحظات المباركة، التي وجد فيها الفلسطيني سلاحًا، قادر على تهديد مستقبل العدو، بالقدر ذاته الذي صادر فيه الكيان مستقبل كل فلسطين، يبدو الوقت مناسبًا لوقفة حساب، ودراسة لجدوى تلك الأنظمة الخائنة وسلاحها الصدئ، مع ما تصر على تمريره عبر أبواقها بأن الفلسطيني يقتل ويجوع، في مرثية تستهدف طمس النصر المتحقق.
عفوًا أيها الخونة، فالفلسطيني يقاتل، دفاعًا عن شرفه وشرفنا، دفاعًا عنا قبل أن يدافع عن نفسه، يدافع عن مقدساتنا نحن، كما هي مقدساته هو.
أحالت غزة المحاصرة منذ عشرين عامًا عاصمة الكيان تل أبيب إلى جحيم، كما هي الحياة اليومية في غزة، عبر الفلسطيني مأزق الشرذمة، واتحد الشعب الرائع الصامد في منظومة واحدة أثبتت صدق مقولة السيد "أوهن من بيت العنكبوت".
بينما على الهامش، وخارج السياق الفاعل، لا تزال دعايات أنظمة التطبيع والعار الحاكمة، في المنطقة العربية، مصممة كأفعى على بث سمومها في وعي شعوبها، الساقطة بين نير ظروف تقترب من أن تكون جحيمًا، وعصا أمنية لا ترقب في الناس إلا ولا ذمة، وتدافع بنادقها عن الكيان الصهيوني، بأكفأ وأحقر ما تدافع عنه بنادقه.
خلال الشهور الماضية، ومع رغبة الأنظمة العربية العارمة في نقل تطبيعها من الغرف السرية إلى العلاقات العلنية، السعودية والإمارات والمغرب، بدأت حملة قذرة استعادت كل كلمات أول خائن عربي، باع وطنه مقابل الرضا الأميركي، أول ما قرر أن كل أوراق لعبته في يد واشنطون وحدها، أول ما قال إن الانتصار على الكيان الصهيوني مستحيل.
في الحقيقة فإن السادات، وكل خلفائه، كانوا منطقيين في أنه لا قِبل لجيوشهم المدجنة بالحرب مع الكيان الصهيوني، ولا بأي حرب عمومًا، وأن السلاح العربي ـ الرسمي ـ هو سلاح مخصوم من حقوقنا، سلاح لا تعرف رصاصته سوى صدورنا وقلوبنا، وفوهته مصوبة دائمًا في وجوهنا.