لماذا يَعكِس بَدء الانسِحاب الأمريكي اليوم من أفغانستان والتّنازلات الكبيرة لإيران في مُحادثات فيينا قلقًا أمريكيًّا من التفوّق العسكري الصيني الروسي المُتسارِع؟
وكيف قلب صاروخ "يوم القيامة” وطائرة "J 20” والناقلة البرمائيّة الصينيّة قواعد الاشتِباك في سقف العالم؟
عبد الباري عطوان
بدأت الولايات المتحدة الأمريكيّة اليوم سحب قوّاتها رسميًّا من أفغانستان (3500 جُندي) بعد خسارة 2500 قتيل و24 ألف جريح، وترليونيّ دولار ليس اعتِرافًا بالهزيمة وإنهاء أطول حُروبها في التّاريخ (20 عامًا) فقط، وإنّما أيضًا استِعدادًا لحُروبٍ جديدة في شرق آسيا وشمال أوروبا على وجه الخُصوص.
الجِنرال لويد أوستن وزير الدّفاع الأمريكي، وأثناء زيارة له أمس لمقرّ القيادة الأمريكيّة في هاواي في المُحيط الهادي قال في تصريحٍ صحافي لافت اختار كلماته بعناية "نحن في طور الاستِعداد لصِراعٍ مُحتَملٍ في المُستقبل لا يُشبِه الحُروب القديمة التي استهلكت وزارة الدّفاع لفترةٍ طويلة”.
الجِنرال أوستن لم يُسَمّ الصين وروسيا كعدوّين رئيسيّين، ولم يَقُل إنّه ينسحب مُكرَهًا ومَهزومًا من أفغانستان لمُواجهة هذين العدوّين الصّاعدين بقوّةٍ، ولكن إرساله السّفن الحربيّة وحاملات الطّائرات إلى البحر الأسود منطقة نُفوذ روسيا، وبحر الصين الجنوبي مِنطقة نُفوذ جيش التّحرير الصيني، يُؤشّر بوضوحٍ إلى ميادين المُواجهات العسكريّة والسياسيّة الأمريكيّة القادمة، ومنطقة الشّرق الأوسط ليست من بينها في جميع الأحوال.
القلق الروسي الصيني المُتصاعِد، والذي يزداد قوّةٍ، وفشلت كُل المغريات والضّغوط الأمريكيّة في فصم عراه، بدأ يَفرِد عضلاته العسكريّة، ويكشف عن أسلحة جديدة مُتطوّرة تعكس تفوّقًا مُرعِبًا في هذا الإطار وبِما يُؤدِّي لفرض دوره الجديد في خريطة القوّة في العالم بأسْرِه.
يُمكِن تسليط الأضواء على جوانب من هذا التحوّل العسكري الاستراتيجي الروسي الصيني الذي بات يُغيّر موازين القِوى وقواعد الاشتِباك، في حلبة التّنافس على زعامة العالم في النّقاط التّالية:
أوّلًا: كشف الصين لأوّل مرّة عن مُقاتلات "J20” المُجهّزة بنظامِ حربٍ إلكترونيّ قويّ، وقُدرةٍ على التّحكّم بسَربٍ من الطّائرات المُسيّرة، وبِما يُؤدِّي أيضًا إلى تعطيل أنظمة الدّفاع الجوّي للخصم حسب ما جاء في مجلّة Ordnance Industry Science Technology.
ثانيًا: إرسال الصين سُفُنًا وناقلات برمائيّة إلى بحر الصين تابعة لجيش التّحرير، يزيد وزنها عن 40 ألف طن، وبنفس حجم حاملات الطّائرات الأوروبيّة مِثل شارل ديغول الفرنسيّة، وتستطيع حمل 20 طائرة مُقاتلة، و20 حوّامة مروحيّة، وعشَرات الدبّابات والعرَبات المسلّحة وقواعد للمنظومات الصاروخيّة الجويّة المُتقدّمة.
