لذلك فحركة المقاومة لتحريرها هي بالضرورة جزء من حركة المقاومة والتحرير العالمية الصاعدة.. قوة الكيان ليست ذاتية وهو يحمل بذور فنائه
د. عبد الحي زلوم
قام الانجليز بإجبار الخديوي محمد علي على تغيير نهجه من حماية اقتصاده الى نهج الانفتاح والتجارة الحرة فانهار الاقتصاد المصري . ثم تم اغراق مصر بالديون وتم اجبارها على بيع اسهمها في شركة قناة السويس بعد سنين قليلة من افتتاحها . كان الممول لتلك الصفقة سنة 1875 آل روتشيلد . في تلك الفترة أيضاً بدأ اثنان من قادة البحرية البريطانية ، هما الأدميرال أدموند كوموريل والأدميرال هنري وودز ، بدراسة جدوى استغلال المصادر الطبيعة في (مِدْيَن (، ولم يطل الوقت قبل ظهور شركة بريطانية غامضة تحمل اسم اكس . واي للتنقيب والتطوير المحدودة X.Y Prospecting and Developing Syndicate Ltd. للعمل على استغلال الثروات المعدنية والنفط لأرض مدين ، تم بعدها مباشرة الإعلان عن تأسيس شركة نفط البحر الميت. بالتزامن مع ذلك بدأ أصحاب كارتل المال العالمي اهتمامهم بزيادة الاستيطان اليهودي بفلسطين.
في الربع الاخير من القرن التاسع عشر ، كانت صناعة النفط تحت الهيمنة الفعلية لثلاث عائلات ، هي شركة ستاندارد أويل لعائلة روكفلر ، وعائلة نوبل ، وعائلة روتشيلد . فبالإضافة إلى أهمية قناة السويس كطريق يختصر المسافات بين القارات فقد أعطت القناة شركة بترول آل روتشيلد الروسية مركزاً تنافسياً ضد منتجات شركة ستاندرد أويل الأمريكية في أسواق جنوب وشرق آسيا. فعلى سبيل المثال فإن أول ناقلة نفط تدخل قناة السويس كانت الناقلة موريكس Murex حيث تم تحميلها بأول شحنة لها من مادة الكاز الخاصة بشركة بريتو Brito التابعة لعائلة روتشيلد ، وعبرت قناة السويس بتاريخ 23 أغسطس 1892 . عُقد المؤتمر الصهيوني الاول في سويسرا سنة 1897 والداعي لاقامة دولة يهودية في فلسطين .
مع دخول روسيا مرحلة من الاضطراب السياسي والأمني بفعل نشاط الثوريين ، بدأت المخاوف تسيطر على شركات النفط الروسية من تعرض الإمدادات النفطية الروسية للعراقيل . كانت الصحيفة الثورية التي يصدرها فلاديمير الييخ لينين تطبع في باكو ، وتوزع بواسطة العاملين في الشركات النفطية دون علم الإدارة . وفي باتون كان جوزيف جوغاشريلي ، الذي اشتهر بعد ذلك باسم جوزيف ستالين ، يقود الأنشطة الاشتراكية في الميناء النفطي الرئيسي . وفي ظل هذه الظروف ، قررت عائلة روتشيلد البحث عن إمدادات بديلة ، وخصوصاً في منطقة الشرق الاوسط . وهكذا ، وفي عام 1912 ، باعت عائلة روتشيلد كامل استثماراتها النفطية في روسيا واشترت بدلاً منها أسهماً في شركتي شل ورويال دتش Royal Dutch ؛ لتصبح أكبر مالكة للأسهم في الشركتين المذكورتين ، ولتدخل تلك العائلة اليهودية نفط العراق عبر شركة شل بداية ، والنفط العربي لاحقا عبر شراء الاسهم في شركات النفط العالمية.
ولعلّ الدليل القاطع على ادارة ملف الصهيونية العالمية بما في ذلك انشاء دولة يهودية في فلسطين بأن وعد بلفور قد تم توجيهه من وزارة الخارجية البريطانية الى عميد آل روتشيلد في لندن حيث بدأ وعد بلفور بعبارة ” عزيزي اللورد روتشيلد… ” ، كما وأن عائلة روتشيلد قد رعت وموّلت مشاريع كثيرة في الكيان المحتل بما في ذلك الكنيست الاسرائيلي .
جاء حاييم وايزمان على راس المفوضية الصهيونية مع جيش الجنرال اللنبي الذي احتل فلسطين سنة 1917 وكانت خيمته بجانب خيمة الجنرال اللنبي في معسكر اللد . في صباح زيارة اللنبي للقدس بعد احتلالها مرّ اللنبي بسيارته ليأخذ معه حاييم وايزمان الا ان الاخير اعتذر قائلا ان ذلك سيكون له اثار جانبية غير حميدة بهذا الوقت. كان الجنرال اللنبي مسيحياً صهيونياً بامتياز وقال في اول كلمة له بالقدس :” الان انتهت الحروب الصليبية ".
