موسكو تتحدى استفزاز الغرب باغلاق حزام البحار الثلاثة
يخطئ الكثيرون من المحللين والصحفيين والمعلقين، وحتى السياسيين، بربط التحركات العسكرية الروسية الواسعة النطاق، وعمليات المناورة الواسعة بالقوات، في جنوب غرب البلاد، وفي بحار قزوين وآزوف والبحر الاسود، عندما ينطلقون من ان هذه المناورة بتلك القوات، الجو فضائية والبحرية والبرية ، اضافة الى القوات الخاصة الروسية وقوات الانزال الجوي، التي تم نقل العديد من وحداتها الى المنطقة العسكرية الرابعة والخمسين، في جنوب غرب البلاد، انما هي تدريبات روتينية عادية او ان القصد منها تهديد اوكرانيا او التدخل العسكري لمساندة جمهوريتي دونيتسك ولوغانيسك اللتين استقلتا عن اوكرانيا حديثاً .
ان الهدف الاساسي من هذه المناورات الكبرى، لاختبار الجاهزية القتالية للقوات، هو تأكيد قدرة الردع الاستراتيجي التي تملكها روسيا، سواء على صعيد شرق وجنوب شرق اوروبا (اوكرانيا والبحر الاسود) او على الصعيد الدولي العام . وهو ما يؤكده كلام وزير الدفاع الروسي، الجنرال سيرغي شويغو، عندما قال بتاريخ ٢٠/٤/٢٠٢١، خلال اجتماع في وزارة الدفاع : " تجري متابعة الاوضاع غير المستقره في عدد من دول الشرق الاوسط وجنوب القوقاز، حيث تجبرنا محاولات حلف شمال الاطلسي لعرقلة الاستقرار هناك على اتخاذ اجراءات متكافئة للردع الاستراتيجي وزيادة القدرات القتالية لقوات المنطقة العسكرية الجنوبية .
اذن، فهي مناورات الردع الاستراتيجي، الذي وضع خطوطاً للصد الاستراتيجي، ضد الولايات المتحدة وحلف شمال الاطلسي، ليس فقط في شرق وجنوب شرق اوروبا، وانما في القوقاز و"الشرق الاوسط" والعين على القطب الشمالي، حيث يقيم الجيش الروسي منشآت عسكرية استراتيجية غاية في الاهمية، في تلك المنطقة، تثير هلع الولايات المتحدة والدول الاوروبية، وخاصة الاسكندنافية منها .
وقد أكد قائد القيادة الاستراتيجية الاميركية، وهي اعلى قيادة عسكرية امريكية، يقودها الجنرال شارلز ريتشارد، على طبيعة هذه المناورات الروسية الاستراتيجية، عندما قال قبل ايام : ان روسيا تجري مناورات عسكرية لا مثيل لها منذ الحرب الباردة . وهذا يعني ان الجنرال ريتشارد على وعي تام لطبيعة هذه المناورات .
ولا بد من التنوية الى ضرورة النظر بشكل اكثر عمقاً لهذه التدريبات العسكرية الواسعة النطاق، التي اعلن وزير الدفاع الروسي عن انتهائها اليوم، في بيان صادر عن وزارة الدفاع الروسية جاء فيه ان القيادة العسكرية الروسية ستبدأ بسحب القوات، التي شاركت في عمليات فحص الجهوزية القتالية واعادتها الى قواعدها، اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة ٢٣/٤/٢٠٢١ .
لقد انطوت هذه المناورات على ابعاد عسكرية استراتيجية كبرى اهمها ما يلي :
١)قيام القيادة العسكرية الروسية في نقل جيشين روسيين كاملين، اي ما يقارب ٢٥٠ الف جندي، الى مسرح العمليات، او الى الجبهة المفترضة، خلال ايام قليلة، مع كل ما يتطلبة ذلك من قدرات على صعيد النقل الجوي والبري والبحري .
٢)نجاح هذه القيادة في حشد عشرات الطائرات والمروحيات الحربية، في منطقة العمليات، بسرعة وكفاءة عاليتين، لا بل بسرعة قياسية، اظهرت الحجم الهائل لطاقات روسيا في عمليات الحشد الاستراتيجي، في وقت قياسي، عندما تدعو الضرورة الى ذلك .
٣)وكذلك الامر بالنسبة لنجاحها في حشد عدد كبير من السفن الحربية المختلفة، من اسطولي بحر قزوين والبحر الاسود، وتشكيل قوة بحرية ضاربة، قامت على الفور باغلاق مناطق واسعة من مياه البحر الاسود امام سفن العدو، ما جعلها تظهر قدرة فائقة على قمع اي محاولة بحرية معادية لتنفيذ اعتداءات على السيادة الروسية، على اليابسة، بما في ذلك شبة جزيرة القرم، وفي البحر كذلك .
٤)وانطلاقاً مما تقدم فان بالامكان القول ان المعركة، في جنوب شرق أوكرانيًا وجنوب غرب روسيا والبحر الاسود، قد حسمت استراتيجيا.، حتى قبل ان تبدأ . اضافة الى التأكيد على قدرة وتصميم القيادة الروسية على التحرك الميداني الفوري ليس فقط في منطقة المناورات، وانما ايضاً في القوقاز ومنطقة "الشرق الاوسط" .
علماً ان في ذلك رسالةً واضحة وشديدة اللهجة، الى كل من الولايات المتحدة وتركيا، تنص على ضرورة البدء في الاستعداد للانسحاب الفوري من الاراضي السورية المحتلة تركياً وامريكياً، وان لدى روسيا ما يكفي من القدرات العسكرية والارادة الصلبة على وقف العبث الغربي في العمق الاستراتيجي الروسي .
٥) ولم يكن تصريح وزير الدفاع الروسي الصادر اليوم، بعد الاعلان عن انتهاء المناورات وبدءسحبالوحدات التي شاركت فيها، اعتبارا من يوم غد الجمعة ٢٣/٤/٢٠٢١، نقول ان تصريح الوزير الروسي اليوم والذي قال فيه ان القوات الروسية قادرة ومصممة على الرد على اي خطأ قد ترتكبه قوات حلف شمال الاطلسي في البحر الاسود، خلال المناورات التي ستجريها هناك، الا تأكيد على تصميم القيادة الروسية على حماية سيادتها بالكامل وعلى مواصلة دعم حلفائها في القوقاز و"الشرق الاوسط" بالقدر الكافي لانهاء العدوان الاميركي الاطلسي على هذه الدول وشعوبها.
بعدنا طيبين قولوا الله