ثالثًا: كشف روسيا عن أسلحة استراتيجيّة جديدة ستدخل الخدمة قريبًا، جويّة وبحريّة وبريّة، من بينها غوّاصات نوويّة، وصواريخ باليستيّة مُتطوّرة جدًّا مداها 18 ألف ميل، مِثل صاروخ "إس 28” أو "سارمات” الذي لا يُمكِن اعتِراضه، وتَبْلُغ سُرعته 15 ألف ميل في السّاعة، والمُلقّب بـ”يوم القيامة” النّووي، ويَحمِل 16 رأسًا حربيًّا تقليديًّا أو نوويًّا، وذكرت صحيفة "الصن” البريطانيّة أنّ خُطورته الحقيقيّة تَكمُن في قُدرته على اجتِياز أيّ منظومة دفاعيّة في العالم بِما فيها الأمريكيّة طبعًا، وتدمير منطقة بحجم تكساس التي تُعتَبر ثاني أكبر ولاية أمريكيّة من حيث المِساحة.
رابعًا: تفوّق الصين رسميًّا على الولايات المتحدة وبفارق مئة مُدمّرة في مجال الحرب البحريّة، وتفوّق الطائرة الروسيّة "سو 34” على نظيرتها الأمريكيّة الشّبح أو "إف 35″، والقاذفة الروسيّة العملاقة "تو 160” التي تتفوّق أيضًا، حسب المُحلّليين العسكريين الغربيين، على نظيرتها الأمريكيّة "B 52″، ناهِيك عن منظومة صواريخ "إس 500” المُتطوّرة جدًّا.
ما نُريد الوصول إليه من كُل ما تقدّم أنّ التفوّق العسكري الأمريكي يتراجع أمام التّحالف الروسي الصيني المُتصاعِد الذي ضمّ إليه قوّة نوويّة ثالثة هي كوريا الشماليّة، وأُخرى مُحتَملة هي إيران، وربّما يُفَسِّر هذا التّراجع التّنازلات الأمريكيّة الضّخمة لإيران في مُحادثات فيينا حول العودة إلى إحياء الاتّفاق النووي، والانسِحاب من طرفٍ واحد من أفغانستان، والفشَل في تغيير الأنظمة في فنزويلا وإيران وسورية، ومُواجهة ضُغوط مُتصاعِدَة لإخراج قوّاتها من العِراق بالقوّة.
الحِلف الصيني الروسي الجديد، يختلف كُلِّيًّا عن الاتّحاد السّوفيتي الخصم القديم للولايات المتحدة ومُعَسكرها الغربي من حيث ارتِكازه إلى قاعدةٍ اقتصاديّةٍ قويّةٍ صُلبَةٍ، وتكنولوجيا علميّة وعسكريّة مُتطوّرة، وتفوّق ملحوظ في حُروب "السّايبر” وآخِر جولاتها ضرب 40 مُؤسّسة أمنيّة واقتصاديّة غربيّة 30 مِنها أمريكيّة قبل ثلاثة أشهر.
نتّفق مع الجِنرال أوستن بأنّ حُروب المُستقبل ستكون مُختلفة، ولا تُشبِه الحُروب القديمة، وأبرز أوجه الاختِلاف أنّ بلاده لم تَعُد تملك اليَد العُليا عسكريًّا واقتصاديًّا مثلما كان عليه الحال طِوال المئويّة الماضية بالإضافة إلى أنّ قُدرة حِلف النّاتو الذي تتزعّمه على الحسم بسُرعةٍ، وإرهاب الخُصوم بالعضَلات العسكريّة بالنّظر إلى حالة التّفكّك والهرم التي يعيشها حاليًّا، الأمر الذي يُقَدِّم لنا نحن الذين عانَينا وما زِلنا نُعاني من الظّلم الأمريكي نَشعُر ببعض التّفاؤل، إنْ لم يَكُن الكثير منه.. واللُه أعلم.