جاء مع جيش اللنبي المفوضية الصهيونية والتي تلتها الوكالة اليهودية لتكون دولة داخل دولة الانتداب ومن ضمنها كتيبة يهودية بقيادة فلاديمير جابوتنسكي على طرف وكان جيش الامير فيصل على الطرف الاخر علماً بأن جابوتنسكي اصبح الاب الروحي للليكود وأحزاب اليمين المتعصبة اليوم . عسكرت الكتيبة اليهودية في معسكر صرفند في فلسطين والتي تم هيكلتها كجيش يهودي باسم الهاغانا سنة 1920 ، في الوقت الذي كان الانتداب يحكم بالاعدام على اي عربي فلسطيي يمتلك رصاصة واحدة! لم يقتصر عدم التكافئ على هذا ، فقد كانت للحركة الصهيونية امكانيات مادية وادارية بلا حدود مقابل شعب فلسطيني كان لتوّه الجزء الجنوبي من ولاية الشام في الدولة العثمانية والتي كانت تعيش خارج التاريخ ادارياً وعلمياً . في المقابل جاءت امبراطورية العصر الكبرى البريطانية آنذاك ومعها مشروع استيطاني كامل الاركان والتنظيم ادارياً وامنياً واقتصادياً وسياسياً . لم ينقص القيادة الفلسطينية الوليدة آنذاك الشجاعة ولا الوطنية ولكن كان ينقصها الخبرة والتنظيم والموارد المادية مقابل عدو لئيم عالمي التنظيم والهيمنة .
حل ميناحيم يوشيكين محل حاييم وايزمان في رئاسة المفوضية الصهيونية عندما ذهب وايزمان لمؤتمر السلام في فرساي فكانت المفوضية الصهيونية عضواً فاعلاً في مؤتمر السلام ونالت ما أرادت بإدخال وعد بلفور جزءاً من مخرجات مؤتمر السلام . سأل رئيس بلدية القدس موسى كاظم الحسيني يوشيكين عن أخبار مؤتمر السلام . رد الأخير، وهو مهاجر يهودي، بأنه بالرغم من عدم توقيع معاهدة بعد، إلا أنه تم التوصل لاتفاق على القضايا كافة وبأن فلسطين ستبقى في يد البريطانيين بينما أُعْطيت سوريا للفرنسيين. علّق الحسيني بالقول بأن العرب لن يقبلوا بهذا الأمر، فما كان من يوشيكين إلا وأن قاطعه قائلاً: أنظر.. لقد قلت بأنه تمت تسوية الأمور كافة”، وأضاف يوشكين بأن الامير فيصل موافق على ذلك. رد الحسيني عليه بأن الفلسطينيين لم يفوضوا فيصل بتقديم تنازلات بالنيابة عنهم. وعندما ذكّر يوشيكين موسى الحسيني بأن اليهود تاهوا في الصحراء أربعين عاماً قبل الوصول إلى فلسطين، أجابه موسى الحسيني بأن ذلك كان ثمن عدم الإنصات للنبي موسى، وبأنكم قد تتيهون أربعين سنة أخرى إذا لم تنصتوا إلى هذا الموسى( في إشارة إلى شخصه). قام الانجليز بتوصية من المفوضية الصهيونية بطرد الحسيني عن رئاسة بلدية القدس بعد انتفاضة النبي موسى .
تم تعيين هيربرت صاموئيل مندوباً سامياً على فلسطين. لم يكن صامويل يهودياً صهيونياً فحسب لكنه كان من كتب وعد بلفور بنفسه حينما كان وزيراً وهو من قام بما يلزم ليقوم اللورد بلفور بإصداره .
قامت انتفاضات فلسطينية مبكرة ، فانتفاضة النبي موسى ، يوم الأحد الموافق 4 أبريل 1920، تجمع أكثر من 70 ألف فلسطيني في القدس للاحتفال بعيد النبي موسى. ألقيت الخطب الوطنية من على شرفة بلدية القدس أدان فيها المتحدثون الصهيونية وطالبوا بالاستقلال، لتشتعل على إثرها أعمال العنف في أنحاء المدينة تعرض خلالها الحي اليهودي للهجوم. وتم فرض إغلاق كامل على المدينة القديمة وإعلان الأحكام العرفية. ومع ذلك تم إشعال النيران بعدد من المساكن هناك. وفي بوابة يافا استخدم جابوتنسكي ورفاقه الرصاص ضد العرب. انتهت انتفاضة النبي موسى بمصرع خمسة وجرح 216 من اليهود مقابل 4 قتلى و23 جريحاً من العرب.
لعلّ ما جاء في تعليق المؤرخ جوزيف كلاوسنر في صحيفة هآرتس على انتفاضة الفلسطينيين المبكرة ما يبين أن الصراع كان دوماً مع اصحاب النظام الرأسمالي الذين يسيرون الامبراطوريات كأدوات تنفيذية لمشاريعهم ، اذ كتب يقول:” إذا تخيّل العرب أن بإمكانهم دفعنا للحرب والانتصار علينا بسهولة لأننا أقل منهم عدداً الآن، فإنهم بذلك يقترفون خطأً جسيماً. فحملتنا ستضم جميع الـ: 13 مليون يهودي المنتشرين في أنحاء العالم، في وقت يدرك فيه الجميع مدى ما نتمتع به من ذكاء ونفوذ وثراء في أوروبا وأمريكا على وجه الخصوص”. وهذا هو بيت القصيد بعدم تكافئ القوى بين الطرفين ، بالاضافة الى ان دول الكيانات العربية الوليدة قد تم تجييرها لخدمة المشروع الصهيوني ورعايته بحكم وظائفها.
قامت ثورة فلسطينية كبرى سنة 1936 استمرت اكثر من 3 سنوات اضطر الانتداب البريطاني احضار 20 الف جندي وعلى رأسهم اللورد مونتغومري الذي اشتهر لاحقاً في معركة العلمين . كما تآمر حكام العالم العربي ضد تلك الثورة . كذلك كانت الجمعيات الماسونية هي الاكثر تنظيماً حتى داخل الحركات السرية العربية التي حاربت ضد العثمانيين . ولم يوفروا جهداً لمساعدة الحركة الصهيونية ، فمثلاً وجّه المحفل الماسوني الوطني المصري الأكبر إلى أهل فلسطين اثناء ثورتهم الكبرى عام 1936 النداء التالي : ( يا أهل فلسطين تذكروا أن اليهود هم إخوانكم وأبناء عمومتكم ، قد ركبوا من الغربة ، فأفلحوا ونجحوا ثم هم اليوم يطمحون للرجوع إليكم لفائدة وعظمة الوطن المشترك العام.)
قصارى القول: الكيان المغتصب لفلسطين هو مشروع استعماري استيطاني زرعه كارتل المال العالمي ليكون رأس جسره في منطقة يقول خبراؤه الجيوسياسيون ان من يهيمن عليها يهيمن على العالم. فهو كيان لا تنبع قوته من ذاته بل من امبراطوريات العصور والتي هي ادوات تنفيذية لأصحاب الكارتل المالي العالمي في النطام الصهيواميركي الرأسمالي الحالي.
لذلك يجب ان تكون حركة التحرير الفلسطينية جزءا من حركة التحرر العالمية المقاومة للهيمنة الصهيواميركية وهو محور صاعد عربياً واقليمياً وعالمياً وله المستقبل حتماً .
بالتوازي يجب تعظيم المقاومة باعتباها الأسلوب الوحيد لتحرير الوطن بالتحالف مع محور المقاومة الاقليمي والعالمي واعتبار ان اي مفاوضات في زمن عدم توازن القوى وبغياب مقاومة فاعلة هو اضاعة للوقت .
يعاني الكيان المحتل من اضطرابات هيكلية اجتماعية وسياسية ودينية وقومية وعنصرية يزيدها الزمن تأزماً وأغلب الظن انها ستكون هي سبب انهياره . والمقاومة ستعجّل من سرعة هذا الانهيار. لكي لا نذهب بعيداً فبالأمس الأحد 14 مارس 2021 قال جدعون ساعر رئيس حزب (أمل جديد) ان بنيامين نتنياهو يقود البلاد إلى حرب أهلية . كما قال يوم السبت 13 مارس 2021 افيغدور ليبرمان رئيس حزب (إسرائيل بيتنا) انه يجب إلقاء نتنياهو والمتدينين المتشددين اليهود (الحارديم) في مكب النفايات.
ان الانتخابات الفلسطينية المقترحة وشرعنتها مما لا شرعية له هي في حقيقتها محاولة من سلطة أوسلو في رام الله لإضفاء الشرعية على مفاوضات عبَثية قادمة وما ينتج عنها من تنازلات . كيف يمكن لحركة مقاومة كحماس أن تضع يدها بيد سلطة سخرت كل امكاناتها لحماية الاحتلال ليكون اول احتلال خمس نجوم بالتاريخ . هذه سلطة سرطانية عميلة يجب الّا تمتد لها يد أي مقاوم شريف لان يدها الأخرى مع الأجهزة الأمنية للعدو لحماية الاحتلال ومحاربة المقاومة ! ألم يعلن رئيس سلطة أوسلو انه يعتبر التعاون الامني مع العدو واجبه وواجب سلطته المقدس ؟
اذا كان المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين فمن امتهن الخيانة سيلدغ من الجحر الواحد ألف مرة! إن انخراط حركات المقاومة في اي تحالف مع سلطة اوسلو هو تجسيد لما كتبه ناجي العلي عن خوفه من ان تصبح الخيانة وجهة نظر!